للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِإِكْثَارِ وَرَفْعِ أَيْ مَا دَامَ مُحْرِمًا فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ (وَخَاصَّةً) بِمَعْنَى خُصُوصًا (عِنْدَ تَغَايُرِ الْأَحْوَالِ كَرُكُوبٍ وَنُزُولٍ وَهُبُوطٍ وَصُعُودٍ وَاخْتِلَاطِ رُفْقَةٍ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَفَرَاغِ صَلَاةٍ وَإِقْبَالِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَوَقْتِ السَّحَرِ، فَالِاسْتِحْبَابُ فِي ذَلِكَ مُتَأَكِّدٌ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ فِي صِفَةِ حَجِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ لَزِمَ تَلْبِيَتَهُ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ: «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ» : وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْمَرْأَةُ لَا تَرْفَعُ صَوْتَهَا بَلْ تَقْتَصِرُ عَلَى إسْمَاعِ نَفْسِهَا فَإِنْ رَفَعَتْهُ كُرِهَ.

وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ (وَلَا تُسْتَحَبُّ) التَّلْبِيَةُ (فِي طَوَافِ الْقُدُومِ) وَالسَّعْيِ بَعْدَهُ لِأَنَّ فِيهِمَا أَذْكَارًا خَاصَّةً (وَفِي الْقَدِيمِ تُسْتَحَبُّ فِيهِ) وَفِي السَّعْيِ (بِلَا جَهْرٍ) وَلَا يُلَبِّي فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ جَزْمًا لِأَخْذِهِ فِي أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ. وَتُسْتَحَبُّ التَّلْبِيَةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْخَيْفِ بِمِنًى وَمَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ بِعَرَفَةَ. وَكَذَا سَائِرُ الْمَسَاجِدِ فِي الْجَدِيدِ وَيَرْفَعُ الصَّوْتَ فِيهَا (وَلَفْظُهَا: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرَّيْك لَك لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَيُسْتَحَبُّ تَكْرِيرُهَا ثَلَاثًا وَالْقَصْدُ بِلَبَّيْكَ وَهُوَ مَثْنًى مُضَافٌ الْإِجَابَةُ لِدَعْوَةِ الْحَجِّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: ٢٧] (وَإِذَا رَأَى مَا يُعْجِبُهُ قَالَ لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ) قَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ وَرَأَى جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ مُرْسَلًا وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْحَيَاةَ الْمَطْلُوبَةَ الْهَنِيئَةَ الدَّائِمَةَ هِيَ حَيَاةُ الدَّارِ الْآخِرَةِ (وَإِذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) .

ــ

[حاشية قليوبي]

خُصُوصًا) فَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مَخْتُومٌ بِالتَّاءِ اُسْتُعْمِلَ اسْتِعْمَالَ الْمَصَادِرِ. قَوْلُهُ: (وَهُبُوطٍ وَصُعُودٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِمَا الْمَصْدَرُ وَبِفَتْحِهِمَا مَكَانُهُ وَكُلٌّ صَحِيحٌ. قَوْلُهُ: (وَفَرَاغُ صَلَاةٍ) وَلَا تَفُوتُ بِهَا الْأَذْكَارُ الْوَارِدَةُ عَقِبَ الصَّلَاةِ كَمَا فِي تَكْبِيرِ الْعِيدِ وَيُنْدَبُ لِلْمُلَبِّي وَضْعُ أُصْبُعِهِ فِي أُذُنِهِ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ رَفَعَتْهُ كُرِهَ) وَفَارَقَ حُرْمَةَ الرَّفْعِ فِي الْأَذَانِ مِنْهَا بِطَلَبِ الْإِصْغَاءِ إلَيْهِ وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا فَرَّقَ بِهِ فِي الْمَنْهَجِ فَرَاجِعْهُ.

قَوْلُهُ: (طَوَافِ الْقُدُومِ) وَمِثْلُهُ الْمَنْذُورُ وَالْمَنْدُوبُ. قَوْلُهُ: (وَمَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ) الْخَلِيلِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مُثَنًّى مُضَافٌ) حُذِفَتْ نُونُهُ لِلْإِضَافَةِ مَنْصُوبٌ بِمَحْذُوفٍ وَالْمُرَادُ مِنْهُ التَّكْثِيرُ وَهُوَ مِنْ لَبَّ لَبًّا، وَأَلَبَّ إلْبَابًا إذَا أَقَامَ بِالْمَكَانِ وَالْمَعْنَى أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِك إقَامَةً بَعْدَ إقَامَةٍ وَكَسْرُ هَمْزَةِ إنَّ اسْتِئْنَافًا أَفْصَحُ. وَيَجُوزُ الْفَتْحُ تَعْلِيلًا أَيْ لِأَنَّ. وَضَعَّفَهُ أَبُو الْبَقَاءِ بِوَجْهَيْنِ إيهَامُ تَخْصِيصِ التَّلْبِيَةِ بِاسْتِحْقَاقِ الْحَمْدِ وَإِيهَامُ قَصْرِ الْحَمْدِ عَلَى التَّلْبِيَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَتَأَمَّلْهُ.

وَيَجُوزُ نَصْبُ النِّعْمَةِ عَلَى الْعَطْفِ فَيَكُونُ لَك خَبَرَ إنْ وَرَفْعُهَا عَلَى الِابْتِدَاءِ فَيَكُونُ لَك خَبَرُهُ، وَيَكُونُ خَبَرُ إنَّ مَحْذُوفًا، وَيُنْدَبُ وَقْفَةٌ لَطِيفَةٌ عَلَى الْمُلْكِ دَفْعًا لِاتِّصَالِهِ بِالنَّفْيِ وَعَدَمُ نَقْصٍ أَوْ زِيَادَةٍ فِيهَا. فَلَوْ زَادَ لَمْ يُكْرَهْ نَحْوُ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْك وَالرَّغْبَاءُ وَالْعَمَلُ إلَيْك لِوُرُودِهِ. وَيُكْرَهُ الْكَلَامُ فِي أَثْنَائِهَا وَالسَّلَامُ عَلَيْهِ. وَيُنْدَبُ لَهُ رَدُّهُ وَتَأْخِيرُهُ إلَى فَرَاغِهَا أَحَبُّ. قَوْلُهُ: (مَا يُعْجِبُهُ) وَكَذَا مَا يَكْرَهُهُ فَقَدْ قَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَشَدِّ أَحْوَالِهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ. قَوْلُهُ: (قَالَ لَبَّيْكَ) أَيْ إنْ كَانَ مُحْرِمًا وَإِلَّا قَالَ: اللَّهُمَّ إنَّ الْعَيْشَ إلَخْ. وَهَلْ يُكْرَهُ لَهُ التَّلْبِيَةُ؟ رَاجِعْهُ وَلَا بَأْسَ بِالْجَوَابِ بِلَبَّيْكَ بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ وَقَدْ ضَمَّنَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ نَظْمًا بِقَوْلِهِ:

لَا تَرْغَبَنَّ إلَى الثِّيَابِ الْفَاخِرَهْ ... وَاذْكُرْ عِظَامَك حِينَ تُمْسِي نَاخِرَهْ

وَإِذَا رَأَيْت زَخَارِفَ الدُّنْيَا فَقُلْ ... لَا هَمَّ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَهْ

قَوْلُهُ: (وَإِذَا فَرَغَ) أَيْ بَعْدَ فَرَاغِ تَكْرِيرِهَا ثَلَاثًا كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ بِصَوْتٍ أَخْفَضَ مِنْ صَوْتِ

ــ

[حاشية عميرة]

يَرْتَفِقُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (فِي طَوَافِ الْقُدُومِ) مِثْلُهُ غَيْرُهُ مِنْ الطَّوَافِ الْمَنْدُوبِ فِيمَا يَظْهَرُ، أَيْ فَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ.

قَوْلُهُ: (وَيَرْفَعُ) اسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مَا لَوْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى تَشْوِيشٍ عَلَى الْمُصَلِّينَ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَفْظُهَا لَبَّيْكَ إلَخْ) أَصْلُهُ أُلَبِّي لَبَّيْنَ لَك، فَحُذِفَتْ النُّونُ مِنْ الْمُثَنَّى لِلْإِضَافَةِ وَالْفِعْلُ مُضْمَرٌ وُجُوبًا، وَالْمَعْنَى عَلَى كَثْرَةِ الْإِجَابَةِ لَا خُصُوصِ التَّثْنِيَةِ. قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ تَكْرِيرُهَا ثَلَاثًا) وَأَنْ يَقِفَ وَقْفَةً لَطِيفَةً عَلَى قَوْلِهِ وَالْمُلْكَ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مُثَنًّى مُضَافٌ) سَقَطَتْ النُّونُ لِلْإِضَافَةِ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ وُجُوبًا وَلَيْسَ الْمَعْنَى عَلَى التَّثْنِيَةِ فَقَطْ، بَلْ الْمُرَادُ كَثْرَةُ الْإِجَابَةِ وَأَصْلُ الْفِعْلِ مِنْهَا لَبَّبَ فَاسْتَثْقَلُوا ثَلَاثَ بَاءَاتٍ فَأَبْدَلُوا الثَّالِثَةَ يَاءً، كَمَا فِي تَطَبَّبْت فَقَلَبُوا الْبَاءَ يَاءً.

<<  <  ج: ص:  >  >>