الْمَبَاتِ شِقَّيْهِ بِهِمْ
(وَيَنْعَقِدُ بِمَسْتُورِي الْعَدَالَةِ) وَهُمَا الْمَعْرُوفَانِ بِهَا ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا، (عَلَى الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَجْرِي بَيْنَ أَوْسَاطِ النَّاسِ، وَالْعَوَامِّ، وَلَوْ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ لَاحْتَاجُوا إلَى مَعْرِفَتِهَا، لِيُحْضِرُوا مَنْ هُوَ مُتَّصِفٌ بِهَا فَيَطُولُ الْأَمْرُ عَلَيْهِمْ، وَيَشُقُّ، وَالثَّانِي لَا يَنْعَقِدُ بِحُضُورِهِمَا لِتَعَذُّرِ ثُبُوتِهِ بِهِمَا، (لَا مَسْتُورِ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ) ، وَهُوَ مَنْ لَا يُعْرَفُ إسْلَامُهُ، وَحُرِّيَّتُهُ بِأَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ يَخْتَلِطُ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ بِالْكُفَّارِ، وَالْأَحْرَارُ بِالْأَرِقَّاءِ وَلَا غَالِبَ فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ لِسُهُولَةِ الْوُقُوفِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ، وَكَذَلِكَ لَا يَنْعَقِدُ أَيْضًا بِظَاهِرِ الْإِسْلَامِ، وَالْحُرِّيَّةِ بِالدَّارِ حَتَّى يَعْرِفَ فِيهِمَا بَاطِنًا، (وَلَوْ بَانَ فِسْقُ الشَّاهِدِ عِنْدَ الْعَقْدِ، فَبَاطِلٌ عَلَى الْمَذْهَبِ) لِفَوَاتِ الْعَدَالَةِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي هُوَ صَحِيحٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْنِ اكْتِفَاءً بِالسِّتْرِ يَوْمَئِذٍ، (وَإِنَّمَا يُبَيِّنُ) فِسْقَهُ (بِبَيِّنَةٍ) تَقُومُ بِهِ (أَوْ اتِّفَاقِ الزَّوْجَيْنِ) عَلَيْهِ بِأَنْ نَسِيَاهُ عِنْدَ الْعَقْدِ وَتَذَكَّرَاهُ بَعْدَهُ، أَوْ لَمْ يَعْرِفَا عَيْنَ الشَّاهِدِ عِنْدَ الْعَقْدِ ثُمَّ عَرَفَاهُ مَعَ مَعْرِفَتِهِمَا بِفِسْقِهِ، أَوْ عَرَفَا عَيْنَهُ وَفِسْقَهُ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَفِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ قَالَ الْإِمَامُ: تَبَيَّنَ الْبُطْلَانُ بِلَا خِلَافٍ لِانْتِفَاءِ السِّتْرِ عَلَيْهِمَا يَوْمَئِذٍ، وَعَلَيْهِمَا التَّعْوِيلُ فِي التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ، (وَلَا أَثَرَ لِقَوْلِ الشَّاهِدَيْنِ كُنَّا فَاسِقَيْنِ) عِنْدَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَيْسَ لَهُمَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا عَلَى الزَّوْجَيْنِ، (وَلَوْ اعْتَرَفَ بِهِ) أَيْ بِالْفِسْقِ (الزَّوْجُ وَأَنْكَرَتْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا) لِاعْتِرَافِهِ بِمَا يَتَبَيَّنُ بِهِ بُطْلَانُ نِكَاحِهِ (وَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ) الْمُسَمَّى (إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا (فَكُلُّهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهَا فِي الْمَهْرِ، وَهِيَ فُرْقَةُ فَسْخٍ لَا تَنْقُصُ عَدَدَ
ــ
[حاشية قليوبي]
قَوْلُهُ: (وَيَنْعَقِدُ) أَيْ ظَاهِرًا وَلَوْ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْبَحْثُ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ بِخِلَافِ الزَّوْجَيْنِ. قَوْلُهُ: (بِهَا ظَاهِرًا) وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ، وَهِيَ الَّتِي لَمْ تَثْبُتْ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ مَعْرِفَتُهَا بِالْمُخَالَطَةِ، أَوْ لَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (وَلَا غَالِبٌ) قَيْدٌ لِكَوْنِهِ يُسَمَّى مَسْتُورًا فَإِنَّ غَالِبَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ الْأَحْرَارِ سُمِّيَ بِهِ ظَاهِرًا وَلَا يَصِحُّ بِهِ أَيْضًا أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ وَمِثْلُهُمَا مَسْتُورًا الْبُلُوغُ، وَيُقْبَلُ قَوْلُ الشَّاهِدِ: إنَّهُ مُسْلِمٌ أَوْ حُرٌّ أَوْ بَالِغٌ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ فَسَقَ) وَمِثْلُهُ كُلُّ مَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ، وَاللَّامُ فِي الشَّاهِدِ لِلْجِنْسِ، وَمِثْلُهُ الْوَلِيُّ وَالظَّرْفُ بِقَوْلِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ مُتَعَلِّقٌ بِفِسْقٍ لَا بِشَاهِدٍ كَمَا لَا يَخْفَى. قَوْلُهُ: (بِبَيِّنَةٍ) وَلَوْ حِسْبَةً، وَلَا بُدَّ مِنْ تَفْصِيلِهَا. بِخِلَافِ بَيِّنَةِ الْفِسْقِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَتُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ لِتَأَكُّدِ النِّكَاحِ بِالْعَقْدِ وَعِلْمِ الْحَاكِمِ الْمُجْتَهِدِ كَالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ اتِّفَاقِ الزَّوْجَيْنِ) أَيْ فِي حَقِّهِمَا كَرُجُوعٍ بِمَهْرِ مِثْلٍ، وَلَهُمَا الْعَقْدُ حِينَئِذٍ بِلَا مُحَلِّلٍ لَوْ كَانَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ أَمَّا لَوْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ، أَوْ أَقَامَا بِهِ بَيِّنَةً بَعْدَ طَلَاقِهَا ثَلَاثًا لِإِسْقَاطِ التَّحْلِيلِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى.
فَرْعٌ: سَمِعْت مِنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ وَالزِّيَادِيِّ حِينَ سَأَلْته ثُمَّ رَأَيْت أَيْضًا بِخَطِّ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ مَا نَصُّهُ سَأَلْت شَيْخَنَا الرَّمْلِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الْأَنْكِحَةِ الْوَاقِعَةِ بَيْنَ الْعَوَامّ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ شُرُوطَ الْأَنْكِحَةِ، وَالْغَالِبُ فَسَادُهَا هَلْ يَحْتَاجُونَ فِيهَا إلَى تَحْلِيلٍ إذَا وَقَعَ مِنْهُمْ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا فَأَجَابَ بِأَنَّهُ سَأَلَ وَالِدَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: قَدْ سُئِلْت عَنْ ذَلِكَ، وَأَفْتَيْت بِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ التَّحْلِيلِ وَلَا تَجُوزُ بِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ نَسِيَاهُ إلَخْ) تَصْوِيرٌ لِعُذْرِهِمَا فِي إقْرَارِهِمَا بِهِ وَمَحَلُّ قَبُولِ إقْرَارِهِمَا بِهِ إذَا لَمْ يُقِرَّ قَبْلَهُ بِالْعَدَالَةِ وَيَحْكُمْ بِهَا حَاكِمٌ، وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلَا وَلَهُمَا الْعَمَلُ بِمَا يَعْلَمَانِهِ وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُمَا أَحَدٌ غَيْرُ الْحَاكِمِ.
قَوْلُهُ: (وَفِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ) وَهِيَ مَا لَوْ عَرَفَا أَيْ بَانَ لَهُمَا الْآنَ مَعْرِفَةُ عَيْنِهِ وَفِسْقِهِ حَالَةَ الْعَقْدِ فَقَوْلُهُ فِيهَا عِنْدَ الْعَقْدِ مُتَعَلِّقٌ بِفِسْقِهِ، وَلَوْ وَقَعَ وَطْءٌ فِيهَا وَطْءُ شُبْهَةٍ نَظَرًا لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِصِحَّتِهِ. قَوْلُهُ: (لِانْتِفَاءِ السِّتْرِ) أَيْ الَّذِي عَلَّلَ بِهِ الطَّرِيقَ الثَّانِيَ. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِمَا التَّعْوِيلُ) فَلَا الْتِفَاتَ لِلسِّتْرِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا. قَوْلُهُ: (عَلَى الزَّوْجَيْنِ) أَمَّا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَيُقْبَلَانِ كَأَنْ حَضَرَا عَقْدَ أُخْتِهِمَا، ثُمَّ مَاتَتْ وَلَمْ يَزِدْ مَهْرُ مِثْلِهَا عَلَى الْمُسَمَّى. قَوْلُهُ: (فَرَّقَ) أَيْ: لِأَنَّ النِّكَاحَ انْفَسَخَ، وَلَا يَحْتَاجُ لِفَاسِخٍ أَصْلًا فَهِيَ فُرْقَةُ فَسْخٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ وَقَدْ يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ مَا لَوْ أَقَرَّ مُتَزَوِّجُ أَمَةٍ بِأَنَّهُ كَانَ قَادِرًا عَلَى طَوْلِ حُرَّةٍ، حَالَ عَقْدِهِ حَيْثُ قَالُوا: إنَّهَا فُرْقَةُ طَلَاقٍ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ النِّكَاحُ مَعَ الْفِسْقِ، وَيُتَصَوَّرُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّوْلِ كَمَا فِي الْمَالِ الْغَائِبِ، وَبِأَنَّ الْفِسْقَ وَصْفٌ فِي غَيْرِ الْمُقِرِّ بِهِ، فَيَقْرُبُ فِيهِ التَّدْلِيسُ مِنْ الشُّهُودِ، وَالْقُدْرَةُ وَصْفٌ لِلْمُقِرِّ بِهَا، فَيَبْعُدُ التَّدْلِيسُ مِنْهُ فِيهَا بِإِقْدَامِهِ عَلَى الْعَقْدِ، وَالْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالْفُرْقَةِ مِنْ بَابِ الْإِقْرَارِ بِالطَّلَاقِ، فَهُوَ تَغْلِيظٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الشُّهُودَ رُكْنٌ فِي الْعَقْدِ وَالِاعْتِنَاءُ بِهِ أَشَدُّ فَتَأَمَّلْهُ.
[حاشية عميرة]
قَوْلُهُ: (وَهُمَا الْمَعْرُوفَانِ إلَخْ) اقْتَضَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ حَالُهُ فِي الْعَدَالَةِ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَا رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (لَا مَسْتُورَ الْإِسْلَامِ إلَخْ) ظَاهِرُ الْعَطْفِ جَرَيَانُ خِلَافٍ هُنَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ كَذَلِكَ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَوْ بَانَ إلَخْ) مِنْ هُنَا أَخَذَ السُّبْكِيُّ أَنَّ انْعِقَادَهُ بِمَسْتُورِي الْعَدَالَةِ فِي الظَّاهِرِ فَقَطْ. وَتُوبِعَ عَلَى ذَلِكَ بِحَيْثُ أَثْبَتَهُ شَيْخُنَا فِي مَتْنِ الْمَنْهَجِ أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَضِيَّةَ النَّظَرِ إلَى هَذَا الْمَأْخَذِ أَنْ لَا يَخُصَّ مَقَالَتَهُ بِالْمَسْتُورِينَ بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي الْعَدْلَيْنِ بَاطِنًا أَيْضًا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ مَتَى تَبَيَّنَ فِسْقُهُمْ تَبَيَّنَ الْبُطْلَانُ، سَوَاءٌ زُكُّوا عِنْدَ الْحَاكِمِ أَوْ لَا أَمْ كَانُوا مَسْتُورِينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَبَاطِلٌ عَلَى الْمَذْهَبِ) هَذَا شَامِلٌ لِمَا إذَا تَقَدَّمَ الْحُكْمُ بِالْعَقْدِ وَتَعْدِيلُ الشُّهُودِ وَهُوَ كَذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ النِّكَاحَ وَأَرَادَ إثْبَاتَهُ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ: يَبْحَثُ الْقَاضِي عَنْ الشُّهُودِ لَا يَبْحَثُ عَنْ حَالِهِمَا حِينَ الْعَقْدِ، كَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَنَظَرَ فِيهِ فِي الذَّخَائِرِ بِأَنَّ مَحَلَّهُ إذَا شَهِدَ غَيْرُ مَنْ حَضَرَ الْعَقْدَ، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ فِي حَالِهِمَا عِنْدَ الْعَقْدِ. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِمَا التَّعْوِيلُ إلَخْ) أَيْ فَلَا الْتِفَاتَ إلَى السِّتْرِ عَلَى الْوَلِيِّ قَوْلُهُ: (فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا عَلَى الزَّوْجَيْنِ) أَيْ أَمَّا فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمَا فَقَدْ يَكُونُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute