للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قتلت صناديد الرجال فلم أدع … عدوًا ولم أمهل على ظَنِّه خلقا

وأخليت دور الملك من كل نازل … فشردتهم غربا وبددتهم شرقا

فلما بلغت النجم عزًا ورفعة … وصارت رقاب الخلق أجمع لي رقا

رماني الردى سهمًا فأخمد جمرتي … فها أنا ذا في حفرتي عاطلاً مُلقى

فأذهبت دنياي وديني سفاهة … فمن ذا الذي مني بمصرعة أشقى

ثم جعل يقول ﴿مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ﴾ [الحاقة: ٢٨، ٢٩] فرددها إلى أن توفي. [المنتظم ١٤/ ٢٩٥].

• وقال أيضًا: قال علماء السير: لما احتضر محمد المعتصم بن الرشيد جعل يقول: ذهبت الحِيَلُ ولا حيلة، ولو علمت أن عمري قصير هكذا ما فعلت. [المنتظم ١١/ ١٢٨].

• وقال ابن القيم : قيل لبعضهم: قل: ﴿لَا إِلَهَ إِلاَّ الله﴾ [الصافات: ٣٥] فقال: آه آه، لا أستطيع أن أقولها. وقيل لآخر: قل ﴿لَا إِلَهَ إِلاَّ الله﴾ فقال:

يا رُبَّ قائلة يومًا وقد تعبت … كيف الطريق إلى حمام منجاب؟

ثم قضى. وقيل لآخر: قل (لا إِله إِلا الله) فجعل يهذي بالغناء، ويقول: تاتنا تنتنا، حتى قضى. وقيل لآخر ذلك، فقال: ما ينفعني ما تقول، ولم أدَعْ معصية إلا ركبتها، ثم قضى ولم يقلها. وقيل لآخر ذلك، فقال: وما تغني عني وما أعرف أني صليت لله صلاة؟ ولم يقلها. وقيل لآخر ذلك، فقال: هو كافر بما تقول، وقضى.

وقيل لآخر ذلك، فقال: كلما أردت أن أقولها ولساني يمسك عنها.

قال : وأخبرني من حضر بعض الشحاذين عند موته، فجعل يقول: فلس لله، فلس لله، فلس لله، حتى قضى. وأخبرني بعض التجار عن قرابة له أنه احتضر وهو عنده، وجعلوا يلقنونه (لا إِله إِلا لله) وهو يقول: هذه القطعة رخيصة، هذا مشترى جيد، هذه كذا، حتى قضى. (١) [الداء والدواء / ٩٧، ٩٨].


(١) قال : وسبحان الله! كم شاهد الناس من هذا عبرًا؟ والذي يخفى عليهم من أحوال المحتضرين أعظم وأعظم، فإذا كان العبد في حال حضور ذهنه وقوّته وكمال إدراكه قد تمكن منه الشيطان، واستعمله فيما يريده من معاصي الله، وقد أغفل قلبه عن ذكر الله تعالى، وعطل لسانه عن ذكره، وجوارحه عن طاعته، فكيف الظن به عند سقوط قواه، واشتغال قلبه ونفسه بما هو فيه من ألم النزع؟ وجمع الشيطان له كل قوّته وهمّته، وحشد عليه بجميع ما يقدر عليه لينال منه فرصته فإن ذلك آخر العمل، فأقوى ما يكون عليه شيطانه ذلك الوقت، وأضعف ما يكون هو في تلك الحال، فمن ترى يَسلم على ذلك؟ فهناك ﴿يُثَبِّتُ الله الَّذِينَ آمنُوا بالقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وفِي الآخِرَةِ، وَيُضِلُّ الله الظَّالِمِين وَيَفعَلُ اللهُ مَا يَشَاء﴾ [إبراهيم: ٢٧]
فكيف يوفق بحسن الخاتمة من أغفل الله سبحانه قلبه عن ذكره واتبع هواه، وكان أمره فُرُطا؟
فبعيد مِن قلبٍ بعيدٍ من الله تعالى، غافل عنه، متعبد لهواه، أسير لشهواته، ولسانه يابس من ذكره، وجوارحه معطلة من طاعته، مشتغلة بمعصيته: أن يوفق للخاتمة بالحسنى. الداء والدواء / ٩٨

<<  <   >  >>