للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيَّامٍ انْقَطَعَ سَفَرُهُ بِالنِّيَّةِ، وَلَوْ نَوَى إقَامَةَ مَا دُونَ الْأَرْبَعَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ لَمْ يَنْقَطِعْ سَفَرُهُ وَلَوْ أَقَامَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ بِلَا نِيَّةٍ انْقَطَعَ سَفَرُهُ بِتَمَامِهَا. وَأَصْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ حَدِيثُ: «يُقِيمُ الْمُهَاجِرُ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ «وَكَانَ يَحْرُمُ عَلَى الْمُهَاجِرِ الْإِقَامَةُ بِمَكَّةَ وَمُسَاكَنَةُ الْكُفَّارِ» . كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَالتَّرْخِيصُ بِالثَّلَاثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ بِخِلَافِ الْأَرْبَعَةِ وَأَلْحَقَ بِإِقَامَتِهَا نِيَّةَ إقَامَتِهَا، وَتُعْتَبَرُ بِلَيَالِيِهَا (وَلَا يُحْسَبُ مِنْهَا يَوْمَا دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّ فِيهِمَا الْحَطَّ وَالرَّحِيلَ، وَهُمَا مِنْ أَشْغَالِ السَّفَرِ، وَالثَّانِي يُحْسَبَانِ مِنْهَا كَمَا يُحْسَبُ مِنْ مُدَّةِ مَسْحِ الْخُفِّ يَوْمُ الْحَدَثِ وَيَوْمُ النَّزْعِ، فَلَوْ دَخَلَ يَوْمَ السَّبْتِ وَقْتَ الزَّوَالِ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَقْتَ الزَّوَالِ صَارَ مُقِيمًا عَلَى الثَّانِي، وَلَوْ دَخَلَ لَيْلًا لَمْ تُحْسَبْ بَقِيَّةُ اللَّيْلَةِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَوْ نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ الْعَبْدُ أَوْ الزَّوْجَةُ أَوْ الْجَيْشُ وَلَمْ يَنْوِ السَّيِّدُ وَلَا الزَّوْجُ وَلَا الْأَمِيرُ فَأَقْوَى الْوَجْهَيْنِ لَهُمْ الْقَصْرُ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَقِلُّونَ، فَنِيَّتُهُمْ كَالْعَدَمِ، ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَعَبَّرَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِالْأَصَحِّ، وَلَوْ نَوَى إقَامَةَ الْأَرْبَعَةِ الْمُحَارِبُ أَيْ الْمُقِيمُ عَلَى الْقِتَالِ فَكَغَيْرِهِ. وَفِي قَوْلٍ يَقْصُرُ أَبَدًا لِأَنَّهُ قَدْ يُضْطَرُّ إلَى الِارْتِحَالِ فَلَا يَكُونُ لَهُ قَصْدٌ جَازِمٌ، وَلَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ مُطْلَقًا انْقَطَعَ سَفَرُهُ وَفِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَوْضِعُ صَالِحًا لَهَا كَالْمَفَازَةِ قَوْلٌ إنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ، وَنِيَّتُهُ لَغْوٌ.

قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلَوْ نَوَاهَا وَهُوَ سَائِرٌ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا لِوُجُودِ السَّفَرِ ذَكَرَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ انْتَهَى. وَذَكَرَ فِي التَّهْذِيبِ أَنَّهُ يَصِيرُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِقَامَةُ فَيَعُودُ إلَيْهَا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ.

(وَلَوْ أَقَامَ بِبَلَدٍ) أَوْ قَرْيَةٍ (بِنِيَّةِ أَنْ يَرْحَلَ إذَا حَصَلَتْ حَاجَةٌ يَتَوَقَّعُهَا كُلَّ وَقْتٍ قَصَرَ

ــ

[حاشية قليوبي]

بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (بِوُصُولِهِ. . .) وَإِنْ لَمْ يَمْكُثْ فِيهِ وَلَهُ التَّرَخُّصُ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ وَإِنْ بَقِيَ مِنْ مَقْصِدِهِ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ. وَكَذَا بَعْدَ إقَامَةِ الْأَرْبَعَةِ الْآتِيَةِ. قَوْلُهُ: (يُقِيمُ) أَيْ يَمْكُثُ وَلَوْ لَحْظَةً. قَوْلُهُ: (وَكَانَ) هُوَ عَطْفٌ عَلَى يُقِيمُ فَهُوَ حَدِيثٌ آخَرُ. قَوْلُهُ: (رَوَاهُ) أَيْ الْمَذْكُورَ وَالْأَنْسَبُ رَوَاهُمَا كَمَا عُلِمَ. قَوْلُهُ: (وَتُعْتَبَرُ بِلَيَالِيِهَا) فَهِيَ تَابِعَةٌ لِلْأَيَّامِ فَلَوْ دَخَلَ فِي أَثْنَاءِ لَيْلَةٍ لَغَا الْيَوْمُ قَبْلَهَا وَبَاقِيهَا. قَوْلُهُ: (يُحْسَبَانِ مِنْهَا) أَيْ تُحْسَبُ مُدَّةُ إقَامَتِهِ فِيهِمَا مِنْهَا. قَوْلُهُ: (فَأَقْوَى الْوَجْهَيْنِ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (فَكَغَيْرِهِ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ عَنْ التَّقْيِيدِ بِمُدَّةٍ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَوَاهَا وَهُوَ سَائِرٌ) أَيْ لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ فِي بَلَدٍ بَعْدَ دُخُولِهِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ هُوَ فِيهِ، وَاسْتَمَرَّ سَائِرًا فِيهِمَا لَمْ يَنْقَطِعْ سَفَرُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.

(تَنْبِيهٌ) سَكَتَ عَنْ إقَامَةِ مَا بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَأَرْبَعَةٍ لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِ، وَمَا فِي الْمَنْهَجِ مَحْمُولٌ عَلَى نِيَّةِ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ.

قَوْلُهُ: (كُلَّ وَقْتٍ) مُرَادُهُ مُدَّةٌ لَا تَقْطَعُ السَّفَرَ. قَوْلُهُ: (قَصَرَ) أَيْ فَيُجْزِئهُ بِغَيْرِ سُقُوطِ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ وَالتَّوَجُّهِ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ فِي النَّافِلَةِ. قَوْلُهُ:

ــ

[حاشية عميرة]

مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ مَبْدَأِ سَفَرِهِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ مِنْ التَّرَخُّصِ إلَى وُصُولِهِ اعْتِبَارًا بِقَصْدِهِ أَوَّلًا مَسَافَةَ الْقَصْرِ. قُلْت: وَقَدْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا لَوْ قَصَدَ بَعْدَ أَنْ سَارَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ الرُّجُوعَ إلَى الْمَحَلِّ الَّذِي سَارَ مِنْهُ لِيُقِيمَ بِهِ وَكَانَ مَحَلَّ إقَامَتِهِ فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطَنَهُ ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي الصَّالِحِ فِي الْإِقَامَةِ وَغَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَوَى إلَخْ) مِنْهُ تَعْلَمُ أَنَّ مُجَرَّدَ وُصُولِ الْمَقْصِدِ مِنْ غَيْرِ إقَامَةِ الْأَرْبَعَةِ وَلَا نِيَّتِهَا لَا يُؤَثِّرُ شَيْئًا فِي التَّرَخُّصِ. قَوْلُهُ: (الْإِقَامَةُ بِمَكَّةَ) زَادَ الْإِسْنَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَبْلَ الْفَتْحِ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي) .

قَالَ السُّبْكِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ إقَامَتِهِمَا مَا يُكْمَلُ بِهِ الرَّابِعُ. قَوْلُهُ: (يُحْسَبَانِ) أَيْ يُحْسَبُ مِنْهُمَا مُدَّةُ الْإِقَامَةِ مِنْهُمَا. وَقَوْلُهُ: كَمَا يُحْسَبُ مِنْ مُدَّةِ مَسْحِ الْخُفِّ إلَخْ يَعْنِي مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ الْحَدَثُ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ مَثَلًا حُسِبَ بَاقِي النَّهَارِ مِنْ الْمُدَّةِ وَلَا نُهْمِلُهُ وَنَبْدَأُ مِنْ الْغَدِ.

قَالَ السُّبْكِيُّ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَعْنِي الصَّحِيحَ الَّذِي فِي الْمَتْنِ لَا يَضُرُّ انْضِمَامُ إقَامَةِ يَوْمِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ إلَى الثَّلَاثَةِ، وَلَوْ زَادَتْ بِالتَّلْفِيقِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ. قَوْلُهُ: (صَارَ مُقِيمًا عَلَى الثَّانِي) أَيْ بِخِلَافِهِ عَلَى الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ وَإِنْ دَخَلَ صَحْوَةَ يَوْمِ السَّبْتِ عَلَى عَزْمِ عَشِيَّةِ الْأَرْبِعَاءِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّخْصَ لَوْ نَوَى إقَامَةً تَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَهِيَ دُونَ الْأَرْبَعَةِ لَمْ يَصِرْ مُقِيمًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَا سَلَفَ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ. لَكِنَّهُ قَدْ يُخَالِفُ قَوْلَ الْغَزَالِيِّ كَشَيْخِهِ إذَا نَوَى زِيَادَةً عَلَى الثَّلَاثِ صَارَ مُقِيمًا.

قَالَ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُوَ مُخَالِفٌ فِي الصُّورَةِ، وَلَا مُخَالَفَةَ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الْجُمْهُورَ احْتَمَلُوا زِيَادَةً لَا تَبْلُغُ الْأَرْبَعَةَ غَيْرَ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ، وَهُمَا لَمْ يَحْتَمِلَا زِيَادَةً عَلَى الثَّلَاثِ غَيْرَ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ، وَفَرْضُ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثِ بِحَيْثُ لَا تَبْلُغُ الْأَرْبَعَةَ وَيَكُونُ غَيْرَ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ اهـ.

وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ كَالْجُمْهُورِ تُغْتَفَرُ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثِ إذَا كَانَتْ دُونَ الْأَرْبَعِ مَعْنَاهُ الزِّيَادَةُ مِنْ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ. قَوْلُهُ: (لَمْ تُحْسَبْ بَقِيَّةُ اللَّيْلَةِ عَلَى الْأَوَّلِ) وَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَيْلَةُ دُخُولِهِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>