فإن قال قائل: وإن كان رجل قد علمه الله ﷿ علمًا، فجاءه رجل يسأله عن مسألة في الدين: ينازعه ويخاصمه، ترى له أن يناظره حتى تثبت عليه الحجة، ويرد على قوله؟ قيل له: هذا الذي نهينا عنه، وهو الذي حذرناه من تقدم من أئمة المسلمين. فإن قال قائل: فماذا نصنع؟.
قيل له: إن كان الذي يسألك مسألته، مسألة مسترشد إلى طريق الحق لا مناظرة، فأرشده بأرشد ما يكون من البيان بالعلم من الكتاب والسنة، وقول الصحابة، وقول أئمة المسلمين. وإن كان يريد مناظرتك ومجادلتك، فهذا الذي كره لك العلماء، فلا تناظره، واحذره على دينك، كما قال من تقدم من أئمة المسلمين إن كنت لهم متبعًا. فإن قال: ندعهم يتكلمون بالباطل، ونسكت عنهم؟ قيل له: سكوتك عنهم وهجرتك لِما تكلموا به أشد عليهم من مناظرتك لهم، كذا قال من تقدم من السلف الصالح من علماء المسلمين … فإن قال قائل: فإن اضطر في الأمر وقتًا من الأوقات إلى مناظرتهم، وإثبات الحجة عليهم ألا يناظرهم؟ قيل: الاضطرار إنما يكون مع إمام له مذهب سوء، فيمتحن الناس، ويدعوهم إلى مذهبه، كفعل من مضى في وقت أحمد بن حنبل ﵀: ثلاثة خلفاء امتحنوا الناس، ودعوهم إلى مذهبهم السوء، فلم يجد العلماء بدًا من الذب عن الدين، وأرادوا بذلك معرفة العامة الحق من الباطل، فناظروهم ضرورة لا اختيارًا، فأثبت الله ﷿ الحق مع أحمد بن حنبل، ومن كان على طريقته، وأذل الله العظيم المعتزلة وفضحهم، وعرفت العامة أن الحق ما كان عليه أحمد بن حنبل ومن تابعه إلى يوم القيامة. الشريعة / ٦٩ - ٧١ وقال الصابوني ﵀: ويبغضون - أي أهل الحديث - أهلَ البدع، الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم، ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم، ولا يجادلونهم في الدين ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم، التي إذا مرّت بالآذان، وقرّت في القلوب ضرّت، وجرّت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرت، وفيه أنزل الله ﷿ قوله: ﴿وإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾ [الأنعام: ٦٨]. عقيدة السلف وأصحاب الحديث / ٢٩٨، ٢٩٩.