للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَعْرِفَتُهَا بِالسَّمَاعِ، وَقِيلَ يَقْدَحُ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ يُؤَثِّرُ فِي الشَّهَادَةِ فَأَشْبَهَ الصِّغَرَ فَيُزَوِّجُ الْأَبْعَدُ. (وَلَا وِلَايَةَ لِفَاسِقٍ عَلَى الْمَذْهَبِ) مُجْبِرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ فَسَقَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ بِغَيْرِهِ، أَعْلَنَ بِفِسْقِهِ أَوْ أَسَرَّهُ؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ فِي الشَّهَادَةِ فَيَمْنَعُ الْوِلَايَةَ كَالرِّقِّ فَيُزَوِّجُ الْأَبْعَدُ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ يَلِي؛ لِأَنَّ الْفَسَقَةَ لَمْ يُمْنَعُوا مِنْ التَّزْوِيجِ فِي عَصْرِ الْأَوَّلِينَ، وَلِأَنَّ أَمْرَ النِّكَاحِ خَطِيرٌ فَالِاهْتِمَامُ بِشَأْنِهِ، وَإِنْ كَانَ الشَّخْصُ فَاسِقًا أَقْرَبُ مِنْ تَرْكِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا يُفْتِي أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا سِيَّمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ، وَقَطَعَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِالْأَوَّلِ، وَبَعْضُهُمْ بِالثَّانِي، وَبَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمُجْبِرَ يَلِي بِخِلَافِ غَيْرِهِ، لِكَمَالِ شَفَقَتِهِ، وَبَعْضُهُمْ بِعَكْسِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُجْبِرَ قَدْ يَضَعُهَا عِنْدَ فَاسِقٍ مِثْلِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، لِتَوَقُّفِهِ عَلَى إذْنِهَا فَتَنْظُرُ لِنَفْسِهَا، وَبَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ إنْ فَسَقَ بِغَيْرِ شُرْبِ الْخَمْرِ وَلِيَ أَوْ بِشُرْبِهِ، فَلَا يَلِي لِاضْطِرَابِ نَظَرِهِ وَغَلَبَةِ السُّكْرِ عَلَيْهِ، وَبَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ إنْ أَسَرَّ فِسْقَهُ وَلِيَ وَأَعْلَنَ بِهِ فَلَا يَلِي، وَأَفْتَى الْغَزَالِيُّ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَوْ سُلِبَ الْوِلَايَةُ لَانْتَقَلَتْ إلَى حَاكِمٍ فَاسِقٍ وَلِيَ، وَإِلَّا فَلَا وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ بِهِ وَهَا هُنَا أُمُورٌ أَحَدُهَا الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ، إذَا لَمْ يَنْعَزِلْ بِالْفِسْقِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَإِنَّهُ يُزَوِّجُ بَنَاتِهِ وَبَنَاتِ غَيْرِهِ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ تَفْخِيمًا لِشَأْنِهِ، وَقِيلَ لَا كَغَيْرِهِ فَيُزَوِّجُهُنَّ مَنْ دُونَهُ مِنْ الْحُكَّامِ، الثَّانِي الْفِسْقُ يَتَحَقَّقُ بِارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ، أَوْ إصْرَارٍ عَلَى صَغِيرَةٍ كَالْعَضْلِ مَرَّاتٍ أَقَلُّهَا فِيمَا حَكَى بَعْضُهُمْ ثَلَاثٌ، الثَّالِثُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يَلِي اشْتِرَاطُ أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ عَدْلًا فَإِنَّ الْمَسْتُورَ يَلِي بِلَا خِلَافٍ، كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ، وَأَصْحَابُ الْحِرَفِ الدَّنِيئَةِ يَلُونَ، كَمَا رَجَّحَ فِي الرَّوْضَةِ الْقَطْعَ بِهِ بَعْدَ حِكَايَةِ وَجْهَيْنِ

، (وَيَلِي الْكَافِرُ الْكَافِرَةَ) إذَا لَمْ يَرْتَكِبْ مَحْظُورًا فِي دِينِهِ فَإِنْ ارْتَكَبَهُ فَلَا، كَمَا فِي الْمُسْلِمِ الْفَاسِقِ وَسَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ كَافِرًا أَمْ مُسْلِمًا فِي الذِّمِّيَّةِ وَلَا يَلِي الْكَافِرُ الْمُسْلِمَةَ وَلَا الْمُسْلِمُ الْكَافِرَةَ بَلْ يَلِي الْأَبْعَدُ الْمُسْلِمُ فِي الْأُولَى وَالْكَافِرُ فِي الثَّانِيَةِ فَإِنْ فُقِدَ فَالْحَاكِمُ يُزَوِّجُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ، وَهَلْ يَلِي الْيَهُودِيُّ النَّصْرَانِيَّةَ، وَعَكْسُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يَلْحَقَ بِالْإِرْثِ أَيْ

ــ

[حاشية قليوبي]

لِلسُّلْطَانِ كَالْغَائِبِ وَلَوْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: إنَّهُ يَدُومُ ثَلَاثًا انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ مِنْ أَوَّلِهَا قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَقَالَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ: إنَّهُ كَالْغَيْبَةِ فِيمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَلَا يَقْدَحُ الْعَمَى) لَكِنْ يُوَكِّلُ فِي قَبْضِ الْمَهْرِ فَإِنْ عَقَدَ بِهِ مُعَيَّنًا صَحَّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فِي الذِّمَّةِ، وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا كَابْنِ حَجَرٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ الْحَاكِمِ أَنْ يُوَلِّيَ الْأَعْمَى عَقْدَ الْأَنْكِحَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْقَضَاءِ، وَنُقِلَ عَنْ وَالِدِ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ صِحَّةُ تَوْلِيَتِهِ. قَوْلُهُ: (فَأَشْبَهَ الصِّغَرَ) وَرُدَّ بِصِحَّةِ شَهَادَتِهِ بِمَا قَبْلَ الْعَمَى، وَمَحَلُّ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا لَوْ عَقَدَ بِنَفْسِهِ فَإِنْ وَكَّلَ صَحَّ قَطْعًا.

تَنْبِيهٌ: تَقَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِعَقْدِ الْأَخْرَسِ. قَوْلُهُ: (وَلَا وِلَايَةَ لِفَاسِقٍ) فَإِنْ تَابَ زَوَّجَ فِي الْحَالِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ وَأَتْبَاعِهِ وَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ هُنَا بِعَزْمِهِ عَلَى وَفَاءِ الْحُقُوقِ الَّتِي عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهَا فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْمَذْهَبِ) هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ مِنْ الطَّرِيقِ الْحَاكِيَةِ وَيُقَابِلُهَا سَبْعُ طُرُقٍ بِجَعْلِ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ طَرِيقَةً مُسْتَقِلَّةً. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْفَسَقَةَ) أَيْ الَّذِينَ طَرَأَ فِسْقُهُمْ. قَوْلُهُ: (وَأَفْتَى الْغَزَالِيُّ إلَخْ) وَرَدُّوهُ بِأَنَّ الْحَاكِمَ تُنَفَّذُ أَحْكَامُهُ لِلضَّرُورَةِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الصَّحِيحُ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (بَنَاتُهُ) أَيْ وَلَوْ بِالْإِجْبَارِ فِي الْأَبْكَارِ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ شَيْخِنَا لَا بُدَّ مِنْ إذْنِهِنَّ نُطْقًا فِيهِ نَظَرٌ وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلِيٌّ خَاصٌّ أَقْرَبُ مِنْهُ، وَكَذَا بَنَاتُ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ) يُفِيدُ أَنَّهُ انْعَزَلَ عَنْ الْوِلَايَةِ الْخَاصَّةِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا حَاجَةَ لِاسْتِثْنَائِهِ مِمَّا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ كَذَلِكَ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ وِلَايَتَهُ الْعَامَّةَ سَبَبٌ فِي بَقَاءِ الْوِلَايَةِ الْخَاصَّةِ لَهُ بِدَلِيلِ مَا مَرَّ مِنْ تَزْوِيجِهِ بَنَاتِهِ بِالْإِجْبَارِ فَصَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ نَعَمْ يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْأُمُّ هِيَ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِ بَنَاتِهَا لَهَا نُطْقًا كَمَا هُوَ وَاضِحٌ. قَوْلُهُ: (أَوْ إصْرَارٌ عَلَى صَغِيرَةٍ) أَيْ مَا لَمْ تَغْلِبْ طَاعَاتُهُ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ الْمَسْتُورَ يَلِي) هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَفِيهِ بَحْثٌ دَقِيقٌ مَعَ مَا مَرَّ، بِقَوْلِهِ أَعْلَنَ بِفِسْقِهِ أَوْ أَسَرَّهُ. قَوْلُهُ: (الْحِرَفُ الدَّنِيئَةُ) الْمُخِلَّةُ بِالْمُرُوءَةِ. قَوْلُهُ: (يَلُونَ كَمَا رَجَّحَ فِي الرَّوْضَةِ الْقَطْعَ بِهِ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَحَيْثُ قُلْنَا الْفَاسِقُ لَا يَلِي انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ إنْ كَانَ بِلَا خِلَافٍ.

قَوْلُهُ: (وَيَلِي الْكَافِرُ الْكَافِرَةَ) وَإِنْ زَوَّجَهَا لِمُسْلِمٍ أَوْ كَانَتْ عَتِيقَةَ مُسْلِمٍ، وَفَارَقَ عَدَمَ صِحَّةِ شَهَادَتِهِ بِأَنَّهَا وِلَايَةٌ مَحْضَةٌ وَفِي التَّزَوُّجِ حَقٌّ لِنَفْسِهِ بِنَحْوِ دَفْعِ الْعَارِ. قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ يَرْتَكِبْ إلَخْ) هَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ عَدْلٍ فِي دِينِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عَدَمُ الْفِسْقِ لَا الْعَدَالَةِ كَمَا فِي الْمُسْلِمِ كَمَا تَقَدَّمَ وَيُعْرَفُ أَنَّهُ كَذَلِكَ بِإِخْبَارِ عَدَدٍ مُتَوَاتِرٍ مِنْهُمْ، أَوْ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ أَسْلَمَا مِنْهُمْ كَانَا يَعْرِفَانِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَلِي إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ التَّزْوِيجِ بِالْمِلْكِيَّةِ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ صِحَّةِ تَزْوِيجِ السَّيِّدِ الْمُسْلِمِ أَمَتَهُ الْكَافِرَةَ، وَوَلِيُّهُ أَيْ السَّيِّدِ وَلَوْ أُنْثَى مِثْلُهُ وَلَا يُزَوِّجُ الْكَافِرُ أَمَتَهُ الْمُسْلِمَةَ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ فُقِدَ) أَيْ الْوَلِيُّ الْخَاصُّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ

ــ

[حاشية عميرة]

الْوَلِيِّ الْغَائِبِ ذَهَابًا وَإِيَابًا اُنْتُظِرَ، وَإِلَّا زَوَّجَ الْحَاكِمُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ؛ لِأَنَّهُ إذَا زَوَّجَ الْحَاكِمُ مَعَ صِحَّةِ عِبَارَةِ الْغَائِبِ فَمَعَ تَعَذُّرِ ذَلِكَ بِإِغْمَائِهِ أَوْلَى. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَا يَقْدَحُ الْعَمَى فِي الْأَصَحِّ) قِيلَ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا عَقَدَ بِنَفْسِهِ أَمَّا لَوْ وَكَّلَ فَيَصِحُّ قَطْعًا كَنَظِيرِهِ مِنْ الْبَيْعِ، ثُمَّ إذَا قُلْنَا يَلِي وَكَانَ الصَّدَاقُ عَيْنًا لَمْ يَنُبْ كَمَا فِي شِرَاءِ الْغَائِبِ قَالَهُ الشَّيْخَانِ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ يَقْدَحُ) الظَّاهِرُ عَلَى هَذَا أَنَّ الْوِلَايَةَ لِلْأَبْعَدِ كَمَا نَقَلَهُ الْجَبَلِيُّ عَنْ الْإِمَامِ وَاعْتَمَدَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَالَ الرُّويَانِيُّ: يُوَكِّلُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ زَوَّجَ الْقَاضِي.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيَلِي الْكَافِرُ) أَيْ الْأَصْلِيُّ قَوْلُهُ: (أَمْ مُسْلِمًا) لَا يُشْكِلُ ذَلِكَ بِعَدَمِ انْعِقَادِهِ بِالشَّاهِدِ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّ الْفَارِقَ الضَّرُورَةُ فِي الْوَلِيِّ دُونَ الشَّاهِدِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَلِي الْكَافِرُ الْمُسْلِمَةَ إلَخْ) . قَالَ الْقَفَّالُ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ أَصْلَ الْوِلَايَةِ، يَتَعَلَّقُ بِاتِّفَاقِ الْأَدْيَانِ؛ إذْ لَا عَدَاوَةَ أَشَدُّ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الدِّينِ فَوَقَعَتْ التُّهْمَةُ فِي الِاخْتِيَارِ اهـ.

وَاسْتُدِلَّ عَلَى امْتِنَاعِ تَزَوُّجِ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمَةِ بِقِصَّةِ أُمِّ حَبِيبَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَوْلُهُ: (وَالْكَافِرُ فِي الثَّانِيَةِ) أَيْ وَإِلَّا بَعْدَ الْكَافِرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>