للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يُخَالِفُوهُمْ فِي الْأُصُولِ، وَإِنَّمَا خَالَفُوهُمْ فِي الْفُرُوعِ فَتَجُوزُ مُنَاكَحَتُهُمْ، وَمَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ قَوْلَيْنِ فِي مُنَاكَحَةِ السَّامِرَةِ وَالصَّابِئِينَ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ، وَقَدْ نُقِلَ أَنَّ الصَّابِئِينَ فِرْقَتَانِ: فِرْقَةٌ تُوَافِقُ النَّصَارَى فِي أُصُولِ الدِّينِ وَأُخْرَى تُخَالِفُهُمْ وَتَعْبُدُ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ، وَتُضِيفُ الْآثَارَ إلَيْهَا، وَتَنْفِي الصَّانِعَ الْمُخْتَارَ وَقَدْ أَفْتَى الْإِصْطَخْرِيُّ بِقَتْلِهِمْ لَمَّا اسْتَفْتَى الْقَاهِرُ الْفُقَهَاءَ فِيهِمْ

(وَلَوْ تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ أَوْ عَكْسُهُ) أَيْ تَنَصَّرَ يَهُودِيٌّ (لَمْ يُقَرَّ فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ دِينًا بَاطِلًا، بَعْدَ اعْتِرَافِهِ بِبُطْلَانِهِ، فَلَا يُقَرُّ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ، وَالثَّانِي يُقَرُّ لِتَسَاوِي الدِّينَيْنِ فِي التَّقْرِيرِ بِالْجِزْيَةِ، (فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً لَمْ تَحِلَّ لِمُسْلِمٍ) تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَرُّ، (فَإِنْ كَانَتْ مَنْكُوحَتَهُ) أَيْ الْمُسْلِمِ (فَكَرِدَّةِ مُسْلِمَةٍ) فَإِنْ كَانَ التَّهَوُّدُ أَوْ التَّنَصُّرُ قَبْلَ الدُّخُولِ تَنَجَّزَتْ الْفُرْقَةُ أَوْ بَعْدَهُ تَوَقَّفَتْ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ) ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِبُطْلَانِ مَا انْتَقَلَ عَنْهُ، وَكَانَ مُقِرًّا بِبُطْلَانِ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ، (وَفِي قَوْلٍ أَوْ دِينِهِ الْأَوَّلِ) لِتَسَاوِي الدِّينَيْنِ فِي الْحُكْمِ، وَلَوْ أَبَى الْإِسْلَامَ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، أَوْ الْإِسْلَامَ وَدِينَهُ الْأَوَّلَ جَمِيعًا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَفِي قَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ يُقْتَلُ، وَالْأَشْبَهُ لَا بَلْ يُلْحَقُ بِمَأْمَنِهِ، (وَلَوْ تَوَثَّنَ) يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ، (لَمْ يُقَرَّ وَفِيمَا يُقْبَلُ) مِنْهُ (الْقَوْلَانِ) أَحَدُهُمَا الْإِسْلَامُ فَقَطْ، وَالثَّانِي هُوَ أَوْ دِينُهُ الْأَوَّلُ وَفِي ثَالِثٍ أَوْ مُسَاوِيهِ فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ تَحْتَ مُسْلِمٍ تَنَجَّزَتْ الْفُرْقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَتَوَقَّفَتْ بَعْدَهُ، عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، (وَلَوْ تَهَوَّدَ وَثَنِيٌّ أَوْ تَنَصَّرَ لَمْ يُقَرَّ) لِانْتِقَالِهِ عَمَّا لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ إلَى بَاطِلٍ، وَالْبَاطِلُ لَا يُفِيدُ فَضِيلَةَ الْإِقْرَارِ، (وَيَتَعَيَّنُ الْإِسْلَامُ كَمُسْلِمٍ ارْتَدَّ) فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ فِي حَقِّهِ الْإِسْلَامُ، فَإِنْ أَبَى قُتِلَ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ

(وَلَا تَحِلُّ مُرْتَدَّةٌ لِأَحَدٍ) لَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهَا كَافِرَةٌ، لَا تُقَرُّ، وَلَا مِنْ الْكُفَّارِ لِبَقَاءِ عَلَقَةِ الْإِسْلَامِ فِيهَا، (وَلَوْ ارْتَدَّ زَوْجَانِ) مَعًا (أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ دُخُولٍ تَنَجَّزَتْ الْفُرْقَةُ) لِعَدَمِ تَأَكُّدِ النِّكَاحِ بِالدُّخُولِ (أَوْ بَعْدَهُ وُقِفَتْ فَإِنْ جَمَعَهُمَا الْإِسْلَامُ فِي

ــ

[حاشية قليوبي]

الْفِرْقَةُ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ الْآتِي ذِكْرُهُمْ. قَوْلُهُ: (فِي أَصْلِ دِينِهِمْ) وَهُوَ النَّبِيُّ، وَالْكِتَابُ وَالْفُرُوعُ مَا عَدَاهُمَا، فَأَصْلُ دِينِ الْيَهُودِ مُوسَى وَالتَّوْرَاةُ، وَأَصْلُ دِينِ النَّصَارَى عِيسَى وَالْإِنْجِيلُ. قَوْلُهُ: (فَتَجُوزُ مُنَاكَحَتُهُمْ) ؛ لِأَنَّهُمْ كَمُبْتَدَعَةِ الْإِسْلَامِ نَعَمْ إنْ كَفَّرَهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مَعًا لَمْ تَحِلَّ مُنَاكَحَتُهُمْ، كَمَا فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ.

قَوْلُهُ: (وَأُخْرَى تُخَالِفُهُمْ) وَهُمْ أَقْدَمُ مِنْ النَّصَارَى، وَلَا مَانِعَ مِنْ مُوَافَقَةِ بَعْضِ صَابِئَةِ النَّصَارَى لَهُمْ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا نُقِلَ عَنْ الرَّافِعِيِّ. قَوْلُهُ: (وَتَنْفِي الصَّانِعَ الْمُخْتَارَ) وَهَؤُلَاءِ لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَلَا ذَبِيحَتُهُمْ وَلَا يُقِرُّونَ بِالْجِزْيَةِ. قَوْلُهُ: (بِقَتْلِهِمْ) أَيْ عُبَّادِ الْكَوَاكِبِ مِنْ الْأَقْدَمِينَ مَعَ مَا انْضَمَّ إلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ مِنْ النَّصَارَى كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (لَمَّا اسْتَفْتَى الْقَاهِرُ الْفُقَهَاءَ فِيهِمْ) فَبَذَلُوا لَهُ مَالًا كَثِيرًا فَتَرَكَهُمْ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَهَوَّدَ إلَخْ) وَلَوْ قَبْلَ بُلُوغِهِ أَوْ بَعْدَ عَقْدِ الْجِزْيَةِ لَهُ وَلَا نَعْقِدُ لَهُ إنْ عَلِمَ انْتِقَالَهُ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (لَمْ يُقِرَّ) لَكِنْ يَبْلُغُ مَأْمَنَهُ ثُمَّ هُوَ حَرْبِيُّ إنْ ظَفِرْنَا بِهِ جَازَ لَنَا قَتْلُهُ فَإِنْ أَسْلَمَ قَبِلْنَاهُ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ اعْتِرَافِهِ) أَيْ وَلَوْ حُكْمًا فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (لَمْ تَحِلَّ لِمُسْلِمٍ) خَرَجَ بِهِ الْكَافِرُ فَإِنْ لَمْ يَرْحَلْهَا فَكَالْمُسْلِمِ، وَإِلَّا حَلَّتْ لَهُ، قَالَهُ شَيْخُنَا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهَا تُقِرُّ وَهُوَ يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ، فَهُوَ إمَّا مُسْتَثْنَى، أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ الظَّفَرِ بِهَا، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ أَوْ الْمُرَادُ بَيَانُ حُكْمِهَا لَوْ بَقِيَتْ. قَوْلُهُ: (تَوَقَّفَتْ إلَخْ) وَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَشْبَهُ لَا) هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (وَفِي ثَالِثٍ) فِيهِ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَلَا يَجْرِي هَذَا الْقَوْلُ فِيمَا مَرَّ، لِعَدَمِ مَا يُسَاوِي أَحَدَ الدِّينَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَيَتَعَيَّنُ الْإِسْلَامُ) وَلَا يَأْتِي هُنَا الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ.

قَوْلُهُ: (لَا تُقَرُّ) قَيْدٌ أَخْرَجَ حِلَّ الْكِتَابِيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا مِنْ الْكُفَّارِ) وَلَوْ مُرْتَدًّا مِثْلَهَا. قَوْلُهُ: (مَعًا) الْمُرَادُ مِنْهُ وُجُودُ الرِّدَّةِ مِنْهُمَا، وَلَوْ بِلَا مَعِيَّةٍ وَمِنْ رِدَّتِهِ، مَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: يَا كَافِرَةُ مَرِيدًا حَقِيقَةَ الْكُفْرِ، لَا إنْ أَرَادَ الشَّتْمَ أَوْ أَطْلَقَ مَثَلًا، وَغَيْرُ الزَّوْجَيْنِ فِي هَذَا كَذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: لَسْت مُسْلِمًا لَمْ يَكْفُرْ لِزَعْمِ الْمُعْتَزِلَةِ وُجُودَ وَاسِطَةٍ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ دُخُولٍ) أَيْ وَطْءٍ وَلَوْ فِي الدُّبُرِ، وَفِي مَعْنَاهُ اسْتِدْخَالُ الْمَنِيِّ فِي الْقُبُلِ. قَوْلُهُ: (وَقَفَتْ) ؛ لِأَنَّهُ اخْتِلَافُ دِينٍ طَرَأَ بَعْدَ

ــ

[حاشية عميرة]

قَوْلُهُ: (وَقَدْ نُقِلَ إلَخْ) هَذَا لَا يُنَافِي كَلَامَ الْمَتْنِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ هَذَا الْإِعْلَامِ بِمَا نُقِلَ، أَنَّ الصَّابِئِينَ فِرْقَتَانِ وَأَنَّ الْفِرْقَةَ الثَّانِيَةَ تَعْبُدُ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ إلَخْ. قَالَ بَعْضُهُمْ فِي هَذِهِ الثَّانِيَةِ: إنَّهَا أَقْدَمُ مِنْ النَّصَارَى.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (لَمْ يُقِرَّ) بَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ اخْتِصَاصَ ذَلِكَ بِمَنْ صَدَرَ مِنْهُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْحِرَابَةِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِسْلَامِ، أُلْحِقَ بِمَأْمَنِهِ، قَالَ أَمَّا لَوْ تَهَوَّدَ النَّصْرَانِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ جَاءَنَا وَقَبِلَ الْجِزْيَةَ فَإِنَّهُ يُقَرُّ لِمَصْلَحَةِ قَبُولِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قُلْت وَقَوْلُهُ لِمَصْلَحَةِ قَبُولِهَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ امْرَأَةً لَمْ تَحِلَّ مُنَاكَحَتُهَا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَفِي قَوْلٍ أَوْ دِينِهِ الْأَوَّلِ) لَيْسَ الْمُرَادُ عَلَى هَذَا تَخْيِيرَهُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ لَا يُؤْمَرُ بِهِ، وَلَكِنْ نَقُولُ لَهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ فَإِنْ بَادَرَ وَرَجَعَ إلَى دِينِهِ الْأَوَّلِ تُرِكَ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا مَانِعَ مِنْ التَّخْيِيرِ، وَلَيْسَ دُعَاءً إلَى الْكُفْرِ، بَلْ هُوَ إخْبَارٌ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ - تَعَالَى. كَمَا أَنَّ الدُّعَاءَ إلَى الْجِزْيَةِ لَيْسَ رِضًا بِالْكُفْرِ. قَوْلُهُ: (لِتَسَاوِي الدِّينَيْنِ) رَاجِعٌ مِنْ قَوْلِ الْمَتْنِ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ دِينُهُ الْأَوَّلُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيَتَعَيَّنُ الْإِسْلَامُ) فَإِنْ أَبَى قُتِلَ، أَيْ بَعْدَ الْإِلْحَاقِ بِمَأْمَنِهِ إنْ كَانَ لَهُ أَمَانٌ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَبَى) أَيْ الْمُرْتَدُّ قَوْلُهُ: (قُتِلَ) الضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ لِقَوْلِ الْمَتْنِ كَمُسْلِمٍ ارْتَدَّ

قَوْلُهُ: (وَلَا مِنْ الْكُفَّارِ) هُوَ شَامِلٌ لِلْمُرْتَدِّ، وَهُوَ كَذَلِكَ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (تَنَجَّزَتْ الْفُرْقَةُ) حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِي ذَلِكَ الْإِجْمَاعَ. قُلْت لَكِنْ خَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمَعِيَّةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>