للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَلِي وَيُمْكِنُ أَنْ يُمْنَعَ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْمِلَلِ، وَإِنْ كَانَتْ بَاطِلَةً مَنْشَأُ الْعَدَاوَةِ وَسُقُوطُ النَّظَرِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْمُشِيرِ إلَى الْبِنَاءِ عَلَى أَنَّ الْكُفْرَ مِلَّةٌ أَوْ مِلَلٌ كَمَا بَنَاهُ الْمُتَوَلِّي تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ مِنْ عُمُومِ عِبَارَةِ الْمِنْهَاجِ، وَالْمُرْتَدُّ لَا يَلِي مُرْتَدَّةً وَلَا غَيْرَهَا

(وَإِحْرَامُ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ) مِنْ وَلِيٍّ، وَلَوْ كَانَ السُّلْطَانُ، أَوْ زَوْجٍ أَوْ وَكِيلٍ عَنْ أَحَدِهِمَا، (أَوْ الزَّوْجِيَّةِ) بِالْحَجِّ أَوْ بِالْعُمْرَةِ أَوْ بِهِمَا، (يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكَحُ»

(وَلَا تُنْقَلُ الْوِلَايَةُ) إلَى الْأَبْعَدِ (فِي الْأَصَحِّ) لِبَقَاءِ الرُّشْدِ وَالنَّظَرِ (فَيُزَوِّجُ السُّلْطَانُ عِنْدَ إحْرَامِ الْوَلِيِّ لَا الْأَبْعَدُ) وَقِيلَ يُزَوِّجُ الْأَبْعَدُ بِنَاءً عَلَى انْتِقَالِ الْوِلَايَةِ إلَيْهِ (قُلْت) أَخْذًا مِنْ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ (وَلَوْ أَحْرَمَ الْوَلِيُّ أَوْ الزَّوْجُ) بَعْدَ التَّوْكِيلِ (فَعَقَدَ وَكِيلُهُ الْحَلَالُ لَمْ يَصِحَّ) ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ سَفِيرٌ مَحْضٌ فَكَأَنَّ الْعَاقِدَ الْمُوَكِّلُ عَلَى أَنَّهُ قِيلَ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِإِحْرَامِ الْمُوَكِّلِ، وَالْأَصَحُّ لَا فَيُزَوِّجُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ، وَلَوْ أَحْرَمَ السُّلْطَانُ أَوْ الْقَاضِي جَازَ لِخُلَفَائِهِ أَنْ يَعْقِدُوا الْأَنْكِحَةَ، كَمَا ذَكَرَهُ الْخَفَّافُ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمْ بِالْوِلَايَةِ لَا بِالْوَكَالَةِ (وَلَوْ غَابَ الْأَقْرَبُ إلَى مَرْحَلَتَيْنِ زَوَّجَ السُّلْطَانُ) نِيَابَةً عَنْهُ لِبَقَائِهِ عَلَى الْوِلَايَةِ، وَلَا يُسْتَأْذَنُ لِطُولِ مَسَافَتِهِ، (وَدُونَهُمَا لَا يُزَوِّجُ إلَّا بِإِذْنِهِ فِي الْأَصَحِّ) لِقِصَرِ مَسَافَتِهِ، وَالثَّانِي يُزَوِّجُهَا السُّلْطَانُ وَلَا يَنْتَظِرُ إذْنَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَفُوتُ الْكُفْءُ الرَّاغِبُ بِالتَّأْخِيرِ فَتَتَضَرَّرُ بِهِ، وَلَوْ ادَّعَتْ غِيبَةَ وَلِيَّهَا، وَأَنَّهَا خَلِيَّةٌ عَنْ النِّكَاحِ وَالْعِدَّةِ، فَهَلْ يُعَوِّلُ الْحَاكِمُ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ، وَيُزَوِّجُهَا أَمْ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ خَبِيرَيْنِ بِهِ احْتِيَاطًا لِلْأَبْضَاعِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ فَإِنَّ الْعُقُودَ يُرْجَعُ فِيهَا إلَى قَوْلِ أَرْبَابِهَا

ــ

[حاشية قليوبي]

فَالْحَاكِمُ وَلَوْ قَاضِيَ ضَرُورَةٍ يُزَوِّجُ فِيهِمَا بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ، وَالْمُرَادُ بِالْحَاكِمِ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى مَحَلِّ الزَّوْجَةِ، وَيُزَوِّجُ حَاكِمُ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ، وَحَاكِمُ الْكُفَّارِ لَهُمْ. قَوْلُهُ: (يَلْحَقُ بِالْإِرْثِ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ، وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الْمُعَاهَدَ وَالْمُؤَمَّنَ كَالذِّمِّيِّ وَلِأَنَّهُ لَا يَلِي الْحَرْبِيَّ غَيْرُهُ وَعَكْسُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (أَيْ فَيَلِي) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (وَالْمُرْتَدُّ لَا يَلِي) أَيْ لَا يَمْلِكُ لَا بِوِلَايَةٍ وَلَا بِوَكَالَةٍ.

قَوْلُهُ: (وَإِحْرَامُ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ) مِنْ زَوْجٍ أَوْ وَلِيٍّ وَلَوْ عَامًّا أَوْ وَكِيلٍ عَنْ أَحَدِهِمَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ عَقْدِهِ حَالَةَ إحْرَامِهِ وَكَذَا إذْنُهُ لِعَبْدِهِ أَوْ وَلِيِّهِ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ، وَلَوْ بِإِذْنِهِ لَهُ كَذَلِكَ نَعَمْ يَصِحُّ أَنْ يُزَوِّجَ الْوَلِيُّ الْحَلَالُ أَمَةَ مُوَلِّيهِ الْحَرَامِ. قَوْلُهُ: (أَوْ وَكِيلٍ عَنْ أَحَدِهِمَا) أَيْ وَهُمَا حَلَالَانِ فَهُوَ عَكْسُ مَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ) بِكَسْرِ الْكَافِ فِيهِمَا وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَضَمِّهَا مِنْ الْآخَرِ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْعَقْدِ.

قَوْلُهُ: (بَعْدَ التَّوْكِيلِ) لَيْسَ قَيْدًا بَلْ تَوْكِيلُهُ حَالَةَ إحْرَامِهِ كَذَلِكَ، وَسَوَاءٌ فِيهِمَا قَيَّدَ التَّوْكِيلَ بِالْعَقْدِ حَالَةَ الْإِحْرَامِ أَوْ أَطْلَقَ بَلْ يَبْطُلُ التَّوْكِيلُ فِي الْأَوَّلِ بِخِلَافِهِ فِي الثَّانِي، فَلَهُ أَنْ يَعْقِدَ لَهُ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ لِحَمْلِ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ لِيَعْقِدَ لَهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ، وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ مَا لَوْ وَكَّلَ حَلَالٌ مُحْرِمًا فِي أَنْ يُوَكِّلَ حَلَالًا لِيَعْقِدَ لَهُ، وَلَمْ يَقُلْ عَنْ نَفْسِك وَلَا عَنَّا فِيمَا يَظْهَرُ فَيَصِحُّ مُطْلَقًا فَإِنْ قَالَ عَنْ نَفْسِك، أَوْ عَنَّا لَمْ يَصِحَّ كَمَا مَرَّ. وَبِهَذَا يُجْمَعُ التَّنَاقُضُ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ) أَيْ إنْ عُلِمَ أَنَّهُ وَقَعَ حَالَةَ الْإِحْرَامِ وَإِلَّا فَهُوَ صَحِيحٌ لِإِلْغَاءِ الشَّكِّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَحْرَمَ السُّلْطَانُ أَوْ الْقَاضِي إلَخْ) لَيْسَ وَارِدًا عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ بِالْوَكَالَةِ عَنْ الْمُحْرِمِ مِنْهُمَا فَلِذَلِكَ لَمْ يَضُرَّ كَمَا سَيَذْكُرُهُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ غَابَ) هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا مَوْضِعَانِ أَيْ مِنْ الْخَمْسَةِ الَّتِي يُزَوِّجُ بِهَا السُّلْطَانُ أَيْضًا بَعْدَ الْمَوْضِعَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَسَيَأْتِي الْخَامِسُ وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ مَعَ زِيَادَةٍ بِقَوْلِهِ:

وَتُزَوِّجُ الْحُكَّامُ فِي صُوَرٍ أَتَتْ ... مَنْظُومَةً تَحْكِي عُقُودَ جَوَاهِرِ

عَدَمُ الْوَلِيِّ وَفَقْدُهُ وَنِكَاحُهُ ... وَكَذَاك غَيْبَتُهُ مَسَافَةَ قَاصِرِ

وَكَذَاك إغْمَاءٌ وَحَبْسٌ مَانِعٌ ... أَمَةً لِمَحْجُورٍ تَوَارِي الْقَادِرِ

إحْرَامُهُ وَتَعَزُّزٌ مَعَ عَضْلِهِ ... إسْلَامُ أُمِّ الْفَرْعِ وَهْيَ لِكَافِرِ

انْتَهَى فَانْظُرْهُ وَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ: (إلَى مَرْحَلَتَيْنِ) أَيْ بَيْنَ الْوَلِيِّ مُوَلِّيَتِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ لِلسُّلْطَانِ أَوْ الْقَاضِي مَسَافَةٌ مَعَهُمَا وَلَا مَعَ أَحَدِهِمَا. قَوْلُهُ: (زَوَّجَ السُّلْطَانُ) بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْقَاضِي كَمَا عُلِمَ نَعَمْ إنْ كَانَ لِلْغَائِبِ وَكِيلٌ حَاضِرٌ قُدِّمَ عَلَى السُّلْطَانِ. قَوْلُهُ: (لِقَصْرِ مَسَافَتِهِ) نَعَمْ لَوْ تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ لِنَحْوِ حَبْسٍ، وَلَوْ فِي حَبْسِ السُّلْطَانِ زَوَّجَ فِي ذَلِكَ السُّلْطَانُ بِلَا إذْنٍ مِنْهُ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ ادَّعَتْ إلَخْ) هُوَ

ــ

[حاشية عميرة]

قَوْلُهُ: (لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ إلَخْ) رَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -

وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَدَّمَ إمَامُنَا الْأَوَّلَ لِأُمُورٍ مِنْهَا قَوْلُ أَبِي رَافِعٍ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ، وَأَنَا كُنْت الرَّسُولَ بَيْنَهُمَا حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَيْضًا فَابْنُ عَبَّاسٍ، كَانَ يَرَى أَنَّ مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ صَارَ مُحْرِمًا وَلَعَلَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَهَا بَعْدَ تَقْلِيدِ الْهَدْيِ فَكَانَتْ رِوَايَتُهُ عَلَى وَفْقِ مَذْهَبِهِ، وَأَيْضًا فَدَلِيلُنَا مُحْرِمٌ وَقَوْلٌ، وَذَاكَ مُحَلِّلٌ وَفَعَلَ، وَعِنْدَ التَّعَارُضِ يُصَارُ إلَى تَرْجِيحِ الْمُحْرِمِ وَالْقَوْلِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ الْمَتْنُ عِوَضَ الزَّوْجَةِ أَوْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ الصَّبِيُّ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ الْحَلَالِ فَعَقَدَ عَلَيْهِ جَبْرًا لَمْ يَصِحَّ، وَكَذَا يُقَالُ فِي السَّيِّدِ مَعَ عَبْدِهِ، ثُمَّ إنَّهُ كَمَا لَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْمُحْرِمِ لَا يَصِحُّ إذْنُهُ لِعَبْدِهِ الْحَلَالِ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (لَمْ يَصِحَّ) أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَقَدَ الْوَكِيلُ فِي حَالِ صَلَاةِ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَمْنَعُ حَتَّى لَوْ عَقَدَ فِيهَا نَاسِيًا صَحَّ. قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَوْ غَابَ الْأَقْرَبُ إلَخْ) . لَوْ زَوَّجَ السُّلْطَانُ عَلَى ظَنِّ الْغَيْبَةِ الشَّرْعِيَّةِ ثُمَّ تَبَيَّنَ قُرْبُ مَكَانَهُ فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>