يَحُجَّ عَنْهُ، فَإِنْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ بِاسْتِئْجَارٍ سَقَطَ الْحَجُّ عَنْ الْمَيِّتِ، وَلَوْ حَجَّ عَنْهُ أَجْنَبِيٍّ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْوَارِثُ كَمَا يَقْضِي دَيْنَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَارِثِ وَيَبْرَأُ الْمَيِّتُ بِهِ، ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ بُرَيْدَةَ: «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَلَمْ تَحُجَّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: حُجِّي عَنْهَا» .
وَرَوَى النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْحَجِّ عَنْ أَبِيهِ فَقَالَ: أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ فَقَضَيْته عَنْهُ، أَكَانَ ذَلِكَ يُجْزِئُ عَنْهُ. قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَاحْجُجْ عَنْهُ» (وَالْمَعْضُوبُ الْعَاجِزُ عَنْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ) لِكِبَرٍ أَوْ غَيْرِهِ (إنْ وَجَدَ أُجْرَةَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لَزِمَهُ) الْحَجُّ بِهَا (وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا فَاضِلَةً عَنْ الْحَاجَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِيمَنْ حَجَّ بِنَفْسِهِ، لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ نَفَقَةُ الْعِيَالِ ذَهَابًا وَإِيَابًا) ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُفَارِقْ أَهْلَهُ يُمْكِنُهُ تَحْصِيلُ نَفَقَتِهِمْ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أُجْرَةَ مَاشٍ وَجَبَ اسْتِئْجَارُهُ فِي الْأَصَحِّ إذْ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي مَشْيِ الْأَجِيرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَجَّ بِنَفْسِهِ يَشُقُّ عَلَيْهِ الْمَشْيُ، وَقَوْلُهُ الْعَاجِزُ إلَخْ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ فِي مَعْنَى التَّفْسِيرِ لِلْمَعْضُوبِ، (وَلَوْ بَذَلَ) بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ أَعْطَى (وَلَدُهُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ مَالًا لِلْأُجْرَةِ لَمْ يَجِبْ قَبُولُهُ فِي الْأَصَحِّ لِمَا) فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ الثَّقِيلَةِ، وَالثَّانِي يَجِبُ لِحُصُولِ الِاسْتِطَاعَةِ بِهِ، وَالْوُجُوبُ فِي الْوَلَدِ أَوْلَى مِنْهُ فِي الْأَجْنَبِيِّ وَبَذْلُ الْأَبِ الْمَالَ كَبَذْلِ الِابْنِ أَوْ كَبَذْلِ الْأَجْنَبِيِّ فِيهِ احْتِمَالَانِ: ذَكَرَهُمَا الْإِمَامُ أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ. (وَلَوْ بَذَلَ الْوَلَدُ الطَّاعَةَ) فِي الْحَجِّ (وَجَبَ قَبُولُهُ) بِالْإِذْنِ لَهُ فِيهِ، (وَكَذَا الْأَجْنَبِيُّ فِي الْأَصَحِّ) وَالْمِنَّةُ فِي ذَلِكَ لَيْسَتْ كَالْمِنَّةِ فِي الْمَالِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِنْسَانَ يَسْتَنْكِفُ عَنْ
ــ
[حاشية قليوبي]
عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ حَجّ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ) أَيْ فَرْضًا أَوْ حِجَّةَ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَتْ نَفْلًا بِأَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ قَبْلَ مَوْتِهِ جَازَ وَالْعِلَّةُ لِلْأَصْلِ وَالْأَغْلَبِ. وَأَمَّا النَّفَلُ غَيْرُ هَذِهِ فَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِ إذْنِهِ سَوَاءٌ مِنْ الْوَارِثِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا يَأْتِي فِي الْوَصِيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَالْمَعْضُوبُ) مِنْ الْعَضَبِ بِمُعْجَمَةٍ وَهُوَ الْقَطْعُ لِقَطْعِهِ عَنْ كَمَالِ الْحَرَكَةِ وَبِمُهْمَلَةٍ كَأَنَّهُ قَطَعَ عَصَبَهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرِهِ) مِنْ كُلِّ مَشَقَّةٍ لَا تُحْتَمَلُ وَلَوْ مِمَّنْ يُمْكِنُهُ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الثُّبُوتِ عَلَى الْمَرْكُوبِ. وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا قَالَهُ فِي الْمَنْهَجِ. وَلَا يَصِحُّ اسْتِنَابَةٌ عَمَّنْ لَزِمَهُ الْحَجُّ ثُمَّ جُنَّ لِأَنَّهُ قَدْ يُفِيقُ فَلَوْ اسْتَنَابَ عَنْهُ وَلِيُّهُ فَمَاتَ قَبْلَ إفَاقَةٍ لَمْ يُجْزِئْهُ. وَكَذَا مَرِيضٌ يُرْجَى بُرْؤُهُ. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ) أَيْ عَلَى الْفَوْرِ إنْ طَرَأَ الْعَجْزُ وَإِلَّا كَمَنْ بَلَغَ عَاجِزًا فَعَلَى التَّرَاخِي، وَعَلَى كُلٍّ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ إجْبَارُهُ عَلَى اسْتِنَابَةٍ إنْ امْتَنَعَ.
قَوْلُهُ: (فَاضِلًا عَنْ الْحَاجَاتِ إلَخْ) أَيْ لِيَوْمِ الِاسْتِئْجَارِ فَقَطْ، وَتُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْعَاقِدَيْنِ أَعْمَالَ الْحَجِّ فَرْضًا وَنَفْلًا حَتَّى لَوْ تَرَكَ مَنْدُوبًا سَقَطَ مِنْ الْأُجْرَةِ مَا يُقَابِلُهُ. وَلَوْ أَفْسَدَ الْأَجِيرُ الْحَجَّ وَقَعَ لَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَحَجُّهُ بَعْدَهُ قَضَاءً عَنْ الْفَاسِدِ لَهُ وَيَلْزَمُهُ رَدُّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ لَهُ أَوْ يَبْقَى عَلَيْهِ الْحَجُّ إنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ أَجْنَبِيٌّ مَالًا) نَعَمْ يَجِبُ قَبُولُهُ إنْ كَانَ إمَامًا وَلَهُ حَقٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَلَوْ تَبَيَّنَ لَهُ مَالٌ أَوْ مُطِيعٌ تَبَيَّنَ الْوُجُوبُ اعْتِبَارًا بِالْوَاقِعِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَذَلَ الْوَلَدُ الطَّاعَةَ) وَلَوْ غَيْرَ وَارِثٍ أَوْ بَعِيدًا وَلَوْ بَذَلَ الطَّاعَةَ لِوَالِدَيْهِ تَخَيَّرَ وَالْأَبُ أَوْلَى وَيَجِبُ سُؤَالُ الْوَلَدِ بِهَا إنْ تَوَسَّمَ مِنْهُ الْإِجَابَةَ. وَلَا تَلْزَمُهُ الْإِجَابَةُ وَمِثْلُهُ الْأَجْنَبِيُّ. وَيُشْتَرَطُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ مَوْثُوقًا بِهِ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ أَهْلًا لِلْفَرْضِ وَلَيْسَ مَعْضُوبًا أَيْضًا. كَذَا فِي شَرْحِ شَيْخِنَا وَغَيْرِهِ وَشَرَطَ شَيْخُنَا كَوْنَهُ ذَكَرًا أَيْضًا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ مَا يُخَالِفُهُ بِقَوْلِهِ: «حُجِّي عَنْ أُمِّك» . فَرَاجِعْهُ وَمِثْلُ بَذْلِ الطَّاعَةِ فِيهِمَا مَا لَوْ طَلَبَا مِنْهُ أَنْ يَأْذَنَ
ــ
[حاشية عميرة]
لَزِمَهُ) قَالَ الرَّافِعِيُّ: إنْ بَلَغَ مَعْضُوبًا كَانَ عَلَى التَّرَاخِي وَإِنْ عَضَبَ بَعْدَمَا أَيْسَرَ فَيَجِبُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْفَوْرِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَأَمَّا الْإِذْنُ لِبَاذِلِ الطَّاعَةِ فَعَلَى الْفَوْرِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ، وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَقَبُولُ الْمَالِ إذَا أَوْجَبْنَاهُ كَالْإِذْنِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَيْنِ وَبَيْنَ الْمُسْتَطِيعِ بِنَفْسِهِ أَنَّ وُجُوبَ الْمُبَاشَرَةِ عَلَى الشَّخْصِ يَدْعُوهُ، وَيَحْمِلُهُ عَلَى الْفِعْلِ، فَوَكَّلَ إلَى دَاعِيَتِهِ وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِي حَقِّ الْغَيْرِ فَوَجَبَتْ الْمُبَادَرَةُ اهـ. وَقُيِّدَ الْقَبُولُ بِكَوْنِ الْبَاذِلِ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْفَوْرِ وَالتَّرَاخِي.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (لَكِنْ لَا يَشْتَرِطُ إلَخْ) لَوْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ كَسْبِهَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ. قَوْلُهُ: (فِي مَعْنَى التَّفْسِيرِ لِلْمَعْضُوبِ) مِنْ الْعَضْبِ وَهُوَ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ قَطْعٌ عَنْ الْحَرَكَةِ وَيُقَالُ: الْمَغْصُوبُ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ كَأَنَّهُ قَطَعَ عَصَبَهُ.
فَائِدَةٌ: لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْرِفَ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَنْهُ بَلْ يَكْفِي أَنْ يَنْوِ عَمَّنْ اُسْتُؤْجِرَ عَنْهُ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (الْوَلَدُ) أَيْ بَعُدَ أَوْ قَرُبَ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ، وَفِي الْخَادِمِ عَنْ الشَّاشِيِّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُطَاعِ عَدَمُ الْمَالِ وَفِيهِ نَظَرٌ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَجَبَ قَبُولُهُ) وَبَعْدَ الْقَبُولِ يَكُونُ