(إيجَافِ) أَيْ إسْرَاعِ (خَيْلٍ وَرِكَابٍ) أَيْ إبِلٍ (كَجِزْيَةٍ وَعُشْرِ تِجَارَةٍ وَمَا جَلَوْا عَنْهُ خَوْفًا) مِنْ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ سَمَاعِ خَبَرِهِمْ، (وَمَالِ مُرْتَدٍّ قُتِلَ أَوْ مَاتَ وَ) مَالِ. (ذِمِّيٍّ مَاتَ بِلَا وَارِثٍ فَيُخَمَّسُ) خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ قَالَ تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الحشر: ٧] «وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقْسَمُ لَهُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ وَخُمُسَ خُمُسِهِ، وَلِكُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورِينَ مَعَهُ خُمُسُ خُمُسٍ، وَيُصْرَفُ مَا كَانَ لَهُ بَعْدَهُ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَمِنْ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ لِلْمُرْتَزِقَةِ كَمَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ. وَخُمُسُهُ لِخَمْسَةٍ أَحَدُهَا مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ كَالثُّغُورِ وَالْقُضَاةِ وَالْعُلَمَاءِ يُقَدَّمُ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ وَالثَّانِي بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ وَهُمْ الْمُرَادُ بِذِي الْقُرْبَى فِي الْآيَةِ لِاقْتِصَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقَسْمِ عَلَيْهِمْ مَعَ سُؤَالِ غَيْرِهِمْ. مِنْ بَنِي عَمَّيْهِمْ نَوْفَلٍ وَعَبْدِ شَمْسٍ لَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَيَشْتَرِكُ) فِيهِ (الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ وَالنِّسَاءُ وَيُفَضَّلُ الذَّكَرُ كَالْإِرْثِ) ، فَلَهُ سَهْمَانِ، وَلِلْأُنْثَى سَهْمٌ
ــ
[حاشية قليوبي]
قَوْلُهُ: (خَيْلٍ وَرِكَابٍ) ذَكَرَهُمَا لِلتَّبَرُّكِ بِالْقُرْآنِ فَمِثْلُهُمَا غَيْرُهُمَا كَرَجَّالَةٍ وَسُفُنٍ وَمِنْهُ الْمَسْرُوقُ لِوُجُودِ الْإِيجَافِ فِيهِ وَمِنْهُ اللُّقَطَةُ وَالضَّالَّةُ وَالصَّغِيرُ مِنْهُمْ، وَأَمَّا مَا أَهْدَاهُ الْكُفَّارُ لَنَا وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ، فَهُوَ لِمَنْ أَهْدَى لَهُ، وَلَيْسَ فَيْئًا وَلَا غَنِيمَةً لِعَدَمِ الْإِيجَافِ، وَلِأَنَّهُ بِاخْتِيَارِهِمْ. قَوْلُهُ: (أَيْ إبِلٍ) هُوَ كَالرِّكَابِ لَا وَاحِدَ لَهُمَا وَمُفْرَدُهُمَا بَعِيرٌ أَوْ رَاحِلَةٌ. قَوْلُهُ: (خَوْفًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ) لَيْسَ الْخَوْفُ وَالْمُسْلِمُونَ قَيْدًا فَغَيْرُهُمْ وَلَوْ نَحْوَ مَرَضٍ كَعَجْزٍ عَنْ حَمْلِ شَيْءٍ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (بِلَا وَارِثٍ) أَيْ مُسْتَغْرَقٌ فَمَالُهُ أَوْ الْفَاضِلُ مِنْهُ فَيْءٌ إنْ انْتَظَمَ بَيْتَ الْمَالِ، وَإِلَّا رُدَّ عَلَى الْوَارِثِ كَمَا فِي الْمُسْلِمِ. قَوْلُهُ: (فَيُخَمَّسُ) خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ حَيْثُ صَرَفُوهُ كُلَّهُ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. قَوْلُهُ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ} [الحشر: ٧] لَكِنْ لَيْسَ فِي الْآيَةِ تَصْرِيحٌ بِذِكْرِ التَّخْمِيسِ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ فِي آيَةِ الْغَنِيمَةِ فَحُمِلَ مَا هُنَا عَلَيْهَا وَلِذَلِكَ ذَكَرَ الشَّارِحُ الْحَدِيثَ بَعْدَهَا لِبَيَانِهِ. قَوْلُهُ: (وَخَمَّسَهُ لِخَمْسَةٍ) وَيَتَمَيَّزُ بِالْقُرْعَةِ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (فَلِلَّهِ) ذَكَرَهُ لِلتَّبَرُّكِ. قَوْلُهُ: (يُقْسَمُ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ، إذَا لَمْ يَقَعْ وَإِلَّا لَمَا اُحْتِيجَ لِلْحَمْلِ السَّابِقِ وَيَجِبُ فِيهِ تَقْدِيمُ الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ. قَوْلُهُ: (كَالثُّغُورِ) بِالْمُثَلَّثَةِ وَالْمُعْجَمَةِ الْمَضْمُومَتَيْنِ، جَمْعُ ثَغْرٍ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ، وَهُوَ مَحَلُّ الْخَوْفِ مِنْ أَطْرَافِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَأَصْلُهُ مَحَلُّ الْفَتْحِ. قَوْلُهُ: (وَالْقُضَاةِ) أَيْ فِي الْبِلَادِ لَا قُضَاةِ الْعَسْكَرِ الَّذِينَ مَعَهُ يَحْكُمُونَ لِأَهْلِ الْفَيْءِ فَإِنَّهُمْ مِنْهُمْ. قَوْلُهُ: (وَالْعُلَمَاءِ) وَالْمُرَادُ بِهِمْ الْمُشْتَغِلُونَ، بِأَيِّ عِلْمٍ وَلَوْ مُبْتَدِئِينَ كَعِلْمِ الْقِرَاءَةِ وَالطِّبِّ وَعُلُومِ الْأَدَبِ، كَالنَّحْوِ وَمِثْلُهُمْ الْأَئِمَّةُ وَالْمُؤَذِّنُونَ، وَمَنْ يُرِيدُ حِفْظَ الْقُرْآنِ وَسَوَاءٌ فِي الْجَمِيعِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ وَقَدْرُ الْمُعْطِي إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ بِالْمَصْلَحَةِ، وَيَخْتَلِفُ بِضِيقِ الْمَالِ وَسَعَتِهِ، قَالَ الْغَزَالِيُّ وَيُعْطَى الْفَقِيرُ الْعَاجِزُ عَنْ الْكَسْبِ أَيْضًا.
فَرْعٌ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَوْ مَنَعَ السُّلْطَانُ حَقَّ الْمُسْتَحَقِّينَ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ الظَّفَرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي الْأَمْوَالِ الْعَامَّةِ، وَهَذَا أَحَدُ أَقْوَالٍ أَرْبَعَةٍ ذَكَرَهَا الْغَزَالِيُّ ثَانِيهَا: لَهُ أَنْ يَأْخُذَ كُلَّ يَوْمٍ قَدْرَ قُوتِهِ، ثَالِثُهَا أَنَّهُ يَأْخُذُ كِفَايَةَ سَنَةٍ، رَابِعُهَا أَنْ يَأْخُذَ قَدْرَ مَا كَانَ يُعْطِيهِ الْإِمَامُ، قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ، وَأَقَرَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْخَطِيبُ وَهُوَ الظَّاهِرُ. قَوْلُهُ: (وَيُقَدَّمُ) أَيْ وُجُوبًا. قَوْلُهُ: (بَنُو هَاشِمٍ إلَخْ) فِيهِ تَغْلِيبُ الْمُذَكَّرِ أَيْ الْمُنْتَسِبِ إلَى مَنْ ذُكِرَ فَخَرَجَ وَلَدُ غَيْرِهِمْ، وَلَوْ مِنْ بَنَاتِهِمْ كَمَا سَيَذْكُرُهُ. قَوْلُهُ: (وَهُمْ الْمُرَادُ بِذِي الْقُرْبَى فِي الْآيَةِ) أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مُطْلَقَ الْقَرَابَةِ الشَّامِلَ لِغَيْرِهِمْ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ الْمُرَادِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (بَنِي عَمَّيْهِمْ) هُوَ مَثْنًى وَيُبْدَلُ مِنْهُ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (يَشْتَرِكُ إلَخْ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِحْقَاقُ وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْأَحْوَجِ فَالْأَحْوَجِ. قَوْلُهُ: (كَالْإِرْثِ) أَيْ فِي التَّفْصِيلِ وَكَذَا فِي عَدَمِ صِحَّةِ إعْرَاضِهِمْ عَنْهُ لَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ، فَيَجُوزُ إعْطَاءُ الْأَخِ مَعَ الْأَبِ، وَابْنِ الِابْنِ مَعَ
[حاشية عميرة]
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَإِيجَافِ خَيْلٍ وَرِكَابٍ) وَاحِدَةُ رَاحِلَةٍ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِمَعْنَى أَوْ، وَالتَّقْدِيرُ مَا حَصَلَ عِنْدَ انْتِفَاءِ أَحَدِ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّذِي هُوَ أَعَمُّ مِنْ انْتِفَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ، وَيَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ الْأَعَمِّ انْتِفَاءُ الْأَخَصِّ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (خَوْفًا) مِثْلُهُ مَا جَلَوْا عَنْهُ بِغَيْرِ الْخَوْفِ وَعُذْرُ الْمُصَنِّفِ مُوَافَقَةُ الْغَائِبِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَيُخَمَّسُ) أَيْ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ حَيْثُ قَالُوا: يُصْرَفُ الْجَمِيعُ لِلْمَصَالِحِ مُحْتَجِّينَ، بِأَنَّهُ آيَةُ الْفَيْءِ لَيْسَ فِيهَا تَخْمِيسٌ بِخِلَافِ الْغَنِيمَةِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُطْلَقَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ أَيْ تَرْكِ بَيَانِ التَّخْمِيسِ فِي آيَةِ الْفَيْءِ إحَالَةً عَلَى بَيَانِهِ فِي آيَةِ الْغَنِيمَةِ كَذَا ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ.
قُلْت: وَقَوْلُهُمْ لَيْسَ فِيهَا تَخْمِيسٌ مَحَلُّ تَوَقُّفٍ. نَعَمْ لَيْسَ فِيهَا التَّخْمِيسُ الَّذِي قَالَهُ انْتَهَى. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالْعُلَمَاءُ) قَالَ الْغَزَالِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ الْعُلَمَاءِ وَنَحْوِهِمْ: وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطَى هَؤُلَاءِ مَعَ الْغِنَى وَيَكُونَ إلَى رَأْيِ السُّلْطَانِ بِالْمَصْلَحَةِ، حَكَاهُ عَنْهُ النَّوَوِيُّ فِي بَابِ الْبَيْعِ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. قُلْت: وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ تَقْتَضِيهِ حَيْثُ أَطْلَقَ فِيهِ وَقَيَّدَ فِي الْأَيْتَامِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (كَالْإِرْثِ) يُرِيدُ أَنَّ هَذَا عَطِيَّةٌ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَفْعَلُ فِيهَا مَا ذُكِرَ كَالْإِرْثِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ فَإِنَّهَا عَطِيَّةُ آدَمِيٍّ عَلَى أَنَّ الْمُزَنِيّ وَأَبَا ثَوْرٍ ذَهَبَا إلَى التَّسْوِيَةِ كَالْوَصِيَّةِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَ الْمُدْلِي بِجِهَتَيْنِ، وَالْمُدْلِي بِجِهَةٍ، وَأَنَّهُمْ لَوْ عَرَضُوا عَنْهُ، لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُمْ بِالْإِعْرَاضِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute