كَإِسْهَالِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ (وَلَوْ شَكَكْنَا فِي كَوْنِهِ مَخُوفًا لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِطَبِيبَيْنِ حُرَّيْنِ عَدْلَيْنِ) اعْتِبَارًا بِالشَّهَادَةِ (وَمِنْ الْمَخُوفِ قُولَنْجُ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا وَهُوَ أَنْ تَنْعَقِدَ أَخْلَاطُ الطَّعَامِ فِي بَعْضِ الْأَمْعَاءِ، فَلَا تَنْزِلَ وَيَصْعَدَ بِسَبَبِهِ الْبُخَارُ إلَى الدِّمَاغِ فَيُؤَدِّيَ إلَى الْهَلَاكِ. (وَذَاتُ جَنْبٍ) وَهِيَ قُرُوحٌ تَحْدُثُ فِي دَاخِلِ الْجَنْبِ بِوَجَعٍ شَدِيدٍ ثُمَّ تَنْفَتِحُ فِي الْجَنْبِ، وَيَسْكُنُ الْوَجَعُ، وَذَلِكَ وَقْتُ الْهَلَاكِ (وَرُعَافٌ) بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ (دَائِمٌ) ؛ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ الْقُوَّةَ بِخِلَافِ غَيْرِ الدَّائِمِ (وَإِسْهَالٌ مُتَوَاتِرٌ) ؛ لِأَنَّهُ يُنَشِّفُ رُطُوبَاتِ الْبَدَنِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُتَوَاتِرِ كَأَنْ يَنْقَطِعَ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ (وَدِقٌّ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَهُوَ دَاءٌ يُصِيبُ الْقَلْبَ، وَلَا تَمْتَدُّ مَعَهُ الْحَيَاةُ غَالِبًا (وَابْتِدَاءُ فَالِجٍ) بِخِلَافِ اسْتِمْرَارِهِ وَسَبَبُهُ غَلَبَةُ الرُّطُوبَةِ، وَالْبَلْغَمِ فَإِذَا هَاجَ رُبَّمَا أَطْفَأَ الْحَرَارَةَ الْغَرِيزِيَّةَ وَأَهْلَكَ. (وَخُرُوجُ الطَّعَامِ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ) بِأَنْ تَنْخَرِقَ الْبَطْنُ فَلَا يُمْكِنُهُ الْإِمْسَاكُ. (أَوْ كَانَ يَخْرُجُ بِشِدَّةٍ وَوَجَعٍ أَوْ وَمَعَهُ دَمٌ) أَيْ مِنْ عُضْوٍ شَرِيفٍ كَكَبِدٍ بِخِلَافِ دَمِ الْبَوَاسِيرِ
وَذَكَرَ كَانَ مَعَ الْمُضَارِعِ لِإِفَادَةِ التَّكْرَارِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ كَانَ حَاتِمُ يُكْرِمُ الضَّيْفَ. (وَحُمَّى مُطْبِقَةٌ) بِكَسْرِ الْبَاءِ أَيْ لَازِمَةٌ لَا تَبْرَحُ (أَوْ غَيْرُهَا) كَالْوِرْدِ وَهِيَ الَّتِي تَأْتِي كُلَّ يَوْمٍ، وَالْغِبِّ وَهِيَ الَّتِي تَأْتِي يَوْمًا وَتُقْلِعُ يَوْمًا، وَالثُّلُثِ وَهِيَ الَّتِي تَأْتِي يَوْمَيْنِ وَتُقْلِعُ يَوْمًا وَحُمَّى الْأَخَوَيْنِ، وَهِيَ الَّتِي تَأْتِي يَوْمَيْنِ وَتَقْطَعُ يَوْمَيْنِ. (إلَّا الرُّبُعَ) وَهِيَ الَّتِي تَأْتِي يَوْمًا، وَتُقْلِعُ يَوْمَيْنِ، فَلَيْسَتْ مَخُوفَةً؛ لِأَنَّ الْمَحْمُومَ بِهَا يَأْخُذُ قُوَّةً مِنْ يَوْمَيْ الْإِقْلَاعِ، وَالْحُمَّى الْيَسِيرَةُ لَيْسَتْ مَخُوفَةً بِحَالٍ، وَالرُّبُعُ وَالثُّلُثُ وَالْغِبُّ وَالْوِرْدُ بِكَسْرِ أَوَّلِهَا. (وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالْمَخُوفِ أَسْرُ كُفَّارٍ اعْتَادُوا قَتْلَ الْأَسْرَى، وَالْتِحَامُ قِتَالٍ بَيْنَ مُتَكَافِئَيْنِ وَتَقْدِيمٌ لِقِصَاصٍ أَوْ رَجْمٍ وَاضْطِرَابُ رِيحٍ وَهَيَجَانُ
ــ
[حاشية قليوبي]
وَالْحُمَّى اللَّازِمَةُ، وَيَنْفَعُهَا شُرْبُ الْبَنَفْسَجِ وَضِمَادُهَا بِهِ وَالْقِرْفَةُ عَلَى الرِّيقِ مُجَرَّبٌ. قَوْلُهُ (وَرُعَافٌ دَائِمٌ) هُوَ بِمَعْنَى: مُتَتَابِعٌ وَمُتَوَاتِرٌ وَهِيَ أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ فَتَعَدُّدُ ذِكْرِهَا تَفَنُّنٌ، أَوْ خَوْفُ لُبْسٍ عَلَى نَحْوِ كَاتِبٍ وَبَعْضُهُمْ جَعَلَ الدَّائِمَ مَا يَكْثُرُ مَعَهُ الْمَوْتُ، وَالْمُتَوَاتِرُ مَا كَانَ مَعَهُ انْفِصَالٌ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى} [المؤمنون: ٤٤] وَالْمُتَتَابِعُ مَا كَانَ بِلَا فَصْلٍ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ) يُفِيدُ أَنَّ الْمُتَوَاتِرَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَدِقٌّ) خَرَجَ بِهِ السُّلُّ وَهُوَ دَاءٌ يُصِيبُ الرِّئَةَ، فَلَيْسَ بِمَخُوفٍ، وَبَعْضُهُمْ جَعَلَهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْقَصَبَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ مَحَلِّهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الدِّقَّ مِنْ أَنْوَاعِ الْحُمِّيَّاتِ وَيَنْفَعُهُ حَلِيبُ اللَّبُونِ وَكُلُّ حُلْوٍ رَطْبٍ كَمَاءِ الْقَرْعِ وَالسُّكَّرِ مَعًا. قَوْلُهُ (وَابْتِدَاءُ فَالِجٍ) هُوَ مَا قَبْلَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، وَقَبْلَ سَبْعِ سَاعَاتٍ، وَالْمُرَادُ بِالْفَالِجِ هُنَا اسْتِرْخَاءُ أَيِّ عُضْوٍ كَانَ مِنْ أَعْضَاءِ الْبَدَنِ، وَبَعْضُهُمْ خَصَّهُ بِاسْتِرْخَاءِ أَحَدِ شِقَّيْ الْبَدَنِ، وَيَنْفَعُهُ أَكْلُ الثُّومِ وَعَسَلِ النَّحْلِ وَالْفُلْفُلِ. قَوْلُهُ: (وَخُرُوجُ الطَّعَامِ) هُوَ مُرَتَّبٌ عَلَى الْإِسْهَالِ الَّذِي تَقَدَّمَ أَنَّهُ غَيْرُ مَخُوفٍ فَكَانَ الْأَنْسَبُ ذِكْرَهُ مَعَهُ، فَإِسْهَالُ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ غَيْرُ مَخُوفٍ كَمَا مَرَّ، إلَّا إنْ كَانَ مَعَهُ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ. قَوْلُهُ: (بِشِدَّةٍ وَوَجَعٍ) وَيُسَمَّى الزَّحِيرَ. قَوْلُهُ: (وَذِكْرُ كَانَ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى اعْتِبَارِ التَّكْرَارِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالْإِسْهَالِ الْمُتَوَاتِرِ، كَمَا تَقَدَّمَ أَيْ فَهُوَ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِهِ وَإِفَادَةُ التَّكْرَارِ لَهَا عُرْفًا لَا وَضْعًا. قَوْلُهُ: (مُطْبِقَةٌ بِكَسْرِ الْبَاءِ) أَيْ عَلَى الْأَشْهَرِ وَمَعْنَى كَوْنِهَا لَا تَبْرَحُ بِأَنْ تَتَجَاوَزَ يَوْمَيْنِ أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهَا. قَوْلُهُ: (كُلَّ يَوْمٍ) أَيْ فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَلَمْ تَسْتَغْرِقْهُ وَلَا تَتَقَيَّدُ بِقَدْرِ زَمَنٍ. قَوْلُهُ: (تَأْتِي يَوْمًا) أَيْ فِيهِ وَإِنْ اسْتَغْرَقَتْهُ. قَوْلُهُ: (وَتُقْلِعُ يَوْمًا) فَلَا تَأْتِي فِي جُزْءٍ مِنْهُ، وَيُقَالُ مِثْلَ ذَلِكَ فِيمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (الرُّبْعَ) وَتُسَمِّيهَا الْعَامَّةُ الْمُثَلَّثَةَ نَظَرًا لِيَوْمَيْ إقْلَاعِهَا مَعَ يَوْمِ مَجِيئِهَا وَالْأَوَّلَ نَظَرًا لِيَوْمَيْ إقْلَاعِهَا وَيَوْمَيْ مَجِيئِهَا. قَوْلُهُ: (بِكَسْرِ أَوَّلِهَا) أَيْ الْأَرْبَعَةِ مَعَ الْمُثَلَّثَتَيْنِ فِي الثُّلُثِ وَمَعَ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ فِي الْغِبِّ. قَوْلُهُ: (أَسْرُ كُفَّارٍ) لَيْسَ قَيْدًا بَلْ الْمُرَادُ مَنْ يَعْتَادُ قَتْلَ الْأَسْرَى كَالْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ. قَوْلُهُ: (وَتَقْدِيمٌ إلَخْ) خَرَجَ بِهِ الْحَبْسُ لِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَهَيَجَانُ مَوْجٍ فِي رَاكِبِ سَفِينَةٍ) فِي بَحْرٍ أَوْ نَهْرٍ عَظِيمٍ كَالنِّيلِ وَإِنْ عَرَفَ السِّبَاحَةَ وَكَانَ قَرِيبًا مِنْ الْبَرِّ. قَوْلُهُ: (وَطَلْقُ حَامِلٍ) لَا بِعَلَقَةٍ أَوْ مُضْغَةٍ، وَلَا مَشِيمَتِهِمَا، وَمَوْتُ الْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ مَخُوفٌ، وَلَوْ بِلَا وَجَعٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
فَرْعٌ: يَلْحَقُ بِالْمَخُوفِ أَيْضًا زَمَنُ الْوَبَاءِ وَالطَّاعُونِ لِمَنْ غَلَبَ فِي أَمْثَالِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَيَحْرُمُ دُخُولُ بَلَدِهِ وَالْخُرُوجُ مِنْهَا مُطْلَقًا.
فَائِدَةٌ: رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ حَدِيثًا فِي مِصْرَ وَلَفْظُهُ «مِصْرُ يُسَاقُ إلَيْهَا أَقَلُّ النَّاسِ أَعْمَارًا فَاِتَّخِذُوا خَيْرَهَا وَلَا تَتَّخِذُوهَا دَارًا» . قَوْلُهُ: (وَالْخِلَافُ إلَخْ) فِيهِ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي تَعْبِيرِهِ بِالْمَذْهَبِ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلْقِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ غَلَبَ غَيْرَهَا، وَيُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُعَبَّرَ عَنْهُ بِالْمَذْهَبِ فِي مَسْأَلَةِ الْقِصَاصِ هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ مِنْ الطَّرِيقِ الْحَاكِيَةِ لِلْخِلَافِ لِطَرِيقِ الْقَطْعِ وَفِي غَيْرِهَا، إمَّا طَرِيقُ الْقَطْعِ أَوْ
[حاشية عميرة]
مِنْ عَلَامَاتِهَا الْحُمَّى، وَالْوَجَعُ النَّاخِسُ تَحْتَ الْأَضْلَاعِ، وَضَعْفُ النَّفَسِ وَتَوَاتُرُهُ وَفِي الْحَدِيثِ «مَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَنِي بِهَا» . قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَالِجٍ) هُوَ فِي عُرْفِ الْأَطِبَّاءِ الِاسْتِرْخَاءُ لِشَيْءٍ مِنْ الْبَدَنِ وَلَيْسَ هَذَا مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَإِذَا هَاجَ) الضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: وَسَبَبُهُ. قَوْلُهُ (بِأَنْ تَنْخَرِقَ الْبَطْنُ إلَخْ) وَكَذَا قَوْلُهُ الْآتِي وَذُكِرَ إلَخْ. كَأَنَّهُ دَفْعٌ لِمَا اُعْتُرِضَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ اتِّصَالُهَا بِنَوْعِ إسْهَالٍ. قَوْلُهُ: (بِكَسْرِ الْبَاءِ) أَيْ وَيَجُوزُ الْفَتْحُ وَفِي الْحَدِيثِ «الْحُمَّى رَائِدُ الْمَوْتِ» لَكِنْ فِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ، وَلِأَنَّ إطْبَاقَهَا يُذْهِبُ الْقُوَّةَ الَّتِي تَدُومُ بِهَا الْحَيَاةُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (إلَّا الرُّبُعَ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَتُسَمِّيهَا الْعَوَامُّ الْمُثَلَّثَةَ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَهَيَجَانٌ) أَيْ خَارِجٌ عَنْ الْعَادَةِ. قَوْلُهُ: (تَسْتَعْقِبُ الْهَلَاكَ غَالِبًا) وَلَا يَنْدَفِعُ بِدَوَاءٍ كَالْمَرَضِ، وَقَوْلُهُ لَمْ يُصِبْ بَدَنَ الْإِنْسَانِ مُشْكِلٌ فِي الطَّلْقِ وَمَا بَعْدَهُ.
فَائِدَةٌ: خَصَّ الْمَاوَرْدِيُّ مَسْأَلَةَ الطَّلْقِ بِالْأَبْكَارِ وَالْأَحْدَاثِ دُونَ كِبَارِ النِّسَاءِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ، قَوْلُهُ: (قَوْلَانِ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute