للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِشَرَفِ نَسَبِهَا، أَمَّا بَعْدَ النَّسْخِ بِبَعْثَةِ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، فَلَا تُفَارِقُ فِيهِ الْإِسْرَائِيلِيَّة غَيْرَهَا

، (وَالْكِتَابِيَّةُ الْمَنْكُوحَةُ كَمُسْلِمَةٍ فِي نَفَقَةٍ وَقَسْمٍ وَطَلَاقٍ) ، بِخِلَافِ التَّوَارُثِ (وَتُجْبَرُ عَلَى غُسْلِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ) إنْ امْتَنَعَتْ مِنْهُ لِتَوَقُّفِ الْحِلِّ عَلَيْهِ، وَيَفْتَقِرُ عَدَمُ النِّيَّةِ لِلضَّرُورَةِ، كَمَا فِي الْمُسْلِمَةِ الْمَجْنُونَةِ، (وَكَذَا جَنَابَةٌ) أَيْ غُسْلُهَا، (وَتَرْكُ أَكْلِ خِنْزِيرٍ) تُجْبَرُ عَلَيْهِمَا (فِي الْأَظْهَرِ) لِمَا فِي أَكْلِ الْخِنْزِيرِ، وَتَرْكِ الْغُسْلِ مِنْ الِاسْتِقْذَارِ وَتَرْكِ التَّنْظِيفِ وَالثَّانِي لَا تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِمْتَاعَ، (وَتُجْبَرُ هِيَ وَمُسْلِمَةٌ عَلَى غَسْلِ مَا نَجِسِ مِنْ أَعْضَائِهِمَا) لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا

(وَتَحْرُمُ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ وَثَنِيٍّ وَكِتَابِيَّةٍ) ؛ لِأَنَّ الِانْتِسَابَ إلَى الْأَبِ وَهُوَ مِمَّنْ لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ، (وَكَذَا عَكْسُهُ) أَيْ تَحْرُمُ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ كِتَابِيٍّ وَوَثَنِيَّةٍ (فِي الْأَظْهَرِ) تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ، وَالثَّانِي لَا تَحْرُمُ؛ لِأَنَّ الِانْتِسَابَ إلَى الْأَبِ، وَهُوَ مِمَّنْ تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ، (وَإِنْ خَالَفَتْ السَّامِرَةَ) وَهِيَ طَائِفَةٌ تُعَدُّ مِنْ الْيَهُودِ (الْيَهُودُ وَالصَّابِئُونَ) وَهُمْ طَائِفَةٌ تُعَدُّ مِنْ النَّصَارَى (النَّصَارَى فِي أَصْلِ دِينِهِمْ حَرُمْنَ وَإِلَّا فَلَا) ، أَيْ وَإِنْ

ــ

[حاشية قليوبي]

قَوْلُهُ: (أَمَّا بَعْدَ النَّسْخِ) أَيْ بَعْدَ الْعِلْمِ بِدُخُولِ مَنْ تُنْسَبُ إلَيْهِ مِنْ آبَائِهَا بَعْدَ النَّسْخِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا مِنْ أَفْرَادِ الْمُحْتَرَزِ عَنْهُ، بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ قَبْلَ نَسْخِهِ فَاحْتَفِظْ بِهَذِهِ الْقُيُودِ الَّتِي أَهْمَلَهَا الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ هُنَا.

قَوْلُهُ: (نَفَقَةٍ) بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْكُسْوَةِ وَغَيْرِهَا. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ التَّوَارُثِ) وَكَذَا الْحَدُّ بِقَذْفِهَا. قَوْلُهُ (وَتُجْبَرُ) أَيْ وَيَجْبُرُهَا الزَّوْجُ بِخِلَافِ عَكْسِهِ. قَوْلُهُ: (لِتَوَقُّفِ الْحِلِّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَنَفِيًّا يَرَى الْحِلَّ أَوْ عَكْسَهُ، لَمْ تُجْبَرْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْعِلَّةُ لِلْأَغْلَبِ أَوْ لِمَا شَأْنُهُ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (يُغْتَفَرُ عَدَمُ النِّيَّةِ) أَيْ مِنْهَا فَيَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ الزَّوْجُ عَنْهَا كَمَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَنْوِيَ عِنْدَ عَدَمِ الِامْتِنَاعِ، وَمِثْلُهَا الْمَجْنُونَةُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (فَتُجْبَرُ عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى غُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَتَرْكِ أَكْلِ الْخِنْزِيرِ، وَلَوْ مُعْتَدَّةً أَوْ رَتْقَاءَ، أَوْ قَرْنَاء أَوْ مُتَحَيِّرَةً، أَوْ الزَّوْجُ مَمْسُوحًا وَكَذَا جَمِيعُ مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (عَلَى غُسْلِ مَا نَجَسَ مِنْ أَعْضَائِهِمَا) أَيْ الْكَافِرَةِ وَالْمُسْلِمَةِ، وَلَوْ نَجَاسَةً مَعْفُوًّا عَنْهَا أَوْ مُغَلَّظَةً بِالسَّبْعِ مَعَ التَّرْتِيبِ وَيُجْبَرَانِ عَلَى إزَالَةِ الْأَوْسَاخِ مِنْ ثِيَابِهِمَا، وَلَوْ طَاهِرَةً وَكَذَا بَدَنُهُمَا، وَكَذَا إزَالَةُ رِيحِ ذِي رِيحٍ كَرِيهٍ، أَوْ لَوْنِهِ وَعَلَى تَرْكِ أَكْلِهِ كَبَصَلٍ وَثُومٍ وَمُسْكِرٍ وَلَوْ نَبِيذًا وَعَلَى إزَالَةِ ظُفُرٍ أَوْ شَعْرٍ وَلَوْ مِنْ لِحْيَةٍ نَبَتَتْ لَهُمَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا إزَالَتُهَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَإِنْ قَصَدَتْ التَّشَبُّهَ بِالرِّجَالِ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (وَتَحْرُمُ مُتَوَلِّدَةٌ) أَيْ بَيْنَ مَنْ تَحِلُّ وَمَنْ لَا تَحِلُّ، وَكَذَا مُتَوَلِّدٌ كَذَلِكَ وَمِثْلُهُمَا الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ آدَمِيٍّ وَبَهِيمَةٍ، وَلَوْ عَلَى صُورَةِ الْآدَمِيِّ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَيْضًا. قَوْلُهُ: (تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ) وَإِنْ بَلَغَتْ وَاخْتَارَتْ دِينَ الْكِتَابِيِّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ خَالَفَتْ) وَلَوْ احْتِمَالًا. قَوْلُهُ: (السَّامِرَةُ) نِسْبَةً إلَى السَّامِرِيِّ عَابِدِ الْعِجْلِ. قَوْلُهُ: (وَالصَّابِئُونَ) جَمْعُ صَابِئٍ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْمُوَحَّدَةِ، أَوْ تَرْكِهَا، وَلَوْ قَالَ الصَّابِئَةُ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ عَلَى السَّامِرَةِ وَهُوَ نِسْبَةٌ إلَى صَابِئٍ عَمِّ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَقِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى الْمُنْتَقِلِ مِنْ دِينٍ إلَى آخَرَ مِنْ صَابَ بِمَعْنَى رَجَعَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْمَنْسُوبِينَ لِعَمِّ نُوحٍ هُمْ

ــ

[حاشية عميرة]

قَوْلُهُ: (أَمَّا بَعْدَ النَّسْخِ بِبَعْثَةِ نَبِيِّنَا إلَخْ) . هَذَا الْكَلَامُ يَقْتَضِي أَنَّ الدُّخُولَ فِي شَأْنِ الْإِسْرَائِيلِيَّة قَبْلَ بَعْثَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَضُرُّ، وَلَوْ بَعْدَ النَّسْخِ لِشَرِيعَةِ عِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ يَلْتَزِمُ ذَلِكَ لِشَرَفِهِ نَسَبُهَا، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ صَرِيحَةٌ فِي ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: بَلْ لَا يَحْرُمُ مِنْ الْإِسْرَائِيلِيَّات إلَّا مَنْ عُلِمَ دُخُولُ آبَائِهَا بَعْدَ النَّسْخِ بِبَعْثَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى. وَهَا هُنَا سُؤَالٌ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ كَمَا تَرَى يَقْتَضِي أَنَّ الْإِسْرَائِيلِيَّات تَنْقَسِمُ إلَى مَنْ تَحِلُّ وَتَحْرُمُ، وَأَنَّ مَا بِهِ التَّحْرِيمُ مِنْ الدُّخُولِ بَعْدَ بَعْثَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْرٌ مُمْكِنٌ فِي حَقِّهَا، وَحِينَئِذٍ فَكَيْفَ يَجْتَمِعُ ذَلِكَ مَعَ مَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ. حَيْثُ قَالَ: قَالَ الْإِمَامُ مِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهَا مِنْ وَلَدِ إسْرَائِيلَ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ آبَائِهَا دَخَلَ فِي الدِّينِ، وَهُوَ غَيْرُ مُحَرَّمٍ، فَيَجْتَمِعُ شَرَفُ النَّسَبِ، وَالتَّعَلُّقُ بِالدِّينِ قَبْلَ التَّغْيِيرِ انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَنَى كَلَامَهُ هَذَا عَلَى أَنَّ سَائِرَ بَنِي إسْرَائِيلَ آمَنُوا بِمُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ التَّحْرِيمِ لَمْ يَتَخَلَّفْ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ يُحْتَمَلُ تَخَلُّفُ بَعْضِهِمْ، فَالْحَقُّ مَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ؛ إذْ الْمُرَادُ بِالْآبَاءِ مُطْلَقُ الْأُصُولِ، وَلَوْ جَدَّهُ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (فِي نَفَقَةٍ) عِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُخْتَصَرِ هِيَ كَمُسْلِمَةٍ، فِيمَا لَهَا وَعَلَيْهَا إلَّا التَّوَارُثَ نِيَّتُهَا وَرَجَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ، أَمَّا إذَا امْتَنَعَتْ فَيُغَسِّلُهَا الزَّوْجُ وَيَسْتَبِيحُهَا، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ نِيَّةٌ، وَقِيلَ: يَنْوِي عَنْهَا وَهُوَ ضَعِيفٌ كَذَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ قَالَ: يَعْنِي فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَلَوْ امْتَنَعَتْ الْمُسْلِمَةُ فَغَسَّلَهَا قَهْرًا حَلَّتْ وَهَلْ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةِ الزَّوْجِ الظَّاهِرِ أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَجْنُونَةِ، وَرَجَّحَ فِي التَّحْقِيقِ اشْتِرَاطَ نِيَّةِ الزَّوْجِ فِي الْمَجْنُونَةِ انْتَهَى. كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (فِي الْأَظْهَرِ) هَذَانِ الْقَوْلَانِ جَارِيَانِ فِي إجْبَارِ الْمُسْلِمَةِ عَلَى الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (عَلَى غَسْلِ مَا نَجَسِ مِنْ أَعْضَائِهِمَا) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ الْمُتَنَجِّسُ أَوْ ذَاتُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ) لَمْ يَقُولُوا بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَيَغْلِبُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>