بِهِ أَيْضًا.
(وَتُسَنُّ سُورَةٌ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ إلَّا فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ فِي الْأَظْهَرِ) لِلِاتِّبَاعِ فِي الشِّقَّيْنِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ دَلِيلُهُ الِاتِّبَاعُ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ، وَالِاتِّبَاعَانِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَيُقَاسُ عَلَيْهِمَا غَيْرُهُمَا، وَالسُّورَةُ عَلَى الثَّانِي أَقْصَرُ كَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ، وَسَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ سَنُّ تَطْوِيلِ قِرَاءَةِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَكَذَا الثَّالِثَةُ عَلَى الرَّابِعَةِ عَلَى الثَّانِي، ثُمَّ فِي تَرْجِيحِهِمْ الْأَوَّلَ تَقْدِيمٌ لِدَلِيلِهِ النَّافِي عَلَى دَلِيلِ الثَّانِي الْمُثْبِتِ عَكْسُ الرَّاجِحِ فِي الْأُصُولِ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَالْعِبَارَةُ تَصْدُقُ بِالْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ بِالْمَأْمُومِ، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ يَأْتِي. (قُلْت: فَإِنْ سَبَقَ بِهِمَا) مِنْ صَلَاةِ نَفْسِهِ (قَرَأَهَا فِيهِمَا) حِينَ
ــ
[حاشية قليوبي]
مِنْ الْمَأْمُومِ خَمْسَةٌ: هَذَا، وَالْفَتْحُ عَلَى الْإِمَامِ، وَدُعَاءُ الْقُنُوتِ فِي مَحَالِّهِ الثَّلَاثَةِ، وَلَا يُؤَمِّنُ الْمَأْمُومُ إذَا لَمْ يَسْمَعْ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ أَوْ لَمْ يُمَيِّزْ أَلْفَاظَهُ، وَفِي الْعُبَابِ وَالدَّمِيرِيِّ أَنَّهُ يُؤَمِّنُ إذَا سَمِعَ تَأْمِينَ الْمَأْمُومِينَ وَضُعِّفَ.
قَوْلُهُ: (الْمَلَائِكَةُ) وَهُمْ مِنْ شَهِدَ تِلْكَ الصَّلَاةَ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي السَّمَاءِ، وَقِيلَ الْحَفَظَةُ، وَقِيلَ جَمِيعُ الْمَلَائِكَةِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ تَأْمِينِهِمْ فِي صَلَاتِهِمْ
قَوْلُهُ: (وَتُسَنُّ سُورَةٌ) لِغَيْرِ الْجُنُبِ الْفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَإِلَّا الْفَاتِحَةَ لِمَنْ يَعْرِفُهَا، وَتُكْرَهُ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ لَا فِيهِ وَلَوْ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ، وَلَا تَحْصُلُ بِهَا السُّنَّةُ قَبْلَهَا وَهِيَ اسْمٌ لِقِطْعَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَقَلُّهَا ثَلَاثُ آيَاتٍ، وَالْمُرَادُ هُنَا أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ بِالْبَسْمَلَةِ أَوْ بَعْضِ آيَةٍ، وَنَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ الْجُوَيْنِيِّ أَنَّهَا تَحْصُلُ وَلَوْ غَيْرَ مُرَتَّبَةٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ إنْ خَرَجَتْ بِذَلِكَ عَنْ الْقُرْآنِيَّةِ، وَإِلَّا فَيُتَّجَهُ الْحُصُولُ وَإِنْ كُرِهَ أَوْ حَرُمَ مِنْ حَيْثُ الْإِعْجَازُ فَرَاجِعْهُ. فَإِنْ قِيلَ: لَمْ تَجِبْ السُّورَةُ كَالْفَاتِحَةِ لِحَدِيثِ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» أُجِيبُ بِأَنَّهُ لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهَا، وَلِحَدِيثِ «أُمُّ الْقُرْآنِ عِوَضٌ عَنْ غَيْرِهَا وَلَيْسَ غَيْرُهَا عِوَضًا عَنْهَا» وَأَقَلُّ كَمَالِ السُّورَةِ ثَلَاثُ آيَاتٍ، وَسُورَةٌ كَامِلَةٌ أَكْمَلُ مِنْ قَدْرِهَا، وَأَكْثَرُ مِنْهَا أَكْمَلُ مِنْهَا، وَتَحْصُلُ السُّورَةُ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ لِمَنْ عَجَزَ عَنْ الْقُرْآنِ، وَلَا يُكَرِّرُ الْفَاتِحَةَ إنْ حَفِظَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَحْفَظْ غَيْرَ الْفَاتِحَةِ كَرَّرَهَا عَنْ السُّورَةِ.
قَالَ شَيْخُنَا: وَفِي هَذِهِ لَوْ ظَهَرَ لَهُ خَلَلٌ فِي قِرَاءَتِهِ الْأُولَى كَفَتْهُ الثَّانِيَةُ كَجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ كَوُضُوءِ الِاحْتِيَاطِ رَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (إلَّا فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ) أَيْ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَإِنْ تَرَكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ، أَمَّا غَيْرُهَا فَيَقْرَأُ السُّورَةَ مَا لَمْ يَتَشَهَّدْ. قَوْلُهُ: (وَالسُّورَةُ عَلَى الثَّانِي أَقْصَرُ) أَيْ مَجْمُوعُ الْقِرَاءَةِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ أَقْصَرُ مِنْ مَجْمُوعِهَا فِي الْأَوِّلَتَيْنِ، وَيُسَنُّ تَطْوِيلُ قِرَاءَةِ الْأُولَى بِأَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْأُولَى أَوْ قَرِيبَةً مِنْهُ كَمَا فِي الْخَادِمِ. قَوْلُهُ: (لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ) قَالُوا: وَهُوَ اتِّفَاقُ الشَّيْخَيْنِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَلَى النَّفْيِ، وَانْفِرَادُ مُسْلِمٍ بِالْإِثْبَاتِ أَوْ التَّخْفِيفِ عَلَى الْمُصَلِّي. قَوْلُهُ: (وَفِيهِ تَفْصِيلٌ) أَيْ فِي الْمَأْمُومِ، وَأَمَّا الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ فَلَا تَفْصِيلَ فِيهِمَا، بَلْ يَقْرَآنِ فِي الْأُولَتَيْنِ مُطْلَقًا وَلَا يَقْرَآنِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ مُطْلَقًا، وَلَوْ لَمْ يَقْرَأْ أَحَدُهُمَا فِي الْأَوِّلَتَيْنِ لَمْ يَتَدَارَكْ الْقِرَاءَةَ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ قِيَاسًا عَلَى مَا سَيَأْتِي وَلِأَنَّ هَيْئَاتِهِمَا عَدَمُ الْقِرَاءَةِ كَمَا فِي الْجَهْرِ وَعَدَمِهِ وَلَوْ لِسَهْوٍ أَوْ نِسْيَانٍ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: إنَّهُ يَتَدَارَكُ فِيهِ نَظَرٌ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ سَبَقَ بِهِمَا) أَيْ بِالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ مِنْ صَلَاةِ نَفْسِهِ قَرَأَهَا فِيهِمَا بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ أَنْ لَا يَقْرَأَهَا فِي الْأُولَتَيْنِ، وَأَنْ لَا يَتَمَكَّنَ مِنْ قِرَاءَتِهَا فِيهِمَا وَأَنْ لَا تَسْقُطَ عَنْهُ تَبَعًا لِلْفَاتِحَةِ فِيهِمَا.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَفِي هَذَا السُّقُوطِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ السُّورَةُ فِيهِمَا فَكَيْفَ يَحْتَمِلُهَا إلَّا أَنْ يُرَادَ بِسُقُوطِهَا عَدَمُ طَلَبِهَا مِنْ الْمَأْمُومِ لِعَدَمِ إدْرَاكِهِ زَمَنَهَا فَلْيُرَاجَعْ وَلْيُتَأَمَّلْ. وَكَلَامُهُمْ فِي الرُّبَاعِيَّةِ وَمِثْلُهَا الثُّلَاثِيَّةُ وَيَقْرَأُ فِي الثَّالِثَةِ سُورَتَيْ الْأُولَيَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ، وَلَعَلَّهُ فِيمَا لَوْ فَاتَتْهُ فِيهِمَا وَطُلِبَتْ فِي الثَّالِثَةِ، فَإِنْ فَاتَتْهُ فِي إحْدَاهُمَا طُلِبَتْ صُورَتُهَا فَقَطْ، وَفِي كَلَامِهِ نَظَرٌ، وَمَا يَقْرَأُ فِي قِيَامِ الرَّكْعَةِ يُسَمَّى سُورَةً وَإِنْ
ــ
[حاشية عميرة]
وَأَنْتَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ تُخَيِّبَ مَنْ قَصَدَك.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَتُسَنُّ سُورَةٌ) أَيْ غَيْرُ الْفَاتِحَةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (فِي الْأَظْهَرِ) هَذَا الْقَوْلُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ، وَكَذَا فِي الْجَدِيدِ مِنْ الْمُزَنِيّ وَالْبُوَيْطِيِّ، وَأَفْتَى بِهِ الْأَكْثَرُونَ، وَالثَّانِي نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ. قَوْلُهُ: (لِلِاتِّبَاعِ) فَإِنْ قُلْت قَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» فَهَلَّا وَجَبَتْ السُّورَةُ فِي الْأَوَّلَيْنِ؟ قُلْت: لِمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُمِّ الْقُرْآنِ عِوَضٌ عَنْ غَيْرِهِمَا وَلَيْسَ غَيْرُهَا مِنْهَا عِوَضًا.
قَوْلُهُ: (وَالسُّورَةُ عَلَى الثَّانِي) اقْتَصَرَ فِي الْخَادِمِ عَلَى النِّصْفِ أَوْ قَرِيبٍ مِنْهُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَإِنْ سَبَقَ بِهِمَا) لَوْ تَرَكَهَا الْمُصَلِّي عَمْدًا فِي الْأُولَيَيْنِ فَالظَّاهِرُ تَدَارُكُهَا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ كَنَظِيرِهِ مِنْ سُجُودِ السَّهْوِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: مِنْ صَلَاةِ نَفْسِهِ، إنَّ الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ نَفْسِهِ لَمْ يُدْرِكْهُمَا مَعَ الْإِمَامِ، وَهَذَا مَعْنَى سَبَقَهُ بِهِمَا، وَقَوْلُهُ: قَرَأَهَا فِيهِمَا، أَيْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ نَفْسِهِ عِنْدَ تَدَارُكِهِمَا، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ صَارَ الضَّمِيرَانِ مِنْ قَوْلِهِ بِهِمَا وَفِيهِمَا رَاجِعَيْنِ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ خِلَافًا لِمَا شَرَحَهُ الْإِسْنَوِيُّ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (قَرَأَهَا فِيهِمَا) الْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَعَدَمِ تَدَارُكِ الْجَهْرِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَالْجَهْرُ صِفَةٌ فَكَانَتْ أَخَفَّ عَلَى أَنَّ مُقَابِلَ النَّصِّ قَائِلٌ بِعَدَمِ التَّدَارُكِ قِيَاسًا عَلَى عَدَمِ الْجَهْرِ، وَفَرَّقَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِأَنَّ السُّنَّةَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ