للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهَا وَالثَّانِي لَا تَسْقُطُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ الْوَاجِبَ، وَتَطَوَّعَ بِغَيْرِهِ (قُلْت إلَّا أَنْ تَكُونَ غَيْرَ رَشِيدَةٍ وَلَمْ يَأْذَنْ وَلِيُّهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) فِي أَكْلِهَا مَعَهُ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ جَزْمًا، كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَذِنَ الْوَلِيُّ فَفِيهِ الْخِلَافُ. قَالَ: وَلْيَكُنْ السُّقُوطُ مُفَرَّعًا عَلَى جَوَازِ اعْتِيَاضِ الْخُبْزِ، وَأَنْ يُجْعَلَ مَا جَرَى قَائِمًا مَقَامَ الِاعْتِيَاضِ يَعْنِي إنْ لَمْ يُلَاحَظْ مَا جَرَى عَلَيْهِ النَّاسُ فِي الْأَعْصَارِ كَمَا تَقَدَّمَ.

(وَيَجِبُ أُدْمُ غَالِبِ الْبَلَدِ كَزَيْتٍ وَسَمْنٍ وَجُبْنٍ وَتَمْرٍ) وَخَلٍّ (وَيَخْتَلِفُ بِالْفُصُولِ) ، فَيَجِبُ فِي كُلِّ فَصْلٍ مَا يُنَاسِبُهُ (وَيُقَدِّرُهُ قَاضٍ بِاجْتِهَادٍ وَيُفَاوِتُ) فِي قَدْرِهِ (بَيْنَ مُوسِرٍ وَغَيْرِهِ) ، فَيَنْظُرُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمَدُّ فَيَفْرِضُهُ عَلَى الْمُعْسِرِ، وَضِعْفُهُ عَلَى الْمُوسِرِ وَمَا بَيْنَهُمَا عَلَى الْمُتَوَسِّطِ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ مَكِيلَةِ زَيْتٍ أَوْ سَمْنٍ أَيْ: أُوقِيَّةٍ فَتَقْرِيبٌ (وَ) يَجِبُ (لَحْمٌ يَلِيقُ بِيَسَارِهِ، وَإِعْسَارِهِ كَعَادَةِ الْبَلَدِ) .

وَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ رَطْلِ لَحْمٍ فِي الْأُسْبُوعِ الَّذِي حُمِلَ عَلَى الْمُعْسِرِ، وَجُعِلَ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ عَلَى الْمُوسِرِ رَطْلَانِ وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ رِطْلٌ وَنِصْفٌ، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالتَّوَسُّعِ فِيهِ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ عَلَى مَا كَانَ أَيَّامُهُ بِمِصْرَ مِنْ قِلَّةِ اللَّحْمِ فِيهَا، وَيُزَادُ بَعْدَهَا بِحَسَبِ عَادَةِ الْبَلَدِ، وَقَالَ الْبَغَوِيّ يَجِبُ فِي وَقْتِ الرُّخْصِ رَطْلٌ عَلَى الْمُوسِرِ كُلَّ يَوْمٍ وَعَلَى الْمُعْسِرِ كُلَّ أُسْبُوعٍ، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ كُلَّ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَفِي وَقْتِ الْغَلَاءِ فِي أَيَّامٍ مَرَّةً عَلَى مَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ.

لَا مَزِيدَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ لِأَنَّ فِيهِ كِفَايَةً لِمَنْ قَنَعَ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ، وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ لَا يَجِبُ الْأُدْمُ فِي يَوْمِ اللَّحْمِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إذَا أَوْجَبْنَا عَلَى الْمُوسِرِ اللَّحْمَ كُلَّ يَوْمٍ يَلْزَمُهُ الْأُدْمُ أَيْضًا لِيَكُونَ أَحَدُهُمَا غَدَاءً وَالْآخَرُ عَشَاءً عَلَى الْعَادَةِ (وَلَوْ كَانَتْ تَأْكُلُ الْخُبْزَ وَحْدَهُ وَجَبَ الْأُدْمُ) وَلَا نَظَرَ إلَى عَادَتِهَا وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهِ قَوْله تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: ١٩] وَلَيْسَ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ تَكْلِيفُهَا الصَّبْرَ عَلَى الْخُبْزِ وَحْدَهُ

(وَكِسْوَةٌ) أَيْ وَعَلَى الزَّوْجِ كِسْوَةُ الزَّوْجَةِ. قَالَ تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٣٣] (تَكْفِيهَا) أَيْ عَلَى قَدْرِ كِفَايَتِهَا، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِطُولِهَا وَقِصَرِهَا وَهُزَالِهَا وَسِمَنِهَا وَبِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَلَا يَخْتَلِفُ عَدَدُ الْكِسْوَةِ بِيَسَارِ الزَّوْجِ

ــ

[حاشية قليوبي]

النَّفَقَةِ فِي الثَّانِيَةِ وَيُصَدَّقُ بِلَا يَمِينٍ فِي قَصْدِهِ ذَلِكَ إنْ أَنْكَرَتْهُ، وَادَّعَتْ نَحْوَ الْهَدِيَّةِ كَمَا مَرَّ فِي الْمَهْرِ. قَوْلُهُ: (أَذِنَ الْوَلِيُّ) أَيْ صَرِيحًا بِاللَّفْظِ وَلَا يَكْفِي عِلْمُهُ أَوْ الْإِذْنُ رُؤْيَتُهُ وَسَيِّدُ الْأَمَةِ الْمُطْلَقُ التَّصَرُّفِ، أَوْ وَلِيُّهُ كَالْوَلِيِّ وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمَصْلَحَةِ فِي أَكْلِهَا مَعَهُ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ الْإِذْنُ، وَيَأْتِي مَا مَرَّ وَتَرَدَّدَ الْعَلَّامَةُ وَالِدُ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ فِي الْمُرَادِ بِالْوَلِيِّ، وَمَالَ شَيْخُنَا إلَى أَنَّهُ وَلِيُّ الْمَالِ، وَهَلْ يَنْقَطِعُ الْإِذْنُ بِمَوْتِهِ تَأَمَّلْهُ.

قَوْلُهُ: (فَفِيهِ الْخِلَافُ) وَالْمُعْتَمَدُ مِنْهُ السُّقُوطُ كَمَا مَرَّ.

قَوْلُهُ: (يَعْنِي إنْ لَمْ إلَخْ) قَيْدٌ لِلتَّفْرِيعِ أَيْ فَإِنْ لَاحَظَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُفَرِّعًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ.

قَوْلُهُ: (أُدْمُ غَالِبِ الْبَلَدِ) أَيْ بَلَدِ الزَّوْجَةِ أَيْ مَحَلِّهَا كَمَا مَرَّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أُدْمٌ غَالِبٌ فَمَا يَلِيقُ بِهِ لَا بِهَا، وَلَوْ تَعَدَّدَ الْأُدْمُ وَجَبَ الْجَمِيعُ كَخِيَارٍ وَجُبْنٍ، وَلَوْ لَمْ يَحْتَجْ الْوَاجِبُ إلَى أُدْمٍ لَمْ يَجِبْ أُدْمُ غَيْرِهِ.

قَوْلُهُ: (وَيُقَدِّرُهُ قَاضٍ) أَيْ عِنْدَ تَنَازُعِهِمَا وَلَوْ تَبَرَّمَتْ مِنْ الْأُدْمِ فَلَهَا إبْدَالُهُ إنْ شَاءَتْ، وَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ إبْدَالُهُ إلَّا إنْ كَانَتْ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ أَوْ سَفِيهَةً، وَلَيْسَ لَهَا مَنْ يَقُومُ بِأُمُورِهَا، فَاللَّائِقُ أَنَّهُ يَلْزَمُ الزَّوْجَ إبْدَالُهُ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَأَقَرُّوهُ.

قَوْلُهُ: (أُوقِيَّةٍ) وَهِيَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا.

قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ لَحْمٌ) يُفِيدُ بِعَطْفِهِ عَلَى الْأُدْمِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ، وَقَدْ يُطْلَقُ اسْمُ الْأُدْمِ عَلَيْهِ وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الْحَبِّ لُزُومُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ نَحْوِ مَاءٍ وَحَطَبٍ، وَمَا يُطْبَخُ مَعَهُ مِنْ نَحْوِ قَرْعٍ وَكُرُنْبٍ وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الْأُدْمِ لُزُومُهُ عَلَيْهِ لَهَا. وَإِنْ لَمْ تَأْكُلْهُ وَأَنَّهُ يُقَدِّرُهُ الْقَاضِي عِنْدَ تَنَازُعِهِمَا فِيهِ، وَأَنَّهُ يُفَاوِتُ فِي قَدْرِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ.

قَوْلُهُ: (وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ إلَخْ) حَمَلَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ الْأَوَّلَ عَلَى مَا إذَا كَفَى اللَّحْمُ لِلْغَدَاءِ أَوْ الْعَشَاءِ وَالثَّانِيَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكْفِ لَهُمَا وَلَمْ يَخْلُفْهُ شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (وَكِسْوَةٌ) بِكَسْرِ الْكَافِ وَضَمِّهَا قَوْلُهُ: (تَكْفِيهَا) لِأَنَّ التَّمَتُّعَ بِجَمِيعِ بَدَنِهَا فَوَجَبَ كِفَايَتُهُ، وَلَا يُجَابُ لِمَا دُونَهُ وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهُمْ بَلْ لَوْ طَلَبَتْ التَّطْوِيلَ وَلَوْ لِنَحْوِ ذِرَاعٍ أُجِيبَتْ.

ــ

[حاشية عميرة]

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ الْوَاجِبَ وَتَطَوَّعَ بِغَيْرِهِ) ظَاهِرُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ يَذْهَبُ مَجَّانًا وَنَقَلَ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ الضَّمَانَ، قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ تَكُونَ إلَخْ) قِيلَ هَذَا يُشْكِلُ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ التَّعْلِيلِ بِجَرَيَانِ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ جَرَوْا عَلَى ذَلِكَ فِي الرَّشِيدَةِ وَغَيْرِهَا، فَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارٍ فِي شَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ، قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَأْذَنْ وَلِيُّهَا) اُنْظُرْ كَيْفَ الْأُذُنُ فِي الصَّغِيرَةِ وَكَأَنَّهُمْ جَعَلُوا الزَّوْجَ كَالْوَكِيلِ عَنْ الْوَلِيِّ، قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا إذَا أَذِنَ الْوَلِيُّ) لَوْ أَذِنَ ثُمَّ مَاتَ هَلْ يَنْقَطِعُ الْإِذْنُ وَمَا الْمُرَادُ بِالْوَلِيِّ

، قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ أُدْمٌ) نَبَّهَ الزَّرْكَشِيُّ عَلَى وُجُوبِ الْمَشْرُوبِ قَالَ وَهُوَ إمْتَاعٌ وَعَلَى الْكِفَايَةِ أَقُولُ فِي كَوْنِهِ إمْتَاعًا نَظَرٌ، قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ تَغْلِبُ الْفَوَاكِهُ فِي وَقْتِهَا فَتَجِبُ قَالَ الْقَاضِي الرُّطَبُ فِي وَقْتِهِ وَالْيَابِسُ فِي وَقْتِهِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مُرَادُهُمَا إذَا غَلَبَ التَّأَذُّمُ بِهَا وَإِلَّا فَتُسْتَحَبُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ. اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ قَوْلُهُ: (أَيْ أُوقِيَّةٍ) حَكَى الْجِيلِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْمُرَادَ الْأُوقِيَّةُ الْحِجَازِيَّةُ، وَهِيَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَهُوَ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْعِرَاقِيَّةَ لَا تُغْنِي شَيْئًا، قَوْلُهُ: (وَجَبَ الْأُدْمُ) كَذَا قَطَعُوا بِهِ وَلَوْ قِيلَ أَنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ مِنْ عَدَمِ لُزُومِ الْكِفَايَةِ لَكَانَ مُتَّجَهًا

، قَوْلُهُ: (تَكْفِيهَا) أَيْ فَلَا يَكْفِي مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>