للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُضْجَعُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ. وَالْأَخْمَصَانِ هُمَا أَسْفَلُ الرِّجْلَيْنِ، وَحَقِيقَتُهُمَا الْمُنْخَفِضُ مِنْ أَسْفَلِهِمَا، قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ.

(وَيُلَقَّنُ الشَّهَادَةَ) أَيْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: الْمُرَادُ ذَكِّرُوا مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَهُوَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِمَا يَصِيرُ إلَيْهِ. (بِلَا إلْحَاحٍ) لِئَلَّا يَضْجَرَ، وَلَا يُقَالُ لَهُ: قُلْ، بَلْ يَتَشَهَّدُ عِنْدَهُ، وَلْيَكُنْ غَيْرَ وَارِثٍ لِئَلَّا يَتَّهِمَهُ بِالِاسْتِعْجَالِ لِلْإِرْثِ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ غَيْرُ الْوَرَثَةِ لَقَّنَهُ أَشْفَقُهُمْ عَلَيْهِ. وَإِذَا قَالَهَا مَرَّةً لَا تُعَادُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ بَعْدَهَا. وَنُقِلَ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُلَقَّنُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أَيْضًا. قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ. (وَيُقْرَأُ عِنْدَهُ {يس} [يس: ١] قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اقْرَءُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ {يس} [يس: ١] » رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَقَالَ: الْمُرَادُ بِهِ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ. (وَلْيُحْسِنْ ظَنَّهُ بِرَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ: «لَا يَمُوتَن أَحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى» أَيْ يَظُنُّ أَنَّهُ يَرْحَمُهُ وَيَعْفُو عَنْهُ.

وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ عِنْدَهُ تَحْسِينُ ظَنِّهِ وَتَطْمِيعُهُ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى.

(فَإِذَا مَاتَ غُمِّضَ) وَإِلَّا لَبَقِيَتْ عَيْنَاهُ مَفْتُوحَتَيْنِ وَقَبُحَ مَنْظَرُهُ.

وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَخَلَ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَخَصَ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ ثُمَّ قَالَ: إنَّ الرُّوحَ إذَا

ــ

[حاشية قليوبي]

وَاشْتِغَالُهُ بِذِكْرٍ أَوْ قُرْآنٍ أَوْلَى مِنْهُ، وَيُنْدَبُ لَهُ تَعَهُّدُ نَفْسِهِ بِتِلَاوَةٍ وَذِكْرٍ وَحِكَايَةِ الصَّالِحِينَ، وَوَصِيَّةِ أَهْلِهِ بِالصَّبْرِ وِتْرِك نَحْوِ نَوْحٍ وَنَدْبٍ وَغَيْرِهِمَا، وَتَحْسِينُ خَلْقِهِ، وَاسْتِرْضَاءُ مَنْ لَهُ بِهِ عَلَاقَةٌ مِنْ خِدْمَةٍ أَوْ مُعَامَلَةٍ، وَتَرْكُ الْمُنَازَعَةِ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا، وَتُنْدَبُ عِيَادَتُهُ، وَلَوْ مِنْ نَحْوِ رَمَدٍ، وَإِنَّ لَمْ يَعْرِفْهُ وَلَوْ كَافِرًا رُجِيَ إسْلَامُهُ، أَوْ لَهُ قَرَابَةٌ أَوْ جِوَارٌ، إلَّا جَازَتْ وَتُكْرَهُ لِنَحْوِ مُبْتَدِعٍ، وَتُكْرَهُ إطَالَتُهَا وَتَكْرَارُهَا، إلَّا لِتَأَنُّسٍ وَنَحْوِهِ كَتَبَرُّكٍ، وَيُنْدَبُ أَمْرُهُ بِالصَّبْرِ وَوَعْدُهُ بِالْأَجْرِ، وَالدُّعَاءُ لَهُ بِالشِّفَاءِ، وَمِنْهُ أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، أَنْ يَشْفِيَك بِشِفَائِهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَأَنْ يُرَغِّبُهُ عَائِدُهُ فِي الْوَصِيَّةِ، وَالتَّوْبَةِ وَأَنْ يَطْلُبَ الدُّعَاءَ مِنْهُ، وَأَنْ يُوصِيَ خَادِمَهُ بِالرِّفْقِ بِهِ، وَالصَّبْرِ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (وَيُضْجَعُ) أَيْ نَدْبًا بَعْدَ التَّلْقِينِ الْآتِي، إنْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، وَإِلَّا فُعِلَا مَعًا.

قَوْلُهُ: (وَيُلَقَّنُ) نَدْبًا وَلَوْ صَبِيًّا هُنَا لَا بَعْدَ الدَّفْنِ وَسَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) وَلَا يُنْدَبُ الرَّفِيقُ الْأَعْلَى، كَمَا وَقَعَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَوْلُهُ: (وَلَا يُقَالُ لَهُ قُلْ) وَلَا اشْهَدْ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ كَوْنُهَا آخِرَ كَلَامِهِ، لِيَفُوزَ بِهَا مَعَ السَّابِقِينَ، أَوْ بِعَدَمِ الْحِسَابِ أَوْ بِتَقَدُّمِهِ عَلَى مَنْ لَمْ يَقُلْ مِثْلَهُ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ الْحَدِيثُ. نَعَمْ يَجِبُ تَلْقِينُ الشَّهَادَتَيْنِ، لِكَافِرٍ رُجِيَ إسْلَامُهُ، وَيُقَالُ لَهُ قُلْ. قَوْلُهُ: (لِئَلَّا يَتَّهِمَهُ) أَيْ شَأْنُهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إرْثٌ، وَيَنْبَغِي تَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِالتُّهْمَةِ لِغَيْرِ الْوَارِثِ. قَوْلُهُ: (أَشْفَقُهُمْ) إنْ وُجِدَ وَإِلَّا تَرَكَهُ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ بَعْدَهَا) وَلَوْ بِأُخْرَوِيٍّ. قَوْلُهُ: (وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (لَا يَقْرَأُ عَلَيْهِ) أَيْ عَادَةً بَلْ يَقْرَأُ عِنْدَهُ، وَلَا مَانِعَ مِنْ الْأَوَّلِ كَالسَّلَامِ عَلَيْهِ، وَيُنْدَبُ قِرَاءَةُ سُورَةِ الرَّعْدِ عِنْدَهُ أَيْضًا، لِتَسْهِيلِهَا خُرُوجَ الرُّوحِ، وَلِمَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ، أَنَّهُ يَمُوتُ رَيَّانًا، وَيَدْخُلُ قَبْرَهُ رَيَّانًا وَيَخْرُجُ مِنْهُ رَيَّانًا، وَيُنْدَبُ أَنْ يُجَرَّعَ مَاءً، خُصُوصًا لِمَنْ ظَهَرَ مِنْهُ أَمَارَةُ طَلَبِهِ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِيهِ بِمَاءٍ، وَيَقُولُ لَهُ: قُلْ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا حَتَّى أَسْقِيَك. قَوْلُهُ: (بِثَلَاثٍ) أَيْ مِنْ الْأَيَّامِ. قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ عِنْدَهُ) أَيْ لِلْحَاضِرِينَ عِنْدَ الْمَرِيضِ مِنْ النَّاسِ.

(فَائِدَةٌ) قَدْ دَلَّتْ الْأَحَادِيثُ عَلَى أَنَّ جِبْرِيلَ يَحْضُرُ مَوْتَ كُلِّ مُؤْمِنٍ، مَا لَمْ يَمُتْ جُنُبًا. قَوْلُهُ: (تَحْسِينُ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ) نَدْبًا، وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَى مَنْ رَأَى مِنْهُ يَأْسًا وَقُنُوطًا، وَالرَّجَاءُ لَهُ أَوْلَى كَالصَّحِيحِ إنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْيَأْسُ، وَإِلَّا فَالْخَوْفُ لَهُ أَوْلَى، وَإِنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْأَمْنُ، وَإِلَّا اسْتَوَيَا. نَعَمْ الْأَوْلَى لِلْمَرِيضِ تَقْدِيمُ الرَّجَاءِ وَعَكْسُهُ.

ــ

[حاشية عميرة]

فَلَيْسَ الْخِلَافُ رَاجِعًا لِلِاسْتِقْبَالِ أَيْضًا، كَمَا يُوهِمُهُ الْمَتْنُ. قَوْلُهُ: (وَحَقِيقَتُهُمَا) أَيْ وَهَذِهِ الْحَقِيقَةُ لَيْسَتْ مُرَادَةً هُنَا

. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيُلَقَّنُ الشَّهَادَةَ إلَخْ) قِيلَ عُمُومُ الْكَلَامِ يَشْمَلُ الصَّغِيرَ الْمُمَيِّزَ، لَكِنْ قِيَاسُ عَدَمِ تَلْقِينِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عَدَمُهُ هُنَا، وَفَرَّقَ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّهُ هُنَا لِلْمَصْلَحَةِ فَيُفْعَلُ، وَهُنَاكَ لِلْفِتْنَةِ وَهُوَ لَا يُفْتَنُ، بَلْ بَحَثَ وُجُوبُهُ عَلَى الْوَلِيِّ كَتَعْلِيمِ الشَّرَائِعِ. قَوْلُهُ: (وَلْيَكُنْ غَيْرَ وَارِثٍ) لَوْ كَانَ فَقِيرًا لَا شَيْءَ لَهُ فَالْوَجْهُ أَنَّ الْوَارِثَ كَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ بَعْدَهَا) لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنْ يَكُونَ آخَرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ: لَا يُعِيدُهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِكَلَامِ الدُّنْيَا أَيْ بِخِلَافِ التَّسْبِيحِ وَنَحْوِهِ اهـ.

وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ نَظَرًا لِلْغَرَضِ السَّابِقِ، وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، دَخَلَ الْجَنَّةَ» بَحَثَ فِي الْخَادِمِ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ أَعَمَّ مِنْ اللَّفْظِيِّ وَالنَّفْسَانِيِّ، وَأَنَّهُ لَوْ نَطَقَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى التَّوْحِيدِ يَكْفِي، كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى» . قَوْلُهُ: (لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ) وَاسْتَحْسَنَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، أَنْ يُلَقِّنَهُ الشَّهَادَتَيْنِ أَوَّلًا ثُمَّ يَقْتَصِرَ بَعْدَ ذَلِكَ، عَلَى لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ.

قَوْلُهُ: (رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ إلَخْ) زَادَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، ثُمَّ قَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>