فهذا الرجل اعتَقَدَ أنَّ الله لا يقدر على جمعه إذا فعل ذلك، أو شك، وأنَّه لا يبعثه. وكل من هذين الاعتقادين كُفْرٌ يكفُر من قامت عليه الحجّة، لكنه كان يجهل ذلك، ولم يبلغه العلم بما يردّه عن جهله، وكان عنده إيمان بالله وبأمره ونهيه ووعده ووعيده، فخاف من عقابه، فغفر الله له بخشيته. فمن أخطأ في بعض مسائل الاعتقاد، من أهل الإيمان بالله وبرسوله وباليوم الآخر والعمل الصالح، لم يكن أسوأ حالًا من هذا الرجل، فيغفر الله خطأه، أو يعذّبه إن كان منه تفريط في اتِّبَاع الحقّ على قدر دينه. وأمَّا تكفير شخص عُلِم إيمانه بمجرد الغلط في ذلك فعظيم.
فقد ثبت في الصحيح عن ثابت بن الضحَّاك، عن النبي ﷺ قال: " لعن المؤمن كقتله، ومن رمَى مؤمنًا بالكفر فهو كقتله ". وثبت في الصحيح: " أنَّ من قال لأخيه: يا كافر، فقد باء به أحدهما ". وإذا كان تكفير المعيّن على سبيل الشتم كقتله، فكيف يكون تكفيره على سبيل الاعتقاد؟ فإنَّ ذلك أعظم من قتله؛ إذْ كل كافر يُباح قتله، وليس كل من أبيح قتله يكون كافرًا، فقد يُقتل الدَّاعي إلى بدعة؛ لإضلاله الناس وإفساده، مع إمكان أنَّ الله يغفر له في الآخرة لما معه من الإيمان، فإنَّه قد تواترت النصوص بأنّه يخرج من النار مَنْ في قلبه مثقال ذرة من إيمان. الاستقامة / ١٣٥، ١٣٦