للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• وقال ابن كثير : سئل أبو عثمان الواعظ : أي أعمالك أرجى عندك؟ فقال: إني لما ترعرعت وأنا بالري وكانوا يريدونني على التزويج فأمتنع، فجاءتني امرأة فقالت: يا أبا عثمان، قد أحببتك حبًا أذهب نومي وقراري، وأنا أسألك بمقلب القلوب، وأتوسل به إليك لما تزوجتني. فقلت: ألك والد؟ قالت: نعم فأحضرته، فاستدعى بالشهود فتزوجتها، فلما خلوت بها إذا هي عوراء، عرجاء، مشوهة الخلق، فقلت: اللهم لك الحمد على ما قدرته لي. وكان أهل بيتي يلومونني على تزويجي بها، فكنت أزيدها برا وإكراما، وربما احتبستني عندها، ومنعتني من الحضور إلى بعض المجالس، وكأني في بعض أوقاتي على الجمر، وأنا لا أبدي لها من ذلك شيئا، فمكثت كذلك خمس عشرة سنة، فما شيء أرجى عندي من حفظي عليها ما كان في قلبها من جهتي. [البداية والنهاية ١١/ ١٨٨].

• وقال بعض السلف: إن العبد ليمرض فيذكر ذنوبه فيخرج منه مثل رأس الذباب من خشية الله فيغفر له. [موسوعة ابن أبي الدنيا ٤/ ٢٢٨، الجامع المنتخب / ٢١٠].

• وكان بعضهم إذا فتح له في الدعاء عند الشدائد لم يحب تعجيل إجابته خشية أن ينقطع عما فتح له. (١)

[الجامع المنتخب / ٢١٠].


(١) ذكر ابن رجب نبذة يسيرة من لطائف البلايا وفوائدها وحكمها:
منها: تكفير الخطايا بها، والثواب على الصبر عليها، وهل يثاب على البلايا بنفسه؟ فيه اختلاف بين العلماء.
ومنها: تذكير العبد بذنوبه فربما تاب ورجع منها إلى الله ﷿.
ومنها: زوال قسوة القلوب وحدوث رقتها.
ومنها: انكساره لله ﷿ وذله له، وذلك أحب إلى الله من كثير من طاعات الطائعين.

ومنها: أنها توجب للعبد الرجوع بقلبه إلى الله ﷿، والوقوف ببابه والتضرع له والاستكانة، وذلك من أعظم فوائد البلاء، وقد ذم الله من لا يستكين له عند الشدائد، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ﴾ … [المؤمنون: ٧٦]
وقال: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَاسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾ [الأنعام: ٤٢].
ومنها: أن البلاء يوصل إلى قلبه لذة الصبر عليه أو الرضا به، وذلك مقام عظيم جدًّا، وقد تقدمت الإشارة إلى فضل ذلك وشرفه. ومنها: أن البلاء يقطع قلب المؤمن عن الالتفات إلى مخلوق ويوجب له الإقبال على الخالق وحده.
وقد حكى الله عن المشركين إخلاص الدعاء له عند الشدائد فكيف بالمؤمن؟!
فالبلاء يوجب للعبد تحقيق التوحيد بقلبه، وذلك أعلى المقامات وأشرف الدرجات.
ومنها: أن المؤمن إذا استبطأ الفرج ويئس منه ولا سيما بعد كثرة دعائه وتضرعه ولم يظهر له أثر الإجابة، رجع إلى نفسه باللائمة ويقول لها: إنما أتيت من قبلك ولو كان فيك خير لأجبت.
وهذا اللوم أحب إلى الله من كثير من الطاعات فإنه يوجب انكسار العبد لمولاه، واعترافه له بأنه ليس بأهل لإجابة دعائه فلذلك يسرع إليه حينئذ إجابة الدعاء وتفريج الكرب، فإنه تعالى عند المنكسرة قلوبهم من أجله، على قدر الكسر يكون الجبر. الجامع المنتخب / ٢١٠ - ٢١٣

<<  <   >  >>