للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَقِبَ وُجُوبِ الْإِجَابَةِ فَلَوْ خَافَ غَائِلَتَهُمْ وَأَنَّ ذَلِكَ مَكِيدَةٌ مِنْهُمْ. لَمْ يُجِبْهُمْ وَفِيهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ قَرْعُ الْجَاسُوسِ الَّذِي يُخَافُ شَرُّهُ لَا يُقِرُّ بِالْجِزْيَةِ.

(وَلَا تُعْقَدُ إلَّا لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ وَأَوْلَادِ مَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ قَبْلَ النَّسْخِ) لِدِينِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّبْدِيلِ فِيهِ (أَوْ شَكَكْنَا فِي وَقْتِهِ بَعْد) أَيْ التَّهَوُّدِ أَوْ التَّنَصُّرِ أَكَانَ قَبْلَ النَّسْخِ أَمْ بَعْدَهُ (وَكَذَا زَاعِمُ التَّمَسُّكِ بِصُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَزَبُورِ دَاوُد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ - وَمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيٌّ وَالْآخَرُ وَثَنِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُوَ فِي الْأَوَّلِ أَصَحُّ وَجْهَيْنِ قَطَعَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَفِي الثَّانِيَةِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَصَحُّ الطُّرُقِ وَقَوْلٌ مِنْ طَرِيقٍ ثَانٍ قَطَعَ بَعْضُهُمْ بِمُقَابِلِهِ وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي الْمَذْكُورِينَ بِأَنَّهُمْ يُقِرُّونَ بِالْجِزْيَةِ وَلَا يُقِرُّ بِهَا أَوْلَادُ مَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ بَعْدَ النَّسْخِ فِي ذَلِكَ الدِّينِ وَلَا عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ وَالشَّمْسِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالسَّامِرَةِ وَالصَّابِئُونَ إنْ خَالَفُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فِي أُصُولِ دِينِهِمْ فَلَيْسُوا مِنْهُمْ فَلَا يُقِرُّونَ وَإِلَّا فَمِنْهُمْ وَالْأَصْلُ فِي إقْرَارِ الْمَذْكُورِينَ بِالْجِزْيَةِ قَوْله تَعَالَى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: ٢٩]- إلَى قَوْلِهِ - {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: ٢٩] إلَى آخِرِهِ أَيْ يَلْتَزِمُوهَا مُنْقَادِينَ لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ وَغَلَبَ مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيٌّ وَأَدْرَجَهُ فِيهِمْ الْمُتَمَسِّكُ بِالصُّحُفِ وَالزَّبُورِ وَمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ» .

(وَلَا جِزْيَةَ عَلَى امْرَأَةٍ وَخُنْثَى) لِأَنَّ آيَتَهَا السَّابِقَةَ لِلذُّكُورِ (وَمَنْ فِيهِ رِقٌّ) وَقِيلَ: تَجِبُ بِقِسْطِ حُرِّيَّتِهِ (وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ) لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمَا (فَإِنْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُ قَلِيلًا كَسَاعَةٍ مِنْ شَهْرٍ لَزِمَتْهُ أَوْ كَثِيرًا كَيَوْمٍ وَيَوْمٍ) أَوْ يَوْمَيْنِ (فَالْأَصَحُّ بِلَفْقِ

ــ

[حاشية قليوبي]

فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا الَّذِي هُوَ الْأَعَمُّ مِنْهُ بِدَلِيلِ وَصْفِهِ، بِقَوْلِهِ نَخَافُهُ الْمُشْعِرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا مَنَعَهُ الْخَوْفُ وَذِكْرُهُ فِيهِمَا مُنْفَرِدًا خَاصٌّ، بَعْدَ عَامٍّ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ إرَادَةِ الْجَمْعِ فِي الَّذِي قَبْلَهُ، هَكَذَا فُهِمَ وَالْجَاسُوسُ صَاحِبُ سِرِّ الشَّرِّ النَّامُوسُ صَاحِبُ سِرِّ الْخَيْرِ وَلَا تُعْقَدُ لِأَسِيرٍ طَلَبَهَا. قَوْلُهُ: (لَمْ يُجِبْهُمْ) فَيَحْرُمُ عَقْدُهَا لَهُمْ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا طَلَبُوا مَعَ الْأَمْنِ.

قَوْلُهُ: (قَبْلَ النَّسْخِ) وَكَذَا مَعَهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا بَعْدَهُ وَالْمُرَادُ مَنْ تَهَوَّدَ قَبْلَ نَسْخِ شَرِيعَةِ مُوسَى، بِبَعْثَةِ عِيسَى أَوْ مَنْ تَنَصَّرَ قَبْلَ نَسْخِ شَرِيعَةِ عِيسَى بِبَعْثَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُقْبَلُ دَعْوَاهُ الْقَبَلِيَّةَ بِلَا يَمِينٍ، فَإِنْ تَبَيَّنَ كَذِبُهُ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ فَلِلْإِمَامِ قَتْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهُ عَلَيْهِ فِي الْعَقْدِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ النَّسْخُ وَأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ التَّبْدِيلُ وَلَا عَدَمُ اجْتِنَابِهِ وَكَذَا التَّحْرِيفُ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا زَعَمَ إلَخْ) وَفَارَقَ عَدَمَ صِحَّةِ نِكَاحِ الْمُتَمَسِّكَةِ بِذَلِكَ بِطَلَبِ حَقْنِ الدِّمَاءِ هُنَا، وَأَفَادَ بِذِكْرِ الزَّعْمِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ صِدْقُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ فِي التَّمَسُّكِ الْمَذْكُورِ كَوْنُهُ قَبْلَ بَعْثَةٍ تَنْسَخُهُ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (بِصُحُفِ إبْرَاهِيمَ) وَهِيَ عَشْرَةُ صَحَائِفَ وَمِثْلُهَا التَّمَسُّكُ بِصُحُفِ شِيثٍ وَهِيَ خَمْسُونَ صَحِيفَةً، أَوْ بِصُحُفِ إدْرِيسَ وَهِيَ ثَلَاثُونَ صَحِيفَةً تَنْعَقِدُ الْجِزْيَةُ لِجَمِيعِ هَؤُلَاءِ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ كَمَا مَرَّ، وَسَكَتَ عَنْ صُحُفِ مُوسَى وَهِيَ عَشْرَةٌ قَبْلَ التَّوْرَاةِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا بِالتَّوْرَاةِ. قَوْلُهُ: (أَحَدُ أَبَوَيْهِ) الذَّكَرُ أَوْ الْأُنْثَى وَالْمُعْتَبَرُ مَنْ نُسِبَ إلَيْهِ وَغَلَبَ فِيهِ حَقْنُ الدَّمِ، نَعَمْ إنْ اخْتَارَ دِينَ الْوَثَنِيِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَمْ تُعْقَدُ لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ، وَمَا فِي الْمَنْهَجِ مُؤَوَّلٌ فَرَاجِعْهُ وَالْمُرَادُ بِالْكِتَابِيِّ هُنَا مَنْ لَهُ كِتَابٌ مِمَّا ذُكِرَ.

تَنْبِيهٌ: لَوْ انْتَسَبَ إلَى أَبَوَيْنِ مِنْ الْيَهُودِ أَحَدُهُمَا تَمَسَّكَ قَبْلَ النَّسْخِ وَالْآخَرُ بَعْدَهُ فَقِيَاسُ، مَا ذُكِرَ أَنْ تُعْقَدَ لَهُ الْجِزْيَةُ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ النَّسْخِ) أَيْ يَقِينًا كَمَا عُلِمَ. قَوْلُهُ: (إنْ خَالَفُوا إلَخْ) فَلَهُمْ هُنَا حُكْمُ مَا فِي النِّكَاحِ وَأَصْلُ كُلِّ دِينٍ نَبِيُّهُ، وَكِتَابُهُ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَأُدْرِجَ إلَخْ) لَوْ جُعِلَ هَذَا مِنْ مَدْخُولِ الثَّانِي أَوْ مَقِيسًا عَلَى مَا فِيهِ لَكَانَ أَوْلَى فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَمَا رَوَى) عَطْفٌ عَلَى الدَّلِيلِ الْقُرْآنِيِّ قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ) وَقَالَ سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَأَخَذَهَا أَيْضًا مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ.

قَوْلُهُ: (وَلَا جِزْيَةَ عَلَى امْرَأَةٍ وَخُنْثَى) فَإِنْ طَلَبَا عَقْدَهَا لَهُمَا أَعْلَمَهُمَا الْإِمَامُ بِأَنَّهُ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمَا فَإِنْ رَغِبَا فِي بَذْلِهَا عَقَدَهَا لَهُمَا وَمَا يُؤْخَذُ مِنْهُمَا هِبَةٌ وَلَوْ تَبَيَّنَ ذُكُورَةُ الْخُنْثَى طُولِبَ بِهَا مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ لَهُ وَلَا يُغْنِي عَنْهَا مَا دَفَعَهُ أَوَّلًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَلَوْ لَمْ تُعْقَدْ لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ فِيهِ رِقٌّ) وَلَا تُعْقَدُ لَهُ لَوْ طَلَبَهَا، نَعَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُبَعَّضُ كَالْمَرْأَةِ لِمِلْكِهِ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ، وَلَوْ عَتَقَ الرَّقِيقُ عُقِدَتْ لَهُ إنْ كَانَ مِمَّنْ تُعْقَدُ لَهُ وَطَلَبَهَا، وَإِلَّا بَلَغَ الْمَأْمَنَ سَوَاءٌ أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ إلَخْ) فِيهِ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِعَدَمِ ذِكْرِ الْخِلَافِ. قَوْلُهُ: (وَمَجْنُونٍ) لَا يَصِحُّ عَقْدُ وَلِيِّهِ عَنْهُ كَالصَّبِيِّ، وَلَا يَجُوزُ عَقْدُ السَّفِيهِ وَلَا عَقْدُ وَلِيِّهِ لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ، وَلَا عِبْرَةَ بِالسَّفَهِ الطَّارِئِ بَعْدَ الرُّشْدِ حَالَ الْعَقْدِ وَسَيَأْتِي.

فَرْعٌ: لَوْ عُقِدَ عَلَى الرِّجَالِ عَلَى أَنْ يَبْذُلُوا عَنْ ذَرَارِيِّهِمْ شَيْئًا، غَيْرَ مَا عَلَيْهِمْ جَازَ وَلَزِمَهُمْ إنْ كَانَ مِنْ مَالِهِمْ لَا مِنْ مَالِ الذَّرَارِيِّ. قَوْلُهُ: (كَسَاعَةٍ مِنْ شَهْرٍ) أَيْ مَثَلًا لَزِمَتْهُ وَالضَّابِطُ أَوْ تَكُونُ أَوْقَاتُهُ لَوْ لُفِّقَتْ لَا تُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ.

ــ

[حاشية عميرة]

أَنَّ عِبَارَةَ الْمِنْهَاجِ لَا تُفِيدُ تَحْرِيمَ إجَابَةِ الْجَاسُوسِ وَلَكِنَّهُ مُرَادُهُ

قَوْلُهُ: (وَأَوْلَادِ إلَخْ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ: يُرَدُّ عَلَى عِبَارَةِ الْمِنْهَاجِ وَالتَّنْبِيهِ وَالْحَاوِي إذَا تَهَوَّدَ الْأَصْلُ أَوْ تَنَصَّرَ قَبْلَ النَّسْخِ، لَكِنْ انْتَقَلَتْ ذُرِّيَّتُهُ عَنْ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ أَوْ قَبْلَهُ فَلَا يُقِرُّ بِالْجِزْيَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ، قَوْلُهُ: (أَوْ شَكَكْنَا) هُوَ عُمْدَةُ الصَّحَابَةِ فِي تَقْرِيرُ نَصَارَى الْعَرَبِ، قَوْلُهُ: (بِصُحُفِ إبْرَاهِيمَ) لِشُمُولِ الْكِتَابِ فِي الْآيَةِ لَهَا، قَوْلُهُ: (وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ إلَخْ) كَانَ يُرِيدُ بِهَذَا أَنَّ الْأَحْسَنَ إسْقَاطُ الْحَصْرِ الَّذِي فِي عِبَارَةِ الْمِنْهَاجِ.

قَوْلُهُ: (أَيْ يَلْتَزِمُوهَا مُنْقَادِينَ) الِالْتِزَامُ تَفْسِيرُ الْإِعْطَاءِ وَالِانْقِيَادُ تَفْسِيرُ الصَّغَارِ

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ آيَتَهَا السَّابِقَةَ إلَخْ) وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ لِحَقْنِ الدَّمِ وَسُكْنَى الدَّارِ وَالْمَرْأَةُ مَحْقُونَةٌ وَتَابِعَةٌ لِغَيْرِهَا وَكَذَا الصِّبْيَانُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>