وَإِنْ أَلْقَاهُ عَطَشُهُ.
(وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ فِطْرِهِ «اللَّهُمَّ لَك صُمْت وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْت» ) رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ مُعَاذِ بْنِ زُهْرَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَفْطَرَ قَالَ ذَلِكَ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ. (وَأَنْ يُكْثِرَ الصَّدَقَةَ وَتِلَاوَةَ الْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ وَأَنْ يَعْتَكِفَ) فِيهِ (لَا سِيَّمَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْهُ) رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقُرْآنَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ وَرَوَيَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» ، وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ، فَالِاعْتِكَافُ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ وَكَذَا إكْثَارُ الصَّدَقَةِ وَالتِّلَاوَةِ فِيهِ، وَلِأَفْضَلِيَّةِ ذَلِكَ فِيهِ عُدَّ مِنْ السُّنَنِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مَسْنُونًا عَلَى الْإِطْلَاقِ.
ــ
[حاشية قليوبي]
أَفْطَرَ فِي وَجْهٍ تَقَدَّمَ) وَهُوَ مَرْجُوحٌ نَعَمْ إنْ انْفَصَلَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَعْلُوكِ أَفْطَرَ قَطْعًا وَحَرُمَ الْعَلْكُ حِينَئِذٍ، وَلَا يَضُرُّ وُصُولُ رِيحِهِ وَطَعْمِهِ إلَى جَوْفِهِ.
قَوْلُهُ: (عِنْدَ فِطْرِهِ) أَيْ عَقِبَ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْفِطْرُ وَإِنْ لَمْ يُنْدَبْ كَجِمَاعٍ وَإِدْخَالِ نَحْوِ عُودٍ فِي أُذُنِهِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا بَلْ نُقِلَ أَنَّهُ يَكْفِي دُخُولُ وَقْتِ الْإِفْطَارِ لَكِنْ رُبَّمَا يُنَافِيهِ لَفْظُ. وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْت فَتَأَمَّلْهُ وَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (رَوَى أَبُو دَاوُد إلَخْ) وَوَرَدَ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَقُولُ: «ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الْأَجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ» وَلَكِنَّ هَذَا رُبَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ فِي خُصُوصِ مَنْ أَفْطَرَ عَلَى الْمَاءِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (الصَّدَقَةَ) وَمِنْهَا التَّوْسِعَةُ عَلَى عِيَالِهِ وَالْإِحْسَانُ إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَإِفْطَارُ الصَّائِمِينَ بِعَشَاءٍ أَوْ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَتِلَاوَةَ الْقُرْآنِ) وَلَوْ فِي حَمَّامٍ أَوْ طَرِيقٍ لَا نَحْوِ حَوْشٍ وَهِيَ فِي الْمُصْحَفِ، وَإِلَى الْقِبْلَةِ وَجَهْرًا أَفْضَلُ إلَّا لِخَوْفِ رِيَاءٍ أَوْ تَشْوِيشٍ عَلَى قَارِئٍ آخَرَ أَوْ عَلَى نَائِمٍ أَوْ مُصَلٍّ. قَوْلُهُ: (فِي رَمَضَانَ) صَرَّحَ بِهِ هُنَا لِطَلَبِ هَذِهِ الْأُمُورِ لَيْلًا وَنَهَارًا فِيهِ وَإِلَّا فَهِيَ مَطْلُوبَةٌ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (سِيَّمَا) كَلِمَةٌ تُفِيدُ أَنَّ مَا بَعْدَهَا أَوْلَى بِالْحُكْمِ مِمَّا قَبْلَهَا لَا أَدَاةُ اسْتِثْنَاءٍ وَهِيَ تُشَدَّدُ وَتُخَفَّفُ وَمَعْنَاهَا الْمِثْلُ، وَمَا مَوْصُولَةٌ أَوْ زَائِدَةٌ وَيَجُوزُ رَفْعُ مَا بَعْدَهَا خَبَرًا لِمَحْذُوفٍ وَنَصْبُهُ بِمَحْذُوفٍ أَوْ جَرُّهُ بِالْإِضَافَةِ وَهُوَ أَرْجَحُ. قَوْلُهُ: (وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ) بِرَفْعِ أَجْوَدَ اسْمُ كَانَ، وَلَا يَجُوزُ نَصْبُهُ، وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ أَجْوَدُ أَكْوَانِهِ أَيْ أَوْقَاتِهِ أَوْ أَحْوَالِهِ. قَوْلُهُ: (وَأَنَّ جِبْرِيلَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ وَفِي عَرْضِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقُرْآنَ عَلَى جِبْرِيلَ نَظَرٌ، فَإِنَّ حِفْظَهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ مِنْ خَوَاصِّ الْبَشَرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُلْقِي عَلَى جِبْرِيلَ حِفْظَ مَا كَانَ يَقْرَؤُهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَلَيْهِ أَوْ يَكْشِفُ لَهُ عَنْ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فَيُقَابِلُ مَا يَقْرَؤُهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَرَاجِعْ وَانْظُرْ.
قَوْلُهُ: (وَعَنْ عَائِشَةَ إلَخْ) ذَكَرَهُ بَعْدَ الْأَوَّلِ لِإِفَادَتِهِ اسْتِغْرَاقَ الْعَشْرِ وَالْمُدَاوَمَةَ. قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ رَمَضَانَ) يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ فِي رَمَضَانَ كُلُّ سَنَةٍ فَيُفِيدُ مُدَاوَمَةَ الِاعْتِكَافِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِعَشْرٍ، فَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأُوَلَ تَارَةً وَالْعَشْرَ الْأَوْسَطَ تَارَةً أَيْضًا وَيُحْتَمَلُ فِي جَمِيعِ أَيَّامِ رَمَضَانَ فِي بَعْضِ السِّنِينَ. قَوْلُهُ: (وَلِأَفْضَلِيَّةِ ذَلِكَ) أَيْ الِاعْتِكَافِ وَالصَّدَقَةِ وَالتِّلَاوَةِ وَغَيْرِهَا أَوْ الْإِكْثَارِ الْمَذْكُورِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَكُلٌّ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[حاشية عميرة]
الَّتِي كُلَّمَا مَضَغْته قَوِيَ وَصَلُبَ وَاجْتَمَعَ.
قَوْلُهُ: (رَوَى أَبُو دَاوُد إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ وَقْتَ الِاسْتِحْبَابِ بَعْدَ الْفِطْرِ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْت. وَلِقَوْلِ الرَّاوِي: كَانَ إذَا أَفْطَرَ قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَأَنْ يُكْثِرَ الصَّدَقَةَ) فِي الْحَدِيثِ «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ» ، اُنْظُرْ لَوْ كَانَ الصَّائِمُ قَدْ فَعَلَ مَا يُحْبِطُ الثَّوَابَ ثُمَّ فَطَّرَهُ مَا حُكْمُهُ قَوْلُ الْمَتْنِ: (فِي رَمَضَانَ) صَرَّحَ بِهِ هُنَا دُونَ مَا سَلَفَ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ تَكُونُ لَيْلًا وَنَهَارًا فِي رَمَضَانَ. قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ رَمَضَانَ) يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ فِي جَمِيعِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ فِي كُلِّ شَهْرٍ مِنْ أَفْرَادِ هَذَا الشَّهْرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute