للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَحُجَّ عَنْ الْمَيِّتِ) حَجَّةَ الْإِسْلَامِ (بِغَيْرِ إذْنِهِ) أَيْ الْوَارِثِ (فِي الْأَصَحِّ) كَقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَالثَّانِي لَا بُدَّ مِنْ إذْنِهِ لِلِافْتِقَارِ إلَى النِّيَّةِ وَلِلْوَارِثِ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَلَيْسَ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ تَطَوُّعًا إذَا لَمْ يُوصِ بِهِ (وَيُؤَدِّي الْوَارِثُ عَنْهُ) مِنْ التَّرِكَةِ (الْوَاجِبَ الْمَالِيَّ فِي كَفَّارَةِ صِحَّتِهَا) كَكَفَّارَةِ الْوِقَاعِ مِنْ إعْتَاقٍ وَإِطْعَامٍ، وَالْوَلَاءُ لِلْمَيِّتِ. (وَيُطْعِمُ وَيَكْسُو فِي الْمُخَيَّرَةِ) كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُعْتِقُ أَيْضًا) ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ شَرْعًا فَإِعْتَاقُهُ كَإِعْتَاقِهِ، وَالثَّانِي قَالَ: لَا ضَرُورَةَ هُنَا إلَى الْإِعْتَاقِ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ لَهُ) أَيْ فِي الْمُرَتَّبَةِ وَالْمُخَيَّرَةِ أَخْذًا مِنْ الْإِطْلَاقِ. (الْأَدَاءَ مِنْ مَالِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ تَرِكَةً) كَقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَالثَّانِي لَا لِبُعْدِ الْعِبَادَةِ عَنْ سِيَابَةٍ، وَالثَّالِثُ يَمْتَنِعُ الْإِعْتَاقُ فَقَطْ لِبُعْدِ إثْبَاتِ الْوَلَاءِ لِلْمَيِّتِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ يَقَعُ) أَيْ الطَّعَامُ أَوْ الْكِسْوَةُ (عَنْهُ لَوْ تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ بِطَعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ) كَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَالثَّانِي لَا لِبُعْدِ الْعِبَادَةِ عَنْ النِّيَابَةِ (لَا إعْتَاقٍ) أَيْ لَا يَقَعُ عَنْهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِاجْتِمَاعِ بُعْدِ الْعِبَادَةِ عَنْ النِّيَابَةِ وَبُعْدِ الْوَلَاءِ لِلْمَيِّتِ، وَالثَّانِي يَقَعُ عَنْهُ كَغَيْرِهِ وَهَذَا التَّصْحِيحُ فِي الْمُخَيَّرَةِ وَالْمُرَتَّبَةِ أَخْذًا مِنْ الْإِطْلَاقِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ تَصْحِيحِ الْوُقُوعِ فِي الْمُرَتَّبَةِ بِنَاءً عَلَى تَعْلِيلِ

ــ

[حاشية قليوبي]

الْخَمْسِينَ الْمَعْلُومَةَ، فَيَبْقَى مِنْهَا خَمْسُونَ تُقَابِلُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ الشَّيْءِ الْبَاقِيَةَ فَسُدُسُ الشَّيْءِ عَشَرَةٌ فَالشَّيْءُ الْكَامِلُ سِتُّونَ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَحَرِّرْهُ.

قَوْلُهُ: (مِنْ التَّرِكَةِ) قَيْدٌ لِلْوُجُوبِ عَلَى الْوَارِثِ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ، وَلَوْ مَعَ وُجُودِ التَّرِكَةِ وَسَيَأْتِي.

قَوْلُهُ: (الْوَاجِبَ الْمَالِيَّ) خَرَجَ بِهِ الْبَدَنِيُّ فَيَصِحُّ فِي الصَّوْمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ بِمَا فِيهِ. قَوْلُهُ: (كَكَفَّارَةِ الْوِقَاعِ) وَالظِّهَارِ وَدَمِ التَّمَتُّعِ. قَوْلُهُ: (مِنْ إعْتَاقٍ وَإِطْعَامٍ) هُمَا بَيَانٌ لِلْوَاجِبِ الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: (كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ) وَالْحَلْقِ وَنَذْرِ اللَّجَاجِ وَيَتَعَيَّنُ فِي الْمُخَيَّرَةِ أَقَلُّ الْخِصَالِ إنْ كَانَ ثَمَّ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ يَكُنْ تِرْكَةٌ) وَكَذَا إنْ كَانَتْ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (أَيْ الطَّعَامُ أَوْ الْكِسْوَةُ) لَوْ قَالَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقْطَعُ عَنْهُ مَا يَفْعَلُهُ أَجْنَبِيٌّ إلَخْ. لَكَانَ حَسَنًا؛ لِأَنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ خَلَلًا مِنْ وُجُوهٍ؛ لِأَنَّهُ يَنْحَلُّ إلَى قَوْلِك: وَيَقَعُ عَنْهُ الطَّعَامُ وَالْكِسْوَةُ إنْ تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ بِطَعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ، وَلِأَنَّهُ جَعَلَ لَفْظَ إعْتَاقٍ مَعْطُوفًا عَلَى ضَمِيرِ: " يَقَعُ " وَيَلْزَمُهُ الْجَهْلُ بِمَنْ أَوْقَعَهُ، وَعَدَمُ تَسَلُّطِ التَّبَرُّعِ عَلَيْهِ، وَكَانَ الْوَجْهُ كَوْنَهُ مَجْرُورًا عَطْفًا عَلَى طَعَامٍ لِإِفَادَةِ ذَلِكَ، وَذَلِكَ يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ.

قَوْلُهُ: (أَجْنَبِيٌّ) وَالْمُرَادُ بِهِ غَيْرُ الْوَارِثِ كَمَا تَقَدَّمَ وَسَوَاءٌ كَانَ تَرِكَةً أَوْ لَا. قَوْلُهُ: (وَهَذَا التَّصْحِيحُ إلَخْ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ لَكِنْ يَكُونُ الْإِطْلَاقُ مُقْتَضِيًا لِجَرَيَانِ وَجْهٍ تَقَدَّمَ، أَوْ وَقَعَ فِي الْمَرْتَبَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ فَرَاجِعْهُ.

قَوْلُهُ: (بِنَاءً إلَخْ) أَيْ مَا فِي الرَّوْضَةِ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْمَرْتَبَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّعْلِيلِ بِسُهُولَةِ التَّكْفِيرِ بِغَيْرِ الْعِتْقِ فِي الْمُخَيَّرَةِ، أَيْ وَهُوَ تَعْلِيلٌ مَرْجُوحٌ فَالْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ كَذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (صَدَقَةً عَنْهُ) كَوَقْفِ مُصْحَفٍ وَحَفْرِ بِئْرٍ وَغَرْسِ شَجَرٍ، فَهُوَ كَمَا لَوْ فَعَلَهُ فِي حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى نَفْعِهِ بِهِ حُصُولُ ثَوَابِهِ لَهُ، كَأَنَّهُ فَعَلَهُ وَفِي وُسْعِ اللَّهِ مَا يُثِيبُ الْفَاعِلَ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعْنَى نَفْعِهِ بِالدُّعَاءِ حُصُولُ الْمَدْعُوِّ بِهِ لَهُ إذَا تَفَضَّلَ اللَّهُ بِإِجَابَتِهِ، وَهَذَا لَا يُسَمَّى ثَوَابًا. أَمَّا نَفْسُ الدُّعَاءِ فَثَوَابُهُ لِلدَّاعِي؛ لِأَنَّهُ شَفَاعَةٌ أَجْرُهَا لِلشَّافِعِ. وَبِهَذَا فَارَقَ الصَّدَقَةَ نَعَمْ دُعَاءُ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ يَحْصُلُ نَفْسُ ثَوَابِهِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَمَلِهِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ.

فَائِدَةٌ: قِيلَ يَحْرُمُ الدُّعَاءُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرَّحْمَةِ وَفَارَقَتْ الصَّلَاةُ، وَإِنْ كَانَتْ بِمَعْنَاهَا بِأَنَّ فِي لَفْظِ الصَّلَاةِ إشْعَارًا بِالتَّعْظِيمِ، وَفِي لَفْظِ الرَّحْمَةِ إشْعَارًا بِالذَّنْبِ.

فَرْعٌ: ثَوَابُ الْقِرَاءَةِ لِلْقَارِئِ، وَيَحْصُلُ مِثْلُهُ أَيْضًا لِلْمَيِّتِ، لَكِنْ إنْ كَانَتْ بِحَضْرَتِهِ أَوْ بِنِيَّتِهِ أَوْ يَجْعَلُ مِثْلَ ثَوَابِهَا لَهُ بَعْدَ فَرَاغِهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِي ذَلِكَ، وَقَوْلُ الدَّاعِي: اجْعَلْ ثَوَابَ ذَلِكَ لِفُلَانٍ عَلَى مَعْنَى الْمِثْلِيَّةِ، وَمَا ادَّعَاهُ بَعْضُهُمْ مِنْ مَنْعِ إهْدَاءِ الْقِرَاءَةِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَمْنُوعٌ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ، وَعُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّ الصَّدَقَةَ أَوْلَى مِنْ الدُّعَاءِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْقِرَاءَةِ، وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩] فَمَنْسُوخٌ أَوْ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بَلْ قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ: إنَّ ثَوَابَ جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ عَنْ الْمَيِّتِ يَحْصُلُ لَهُ حَتَّى الصَّلَاةَ وَالِاعْتِكَافَ، وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا عِنْدَنَا.

ــ

[حاشية عميرة]

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيَنْفَعُ الْمَيِّتَ صَدَقَةٌ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنْ يَصِيرَ الْمَيِّتُ كَأَنَّهُ تَصَدَّقَ أَيْ بِخِلَافِ الدُّعَاءِ فَإِنَّهُ شَفَاعَةٌ أَجْرُهَا لِلشَّافِعِ، وَمَقْصُودُهَا لِلْمَيِّتِ ثُمَّ إطْلَاقُهُ الصَّدَقَةَ يَشْمَلُ الْوَقْفَ وَقَدْ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْعُدَّةِ فِي وَقْفِ الْمُصْحَفِ، وَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِهِ كُلُّ وَقْفٍ ثُمَّ أَفْهَمَتْ عِبَارَةُ الْكِتَابِ عَدَمَ نَفْعِ الْقِرَاءَةِ لِلْمَيِّتِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَكِنْ اخْتَارَ الْوُصُولَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا مِنْهُمْ ابْنُ الصَّلَاحِ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ أَوْصِلْ ثَوَابَ مَا قَرَأْنَاهُ لِفُلَانٍ قَالَ: وَالْآيَةُ وَالْخَبَرُ لَا يَدُلَّانِ عَلَى بُطْلَانِ هَذَا أَمَّا الْآيَةُ فَلِأَنَّ الْمُرَادَ لَا حَقَّ لَهُ، وَلَا جَزَاءَ إلَّا فِيمَا سَعَى، وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا تَبَرَّعَ الْغَيْرُ بِهِ؛ إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ وَلَا مُجَازَاةَ، وَإِنَّمَا أَعْطَاهُ غَيْرُهُ تَبَرُّعًا، وَالْحَدِيثُ وَارِدٌ فِي عَمَلِهِ وَهَذَا عَمَلُ غَيْرِهِ، وَحَمَلَ غَيْرُهُ الْمَنْعَ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ أَنْ يَكُونَ ثَوَابُ الْقِرَاءَةِ لِلْمَيِّتِ عَنْ غَيْرِ دُعَاءٍ عَقِبَهُ. فَائِدَةٌ قِيلَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُدْعَى لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرَّحْمَةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الصَّلَاةِ لِمَا فِي الصَّلَاةِ مِنْ التَّعْظِيمِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>