ولما فَتَر الوحي عن النبي ﷺ: كان يغدو إلى شواهق الجبال ليلقي نفسه، فيبْدُو له جبريل ﵇ فيقول له (إنك رسول الله) فيسْكن لذلك جَاشه، وتطمئن نفسه. فتَخَلُّلُ الفترات للسالكين أمرٌ لازم لا بد منه، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد، ولم تُخرجه من فرض، ولم تدخله في محرم: رُجي له أن يعود خيرًا مما كان. وفي هذه الفترات والغيوم والحُجب التي تعرض للسالكين من الحِكم مالا يعلم تفصيله إلا الله، وبها يتبين الصادق من الكاذب. فالكاذب: ينقلب على عَقِبَيْه، ويعود إلى رسوم طبيعته وهواه، والصادق: ينتظر الفرج ولا ييأس من رَوْح الله، ويلقي نفسه بالباب طريحًا ذليلًا مسكينًا، كالإناء الفارغ الذي لا شيء فيه البتة ينتظر أن يضع فيه مالك الإناء وصانعه ما يَصلح له، فإذا رأيته قد أقامك في هذا المقام: فاعلم أنه يريد أن يرحمك ويملأ إناءك، فإن وضعت القلب في غير هذا الموضع: فاعلم أنه قلب مضيع، فسل ربه ومن هو بين أصابعه أن يرده عليك ويجمع شملك به. ا. هـ بتصرف. مدارج السالكين ٣/ ٦٣٨ - ٦٤٠