للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قُمْنَا إلَى الصَّلَاةِ» ، وَكَانَ قَدْرُ مَا بَيْنَهُمَا خَمْسِينَ آيَةً وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ «تَسَحَّرُوا وَلَوْ بِجَرْعَةِ مَاءٍ» ، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَقْتُ السَّحُورِ بَيْنَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ، وَأَنَّهُ يَحْصُلُ بِكَثِيرِ الْمَأْكُولِ، وَقَلِيلِهِ وَبِالْمَاءِ.

(وَلْيَصُنْ لِسَانَهُ عَنْ الْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَنَفْسَهُ عَنْ الشَّهَوَاتِ) قَالَ فِي الدَّقَائِقِ: اشْتَرَكَ النَّوْعَانِ فِي الْأَمْرِ بِهِمَا لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَمْرُ إيجَابٍ، وَالثَّانِيَ اسْتِحْبَابٌ اهـ وَقَوْلُ الْمُحَرَّرِ، وَأَنْ يَصُونَ اللِّسَانَ، يُفِيدُ أَنَّهُ مِنْ السُّنَنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الشَّرْحِ كَغَيْرِهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُسَنُّ لِلصَّائِمِ مِنْ حَيْثُ الصَّوْمُ صَوْنُ لِسَانِهِ عَنْ الْكَذِبِ، وَالْغِيبَةِ الْمُحَرَّمَيْنِ فَلَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ بِارْتِكَابِهِمَا، بِخِلَافِ ارْتِكَابِ مَا يَجِبُ اجْتِنَابُهُ مِنْ حَيْثُ الصَّوْمُ كَالِاسْتِقَاءَةِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى عُدُولِ الْمِنْهَاجِ عَمَّا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ الْكَفُّ عَنْ الشَّهَوَاتِ، الَّتِي لَا تُبْطِلُ الصَّوْمَ كَشَمِّ الرَّيَاحِينِ، وَالنَّظَرِ إلَيْهَا وَلَمْسِهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّرَفُّهِ الَّذِي لَا يُنَاسِبُ حِكْمَةَ الصَّوْمِ، وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ.

(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ عَنْ الْجَنَابَةِ) وَنَحْوِهَا (قَبْلَ الْفَجْرِ) لِيَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ مِنْ أَوَّلِ الصَّوْمِ (وَأَنْ يَحْتَرِزَ عَنْ الْحِجَامَةِ) وَالْفَصْدِ لِأَنَّهُمَا يُضْعِفَانِهِ (وَالْقُبْلَةِ) بِنَاءً فِيمَنْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ عَلَى إطْلَاقِ الْمُحَرَّرِ كَرَاهَتَهَا الْمُنْصَرِفِ إلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، وَعَلَى تَصْحِيحِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ كَرَاهَتَهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ يَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْأَوْلَى لِمَنْ لَمْ تُحَرِّكْ الْقُبْلَةُ شَهْوَتَهُ تَرَكَهَا. (وَذَوْقِ الطَّعَامِ) خَوْفَ الْوُصُولِ إلَى حَلْقِهِ. (وَالْعَلْكِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الرِّيقَ، فَإِنْ ابْتَلَعَهُ أَفْطَرَ فِي وَجْهٍ تَقَدَّمَ

ــ

[حاشية قليوبي]

يَصِحَّ الرُّجُوعُ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ إلَخْ) وَهِيَ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْمِنْهَاجِ لِنَظِيرِ مَا مَرَّ.

قَوْلُهُ: (النَّوْعَانِ) أَيْ الْحَاصِلَانِ مِنْ اللِّسَانِ وَالنَّفْسِ وَالْقَلْبِ كَاللِّسَانِ فِي الْغِيبَةِ بِالْأَوْلَى. قَوْلُهُ: (مِنْ حَيْثُ الصَّوْمُ) أَيْ فَالْإِيجَابُ لَا مِنْ حَيْثُ الصَّوْمُ. قَوْلُهُ: (فَلَا حَاجَةَ إلَى عُدُولِ الْمِنْهَاجِ) عَنْ ذِكْرِ السُّنَّةِ إلَى صِيغَةِ الْأَمْرِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (كَشَمِّ الرَّيَاحِينِ وَالنَّظَرِ إلَيْهَا وَلَمْسِهَا) وَهِيَ مَا لَهَا رِيحٌ طَيِّبٌ كَالْمِسْكِ وَالطِّيبِ وَالْوَرْدِ وَالنِّرْجِسِ وَالرَّيْحَانِ، وَلَوْ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ مَثَلًا وَسَوَاءٌ الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ. قَالَ شَيْخُنَا: وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي النَّهَارِ أَمَّا لَوْ اسْتَعْمَلَهُ لَيْلًا وَأَصْبَحَ مُسْتَدِيمًا لَهُ لَمْ يُكْرَهْ كَمَا فِي الْمُحْرِمِ.

وَفِي ابْنِ حَجَرٍ مَا يُخَالِفُهُ وَيُوَافِقُهُ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ. قَوْلُهُ: (مِنْ التَّرَفُّهِ) وَمِنْهُ دُخُولُ الْحَمَّامِ لِغَيْرِ عُذْرٍ. قَوْلُهُ: (قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ كُلُّ شَيْءٍ غَيْرُ مَطْلُوبٍ فِي الصَّوْمِ، وَإِنْ لَمْ يَحْرُمْ. قَالَ الْحَلِيمِيُّ: يَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يَصُومَ بِجَمِيعِ جَوَارِحِهِ فَلَا يَمْشِي بِرِجْلِهِ إلَى بَاطِلٍ وَلَا يَبْطِشُ بِيَدِهِ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ وَلَا يُدَاهِنُ وَلَا يَقْطَعُ الزَّمَنَ بِالْأَشْعَارِ وَالْحِكَايَاتِ الَّتِي لَا طَائِلَ تَحْتَهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ انْتَهَى

خُصُوصًا مَا يَحْرُمُ مُطَالَعَتُهُ مِمَّا سَيَأْتِي فِي الِاعْتِكَافِ فَرْعٌ: لَوْ تَابَ مَنْ ارْتَكَبَ فِي الصَّوْمِ مَا لَا يَلِيقُ ارْتَفَعَ عَنْ صَوْمِهِ النَّقْصُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ تَجُبُّ بِالْجِيمِ أَيْ تَجْبُرُ بِمَعْنَى تُزِيلُ مَا وَقَعَ قَبْلَهَا. وَلَوْ فَطَّرَ صَائِمًا قَدْ فَعَلَ مَا لَا يَلِيقُ، وَلَوْ مِمَّا يُحْبِطُ أَجْرَهُ لَمْ يَفُتْ الْأَجْرُ عَلَى مَنْ فَطَّرَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْوَجِيهِ فَرَاجِعْهُ

. قَوْلُهُ: (أَنْ يَغْتَسِلَ) وَلَوْ مِنْ الِاحْتِلَامِ أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ فَإِنْ لَمْ يَغْتَسِلْ غَسَلَ مَا لَا يَخَافُ مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهِ كَالْأُذُنِ وَالدُّبُرِ. قَوْلُهُ: (عَنْ الْحِجَامَةِ) مِنْ حَاجِمٍ وَمَحْجُومٍ. قَوْلُهُ: (إنَّ الْأَوْلَى) أَيْ فَتُكْرَهُ. قَوْلُهُ: (وَذَوْقِ الطَّعَامِ) نَعَمْ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ لِحَاجَةٍ كَمَضْغٍ لِطِفْلٍ. قَوْلُهُ: (بِفَتْحِ الْعَيْنِ) اسْمٌ لِلْفِعْلِ وَبِكَسْرِهَا اسْمٌ لِلْمَعْلُوكِ الَّذِي كُلَّمَا مُضِغَ قَوِيَ وَصَلُبَ وَاجْتَمَعَ وَمِنْهُ الْمُومْيَا. قَوْلُهُ:

ــ

[حاشية عميرة]

أَوْ فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ. قُلْت: لِأَنَّهُ فَرَضَ الْأَوْلَى بَعْدَ تَحَقُّقِ الْغُرُوبِ كَمَا سَلَفَ فَلَا يَصِحُّ رُجُوعُ هَذَا لَهَا.

قَوْلُهُ: (لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَمْرُ إيجَابٍ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَقَدْ يَكُونُ أَمْرَ نَدْبٍ كَمَا فِي أَحْوَالِ جَوَازِ الْغِيبَةِ وَالْكَذِبِ، ثُمَّ أَوْرَدَ أَنَّهُمَا قَدْ يَكُونَانِ وَاجِبَيْنِ كَمَا فِي التَّخَلُّصِ مِنْ ظَالِمٍ، وَكَمَا فِي مَسَاوِئِ الْخَاطِبِ، وَنَحْوِهِ وَرَدَّ بِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْمَفْهُومِ الْكُلِّيِّ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ لَا يُنَافِي الْجَوَازَ فِي بَعْضِ جُزْئِيَّاتِهِ، وَاعْتَرَضَ أَيْضًا بِأَنَّ الْغِيبَةَ تَكُونُ بِالْقَلْبِ، فَقَيْدُ اللِّسَانِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَرَدَّ بِأَنَّهُ يُفْهَمُ بِالْأَوْلَى، لِأَنَّ اللِّسَانَ آلَةُ الْقَلْبِ ثُمَّ الَّذِي سَلَكَهُ الشَّارِحُ غَيْرُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ) أَيْ ثَوَابُهُ.

فَرْعٌ: لَوْ تَابَ هَلْ يَسْلَمُ الصَّوْمُ مِنْ النَّقْصِ مَحَلُّ نَظَرٍ، وَيُحْتَمَلُ بَقَاؤُهُ وَأَنْ يَكُونَ غَايَتُهَا دَفْعَ الْإِثْمِ خَادِمٌ. قَوْلُهُ: (وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ إلَخْ) وَفِي الْحَدِيثِ «رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إلَّا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إلَّا السَّهَرُ» ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: لَمَّا كَانَا يُحْبِطَانِ الثَّوَابَ حَسُنَ عَدُّ الِاحْتِرَازِ عَنْهُمَا مِنْ آدَابِ الصَّوْمِ.

قَوْلُهُ: (بِفَتْحِ الْعَيْنِ) وَأَمَّا بِالْكَسْرِ فَهُوَ اسْمٌ لِلْمُومْيَا

<<  <  ج: ص:  >  >>