النَّحْرِ وَفِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) الثَّلَاثَةِ (لِلرَّمْيِ) لِأَنَّ هَذِهِ مَوَاطِنُ يَجْتَمِعُ لَهَا النَّاسُ فَسُنَّ الْغُسْلُ لَهَا قَطْعًا لِلرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ وَسَوَاءٌ فِي هَذِهِ الْأَغْسَالِ كُلِّهَا الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ الطَّاهِرُ وَغَيْرُهَا، وَرَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ وَلَدَتْ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ» . وَلِلْإِمَامِ نَظَرٌ فِي نِيَّةِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا يَنْوِيَانِ لِأَنَّهُمَا يُقِيمَانِ مَسْنُونًا. وَلَا يُسَنُّ الْغُسْلُ لِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ اكْتِفَاءً بِغُسْلِ الْعِيدِ، وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْغُسْلِ لِغَيْرِ الْإِحْرَامِ تَيَمَّمَ أَيْضًا.
وَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ مِنْ حِكَايَةِ وَجْهِ أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ غُسْلِهَا لَا يَتَيَمَّمُ يَأْتِي هُنَا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ لِمَا تَقَدَّمَ فِي وَجْهِهِ مِنْ أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْغُسْلِ التَّنْظِيفُ وَقَطْعُ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ وَالتَّيَمُّمُ لَا يُفِيدُ هَذَا الْغَرَضَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَأَهَّبَ لِلْإِحْرَامِ بِحَلْقِ الْعَانَةِ وَنَتْفِ الْإِبْطِ وَقَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ، وَيَنْبَغِي تَقَدُّمُ هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى الْغُسْلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ. وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: أَنَّ مَنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ فَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْحِلِّ وَاغْتَسَلَ لِلْإِحْرَامِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ لِدُخُولِ مَكَّةَ إنْ كَانَ أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعٍ بَعِيدٍ مِنْهَا كَالْجِعْرَانَةِ وَالْحُدَيْبِيَةِ، وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعٍ قَرِيبٍ مِنْهَا كَالتَّنْعِيمِ أَوْ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ لَمْ يَغْتَسِلْ لِدُخُولِهَا، لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا الْغُسْلِ النَّظَافَةُ وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِالْغُسْلِ السَّابِقِ (وَأَنْ يُطَيِّبَ بَدَنَهُ لِلْإِحْرَامِ) لِلِاتِّبَاعِ. رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ» . وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَفِي قَوْلٍ لَا يُسْتَحَبُّ لَهَا (وَكَذَا ثَوْبُهُ) أَيْ إزَارُ الْإِحْرَامِ وَرِدَاؤُهُ (فِي الْأَصَحِّ) قِيَاسًا عَلَى الْبَدَنِ. وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ تَطْيِيبُهُ لِأَنَّهُ يُنْزَعُ وَيُلْبَسُ، وَإِذَا نَزَعَهُ ثُمَّ أَعَادَهُ كَانَ كَمَا لَوْ اسْتَأْنَفَ لُبْسَ ثَوْبٍ مُطَيَّبٍ.
وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا التَّعْبِيرُ فِي الْأَوَّلِ بِالْجَوَازِ وَفِي التَّتِمَّةِ بِالِاسْتِحْبَابِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَهُوَ غَرِيبٌ.
وَلَوْ تَعَطَّرَ ثَوْبُهُ مِنْ بَدَنِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ قَطْعًا (وَلَا بَأْسَ بِاسْتِدَامَتِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَلَا بِطِيبٍ لَهُ جُرْمٌ) لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُحْرِمٌ» . وَالْوَبِيصُ بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْمُهْمَلَةِ الْبَرِيقُ. وَسَوَاءٌ فِي الِاسْتِدَامَةِ الْبَدَنُ وَالثَّوْبُ (لَكِنْ لَوْ نَزَعَ ثَوْبَهُ الْمُطَيَّبَ ثُمَّ لَبِسَهُ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا أَخَذَ الطِّيبَ مِنْ بَدَنِهِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ. وَالثَّانِي لَا تَلْزَمُهُ لِأَنَّ
ــ
[حاشية قليوبي]
الْوُقُوفِ. قَوْلُهُ: (غَدَاةً) ظَرْفٌ لِلْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَيَدْخُلُ وَقْتُ هَذَا الْغُسْلِ بِنِصْفِ اللَّيْلِ كَالْعِيدِ، وَلَا يُنْدَبُ الْغُسْلُ لِلْمَبِيتِ بِهَا لِقُرْبِهِ مِنْ عَرَفَةَ. قَوْلُهُ: (وَفِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) وَيَدْخُلُ وَقْتُ الْغُسْلِ لِكُلِّ يَوْمٍ بِفَجْرِهِ كَالْجُمُعَةِ وَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُهُ لِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ، وَيَخْرُجُ غُسْلُ كُلِّ يَوْمٍ بِغُرُوبِهِ أَوْ بِرَمْيِهِ. قَوْلُهُ: (وَسَوَاءٌ الرَّجُلُ) وَكَذَا الصَّبِيُّ وَلَوْ غَيْرُ مُمَيِّزٍ وَيُغَسِّلُهُ وَلِيُّهُ. وَكَذَا فِي الْمَرْأَةِ. قَوْلُهُ: (وَالظَّاهِرُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيُكْرَهُ إحْرَامُ الْجُنُبِ وَنَحْوِ الْحَائِضِ فَيُنْدَبُ لَهُمَا تَأْخِيرُهُ لِلطُّهْرِ إنْ تَيَسَّرَ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُسَنُّ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمِثْلُهُ كُلُّ غُسْلٍ قَرُبَ مِمَّا قَبْلَهُ كَالْقُدُومِ مَعَ الدُّخُولِ وَالْحَلْقِ وَالطَّوَافِ وَالْوَدَاعِ وَسَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (بِحَلْقِ الْعَانَةِ) وَكَذَا يُحْلَقُ رَأْسٌ لِمَنْ يَتَزَيَّنُ بِهِ وَإِلَّا نُدِبَ أَنْ يُلَبِّدَهُ بِنَحْوِ صَمْغٍ دَفْعًا لِنَحْوِ الْقَمْلِ وَيُنْدَبُ السِّوَاكُ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَيَنْبَغِي تَقَدُّمُ إلَخْ) أَيْ فِي حَقِّ غَيْرِ الْجُنُبِ. وَيُنْدَبُ لَهُ التَّأْخِيرُ. قَوْلُهُ: (تَقَدَّمَ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ) . أَيْ عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ الْمَرْجُوحِ وَالرَّاجِحُ هُنَاكَ الْقَدِيمُ وَهُوَ عَدَمُ طَلَبِهَا. قَوْلُهُ: (وَهِيَ حَاصِلَةٌ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: نَعَمْ إنْ تَغَيَّرَ رِيحُ بَدَنِهِ طُلِبَ فِعْلُهُ. وَكَذَا بَقِيَّةُ الْأَغْسَالِ وَتَفُوتُ بِالْأَعْرَاضِ أَوْ بِطُولِ الْفَصْلِ وَلَا تُقْضَى. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يُطَيِّبَ بَدَنَهُ) إجْمَاعًا إلَّا لِصَائِمٍ فَيُكْرَهُ وَلِمُحِدَّةٍ فَيَحْرُمُ.
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ يُنْدَبُ النِّكَاحُ أَيْضًا لِأَنَّ الطِّيبَ مِنْ دَوَاعِيهِ وَلَمْ يُخَالِفُوهُ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا ثَوْبُهُ) مَرْجُوحٌ بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ ابْنِ حَجَرٍ وَمُبَاحٌ عِنْدَ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ. قَوْلُهُ: (فِي الْأَوَّلِ) أَيْ الْأَصَحُّ بِالْجَوَازِ أَيْ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَكَإِزَارِ الْإِحْرَامِ وَرِدَائِهِ وَثِيَابِ الْمَرْأَةِ وَلَيْسَ فِي شَرْحِ شَيْخِنَا وَلَا غَيْرِهِ ذَلِكَ الْكَرَاهَةُ فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (وَفِي التَّتِمَّةِ بِالِاسْتِحْبَابِ) وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ) وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فِيهِ رَائِحَةُ الطِّيبِ لَكِنْ بِحَيْثُ لَوْ مَسَّهُ رُبَّمَا ظَهَرَتْ. وَلَوْ مَسَّ ثَوْبَهُ عَمْدًا بِيَدِهِ لَزِمَتْهُ
ــ
[حاشية عميرة]
يَدْخُلُ بِالْفَجْرِ. قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَأَهَّبَ إلَخْ) وَمِنْ السُّنَنِ السِّوَاكُ أَيْضًا قَالَهُ السُّبْكِيُّ. قَوْلُهُ: (وَيَنْبَغِي تَقَدُّمُ هَذِهِ الْأُمُورِ) لَوْ كَانَ جُنُبًا طَلَبَ تَأْخِيرَهَا. قَوْلُهُ: (أَيْ إزَارُ الْإِحْرَامِ وَرِدَاؤُهُ) وَمِثْلُهُ ثِيَابُ الْمَرْأَةِ. قَوْلُهُ: (فِي الْأَوَّلِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِ الْمَتْنِ فِي الْأَصَحِّ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (لَكِنْ لَوْ نَزَعَ ثِيَابَهُ إلَخْ) كَذَلِكَ لَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ عَمْدًا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُمَا إلَخْ) عِبَارَةُ الْإِسْنَوِيِّ لِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ