يَتَّفِقُ فِيهِ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ، كَأَنْ يَفُوتَهُمَا ظُهْرٌ أَوْ عَصْرٌ، وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ، وَالْمَنْذُورَةُ لَا تُشْرَعُ الْجَمَاعَةُ فِيهَا أَيْ لَا تُسْتَحَبُّ كَمَا فَسَّرَهُ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَتَقَدَّمَ مَا تُسَنُّ فِيهِ الْجَمَاعَةُ مِنْ النَّفْلِ فِي بَابِهِ.
(وَ) الْجَمَاعَةُ (فِي الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ الْمَرْأَةِ أَفْضَلُ) مِنْهَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ كَالْبَيْتِ وَجَمَاعَةُ الْمَرْأَةِ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي الْمَسْجِدِ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ: «أَفْضَلُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» أَيْ فَهِيَ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ. وَقَالَ: «لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَإِمَامَةُ الرَّجُلِ لَهُنَّ أَفْضَلُ مِنْ إمَامَةِ الْمَرْأَةِ، وَحُضُورُهُنَّ الْمَسْجِدَ فِي جَمَاعَةِ الرِّجَالِ يُكْرَهُ لِلشَّوَابِّ دُونَ الْعَجَائِزِ خَوْفَ الْفِتْنَةِ.
(وَمَا كَثُرَ جَمْعُهُ) مِنْ الْمَسَاجِدِ (أَفْضَلُ) مِمَّا قَلَّ جَمْعُهُ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَانَ أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ. (إلَّا لِبِدْعَةِ إمَامِهِ) كَالْمُعْتَزِلِيِّ (أَوْ تَعَطُّلِ مَسْجِدٍ قَرِيبٍ لِغَيْبَتِهِ) عَنْهُ بِكَوْنِهِ إمَامَهُ أَوْ يَحْضُرُ النَّاسُ بِحُضُورِهِ، فَقَلِيلُ الْجَمْعِ أَفْضَلُ مِنْ كَثِيرِهِ فِي ذَلِكَ.
(وَإِدْرَاكُ
ــ
[حاشية قليوبي]
قَوْلُهُ: (أَيْ لَا تُسْتَحَبُّ) أَيْ إنْ لَمْ تُنْدَبْ الْجَمَاعَةُ فِيهَا قَبْلَ النَّذْرِ، وَإِلَّا فَهِيَ عَلَى أَصْلِهَا كَالْعِيدِ، وَإِذَا فُعِلَتْ الْجَمَاعَةُ فِيمَا لَمْ تُسَنَّ فِيهِ مَعَ غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ مَحَلُّهَا أَصَالَةً فِيهِمَا، أَوْ فِي أَحَدِهِمَا كَفَرْضٍ خَلْفَ نَفْلٍ وَلَوْ مُطْلَقًا، أَوْ عَكْسُهُ حَصَلَ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ فِيمَا أَصْلُهُ الْجَمَاعَةُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ، وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ، وَيَصِحُّ نَذَرَ الْجَمَاعَةِ مِمَّنْ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الشِّعَارُ لِأَنَّهَا مُتَأَكِّدَةٌ فِي حَقِّهِ نَدْبًا أَوْ كِفَايَةً أَوْ مُطْلَقًا نَظَرًا لِأَصْلِهَا، وَيُكْرَهُ تَرْكُهَا وَإِذَا نَذَرَهَا وَلَمْ تَتَيَسَّرْ لَهُ سَقَطَتْ عَنْهُ.
قَوْلُهُ: (فِي الْمَسْجِدِ) أَيْ وَإِنْ قَلَّتْ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي غَيْرِهِ، وَإِنْ كَثُرَتْ وَالْمُرَادُ بِغَيْرِ الْمَرْأَةِ الذُّكُورُ يَقِينًا وَلَوْ غَيْرَ بَالِغِينَ.
قَوْلُهُ: (وَجَمَاعَةُ الْمَرْأَةِ فِي الْبَيْتِ) وَإِنْ قَلَّتْ: أَفْضَلُ مِنْهَا فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ كَثُرَتْ وَأُلْحِقَ بِهَا الْخُنْثَى وَالْأَمْرَدُ الْجَمِيلُ عِنْدَ شَيْخِنَا.
قَوْلُهُ: (أَفْضَلُ صَلَاةِ الْمَرْءِ) سَوَاءٌ طُلِبَتْ فِيهَا الْجَمَاعَةُ أَوْ لَا فِي بَيْتِهِ وَلَوْ مُنْفَرِدًا إلَّا الْمَكْتُوبَةَ، وَمِثْلُهَا مَا طُلِبَتْ فِيهِ الْجَمَاعَةُ، وَأَلْحَقَ بِهَا صَلَاةَ الضُّحَى وَسُنَّةَ الْإِحْرَامِ، وَالطَّوَافَ، وَالِاسْتِخَارَةَ، وَقُدُومَ السَّفَرِ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الِانْفِرَادَ بِالْمَكْتُوبَةِ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ مِنْ الْجَمَاعَةِ فِيهَا فِي غَيْرِهِ وَهُوَ وَجِيهٌ، وَلَمْ يُوَافِقْ عَلَيْهِ شَيْخُنَا تَبَعًا لِشَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ.
قَوْلُهُ: (لَا تَمْنَعُوا) فَيُكْرَهُ مَنْعُهُنَّ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (وَإِمَامَةُ الرَّجُلِ) أَيْ الذَّكَرِ ثُمَّ الْخُنْثَى لَهُنَّ أَفْضَلُ، وَلَوْ مَعَ خَلْوَةٍ مُحَرَّمَةٍ، وَحُرْمَتُهَا لِخَارِجٍ.
قَوْلُهُ: (الْمَسْجِدَ) أَيْ مَحَلَّ الْجَمَاعَةِ وَلَوْ مَعَ غَيْرِ الرِّجَالِ، فَذِكْرُ الْمَسْجِدِ وَالرِّجَالِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَمِثْلُ الشَّوَابِّ ذَوَاتُ الْهَيْئَاتِ أَوْ الرِّيحِ مِنْ الْعَجَائِزِ، وَيَحْرُمُ الْحُضُورُ عَلَى ذَاتِ الْخَلِيلِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْإِذْنُ لَهَا مَعَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ مِنْهَا أَوْ عَلَيْهَا، وَيُسَنُّ الْحُضُورُ لِلْعَجَائِزِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَالْعِيدِ، وَحِينَئِذٍ تَكُونُ الْجَمَاعَةُ فِي الْمَسْجِدِ لَهُنَّ أَفْضَلَ مِنْ الِانْفِرَادِ فِي بُيُوتِهِنَّ.
قَوْلُهُ: (مِنْ الْمَسَاجِدِ) وَكَذَا غَيْرُ الْمَسَاجِدِ، وَلَعَلَّ تَقْيِيدَهُ بِهَا لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ: أَوْ تَعَطُّلِ مَسْجِدٍ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ قَيْدًا أَيْضًا. نَعَمْ جَمَاعَةُ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ قَلَّتْ، بَلْ الِانْفِرَادُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ جَمَاعَةِ غَيْرِهَا، وَأَفْتَى شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ الِانْفِرَادَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، وَأَنَّ الِانْفِرَادَ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَفْضَلُ مِنْ الْجَمَاعَةِ فِي الْأَقْصَى، وَيُحْمَلُ قَوْلُهُمْ: فَضِيلَةُ الذَّاتِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى فَضِيلَةِ الْمَكَانِ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ فَضِيلَةُ الْمَكَانِ مُتَضَاعِفَةً، فَتَأَمَّلْ. وَتَوَقَّفَ شَيْخُنَا كَالْعَلَّامَةِ ابْنِ قَاسِمٍ فِي الثَّانِي وَلِي بِهِمَا أُسْوَةٌ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ بِصَلَاتَيْنِ فِي الْأَقْصَى وَالْجَمَاعَةُ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ.
قَوْلُهُ: (كَالْمُعْتَزِلِيِّ) وَالْقَدْرِيِّ وَالرَّافِضِيِّ وَالْمُجَسِّمِ وَكُلِّ بِدْعَةٍ لَا يُكْفَرُ بِهَا، وَمِثْلُهُ الْفَاسِقُ وَالْمُتَّهَمُ بِهِ، وَالْمُخَالِفُ كَالْمَالِكِيِّ وَالْحَنَفِيِّ، إذَا لَمْ يَأْتِ بِمُبْطِلٍ، وَلَا يَضُرُّ اعْتِقَادُهُمْ سُنِّيَّةَ بَعْضِ الْوَاجِبَاتِ كَالِاقْتِدَاءِ بِالْمُتَنَفِّلِ، وَتَحْصُلُ الْفَضِيلَةُ خَلْفَ هَؤُلَاءِ مُطْلَقًا وَلَا كَرَاهَةَ إنْ تَعَذَّرَتْ الْجَمَاعَةُ بِغَيْرِهِمْ، قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ لِخَارِجٍ فَلَا يُنَافِي بَقَاءَ الْكَرَاهَةِ فِيهِ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَيُنْظَرُ مَا مَعْنَى الْخَارِجِ هُنَا. قَوْلُهُ: (مَسْجِدٍ قَرِيبٍ) لَيْسَ قَيْدًا بَلْ جَمَاعَةُ بَيْتِهِ إذَا
ــ
[حاشية عميرة]
الْوُجُوبِ بِحَدِيثِ: «صَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الْوَاحِدِ» .
قَوْلُ الْمَتْنِ ": (وَفِي الْمَسْجِدِ إلَخْ) لَوْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ فِي بَيْتِهِ أَكْثَرَ مِنْهَا فِي الْمَسْجِدِ، فَفِي الْحَاوِي: الْمَسْجِدُ أَوْلَى، وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي: الْبَيْتُ أَوْلَى.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ قَضِيَّةُ تَقْدِيمِهِمْ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعِبَادَةِ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِمَكَانِهَا، انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ صَلَاتَهُ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً أَوْلَى، وَإِنْ لَزِمَ عَلَى ذَلِكَ صَلَاةُ أَهْلِهِ عَلَى الِانْفِرَادِ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ.
قَوْلُهُ: (وَحُضُورُهُنَّ إلَخْ) كَذَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ صَرِيحٌ فِي اسْتِحْبَابِ تَرْكِ الْخُرُوجِ لِلْعَجَائِزِ، وَقَالَ فِي خُرُوجِهِنَّ لِلْجُمُعَةِ: لَا بَأْسَ بِهِ إذَا احْتَرَزْنَ عَنْ الطِّيبِ: