للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا دَخَلَ أَدْنَى الْحَرَمِ أَمْسَكَ عَنْ التَّلْبِيَةِ ثُمَّ يَبِيتُ بِذِي طِوًى ثُمَّ يُصَلِّي بِهِ الصُّبْحَ، وَيَغْتَسِلُ وَيُحَدِّثُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَقْدَمُ مَكَّةَ إلَّا بَاتَ بِذِي طِوًى حَتَّى يُصْبِحَ وَيَغْتَسِلَ ثُمَّ يَدْخُلَ مَكَّةَ نَهَارًا، وَيُذْكَرُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ فَعَلَهُ. وَرَوَيَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَدْخُلُ مَكَّةَ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا وَيَخْرُجُ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى» . وَالْعُلْيَا تُسَمَّى ثَنِيَّةَ كَدَاءٍ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ وَالتَّنْوِينِ، وَالسُّفْلَى تُسَمَّى ثَنِيَّةَ كُدًى بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ وَالتَّنْوِينِ، وَهِيَ عِنْدَ جَبَلِ قُعَيْقِعَانَ وَالثَّنِيَّةُ الطَّرِيقُ الضَّيِّقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ وَذُو طِوًى بَيْنَ الثَّنْيَتَيْنِ وَأَقْرَبُ إلَى السُّفْلَى. وَهُوَ مُثَلَّثٌ الطَّاءِ أَمَّا الْجَائِي مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ فَلَا يُؤْمَرُ بِالْغُسْلِ بِذِي طِوًى بَلْ بِنَحْوِ مَسَافَتِهِ مِنْ طَرِيقِهِ. كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. وَلَا بِالدُّخُولِ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا.

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: يُسْتَحَبُّ لَهُ الدُّخُولُ مِنْهَا وَصَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ لَمَّا قَالَهُ الشَّيْخُ مِنْ أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى طَرِيقِ الْمَدِينَةِ وَقَدْ عَدَلَ النَّبِيُّ إلَيْهَا (وَيَقُولُ إذَا أَبْصَرَ الْبَيْتَ) أَيْ الْكَعْبَةَ بَعْدَ رَفْعِ يَدَيْهِ: (اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً، وَزِدْ مِنْ شَرَفِهِ وَعَظَمِهِ مِمَّنْ حَجَّهُ أَوْ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَتَعْظِيمًا وَبِرًّا) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ: هَذَا مُنْقَطِعٌ وَلَفْظُهُمَا بَدَلُ وَعَظَمِهِ وَكَرَمِهِ (اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ) قَالَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، رَوَاهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ وَمَعْنَى السَّلَامِ الْأَوَّلُ ذُو السَّلَامَةِ مِنْ النَّقَائِصِ، وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ السَّلَامَةُ مِنْ الْآفَاتِ وَبِنَاءُ الْبَيْتِ رَفِيعٌ يُرَى قَبْلَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ إذَا دَخَلَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ (ثُمَّ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ) سَوَاءٌ كَانَ فِي صَوْبِ طَرِيقِهِ أَمْ لَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى طَرِيقِهِ. قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ دُخُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ وَذَلِكَ

ــ

[حاشية قليوبي]

وَخَاشِعًا وَمُتَذَلِّلًا وَمُتَذَكِّرًا جَلَالَةَ الْحَرَمِ، وَمَزِيَّتَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَمُجْتَنِبًا لِلْمُزَاحَمَةِ وَالْإِيذَاءِ وَمُتَلَطِّفًا بِمَنْ يُزَاحِمُهُ.

قَوْلُهُ: (وَالْعُلْيَا) هِيَ الْمَعْرُوفَةُ بِبَابِ الْمُعَلَّاةِ وَخُصَّتْ بِالدُّخُولِ لِكَوْنِ الدَّاخِلِ يَطْلُبُ مَكَانًا رَفِيعًا وَمَرْتَبَةً عَالِيَةً. وَلِأَنَّهَا مَحَلُّ دُعَاءِ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم: ٣٧] وَلِأَنَّهَا مُوَاجِهَةٌ لَبَابِ الْكَعْبَةِ وَجِهَتُهُ أَفْضَلُ الْجِهَاتِ. قَوْلُهُ: (وَالسُّفْلَى تُسَمَّى ثَنِيَّةُ كَدَاءٍ إلَخْ) وَتُصْرَفُ وَلَا تُصْرَفُ عَلَى مَا يَأْتِي وَهِيَ الْمَعْرُوفَةُ الْآنَ بِبَابِ الشَّبِيكَةِ. وَبِمَكَّةَ مَوْضِعٌ ثَالِثٌ يُقَالُ لَهُ: كَدِيٌّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ عَلَى طَرِيقِ الْيَمَنِ. قَوْلُهُ: (قُعَيْقِعَانَ) وَيُقَالُ لَهُ: قَيْنُقَاعُ. قَوْلُهُ: (وَذُو طِوًى) اسْمُ وَادٍ وَطِوًى مُثَلَّثُ الطَّاءِ، وَالْفَتْحُ أَجْوَدُ وَبِالْقَصْرِ وَتُصْرَفُ وَلَا تُصْرَفُ عَلَى مَعْنَى الْمَكَانِ أَوْ الْبُقْعَةِ، وَهِيَ اسْمُ بِئْرٍ مَطْوِيَّةٍ بَيْنَ الْحَجُونَيْنِ أَيْ مَبْنِيَّةٌ بِالْحِجَارَةِ فَنُسِبَ الْوَادِي إلَيْهَا. قَوْلُهُ: (كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (يُسْتَحَبُّ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (أَبْصَرَ الْبَيْتَ) أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَدَخَلَ الْأَعْمَى وَمَنْ فِي ظُلْمَةٍ وَالْحَلَالُ وَالْمُحَرَّمُ وَذَلِكَ هُوَ بَابُ الْمَسْجِدِ الْآنَ. وَأَمَّا أَوَّلُ الرَّدْمِ الَّذِي كَانَ يُرَى مِنْهُ الْبَيْتُ قَبْلَ وُجُودِ الْأَبْنِيَةِ الْحَائِلَةِ فَيُطْلَبُ فِيهِ الدُّعَاءُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ كَانَ مَحَلُّ الرُّؤْيَةِ وَدُعَاءُ الْأَخْيَارِ فِيهِ وَالتَّشْرِيفُ الْعُلُوُّ وَالتَّعْظِيمُ التَّبْجِيلُ، وَالتَّكْرِيمُ التَّفْضِيلُ وَالْمَهَابَةُ التَّوْقِيرُ وَالْبِرُّ الْإِحْسَانُ الْوَاسِعُ، وَقُدِّمَ التَّعْظِيمُ عَلَى التَّكْرِيمِ فِي الدُّعَاءِ لِلْبَيْتِ. وَعَكْسُهُ فِي الدُّعَاءِ لِزَائِرِهِ لِأَنَّ فَضْلَ الْبَيْتِ مَعْلُومٌ فَلْيُرَاجَعْ ابْنُ حَجَرٍ هُنَا.

قَوْلُهُ: (وَبِنَاءُ الْبَيْتِ إلَخْ) تَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَمَنْ بَنَاهُ. قَوْلُهُ: (يُرَى قَبْلَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ) أَيْ فِيمَا كَانَ

ــ

[حاشية عميرة]

طِوًى عَلَمًا أَمَّا إذَا جُعِلَ صِفَةً وَجُعِلَ مَعَ الْمُضَافِ وَهُوَ ذُو اسْمًا كَانَ بِالصَّرْفِ لَا غَيْرُ. قَوْلُهُ: (أَيْ الْكَعْبَةَ) بَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ قَبْلَ خَلْقِ آدَمَ بِأَلْفَيْ عَامٍ، وَحَجُّوا لَهَا. ثُمَّ بَنَاهُ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. ثُمَّ بَنَتْهُ قُرَيْشٌ ثُمَّ بَنَاهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى الْقَوَاعِدِ، ثُمَّ بَنَاهُ الْحَجَّاجُ بِأَمْرِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَاَلَّذِي بَنَاهُ مِنْهُ حَائِطُ الْحِجْرِ وَهَدَمَ مِنْ بِنَاءِ ابْنِ الزُّبَيْرِ مِنْ نَاحِيَةِ الْحِجْرِ سِتَّةَ أَذْرُعٍ وَشِبْرًا، وَأَبْقَاهُ عَلَى الِارْتِفَاعِ الَّذِي صَنَعَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا، وَكَانَ فِي بِنَاءِ قُرَيْشٍ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَهِيَ عِنْدَنَا أَفْضَلُ مِنْ الْمَدِينَةِ، وَجَعَلَ ابْنُ حَزْمٍ ذَلِكَ التَّفْضِيلَ ثَابِتًا لِلْحَرَمِ وَعَرَفَاتٍ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْحِلِّ. قَالَ بَعْضُهُمْ: بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ وَزَمْزَمَ قُبُورُ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ نَبِيًّا، مِنْهُمْ هُودٌ وَصَالِحٌ وَشُعَيْبٌ وَإِسْمَاعِيلُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. قَوْلُهُ: (بَعْدَ رَفْعِ يَدَيْهِ) أَيْ وَهُوَ وَاقِفٌ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (تَشْرِيفًا) أَيْ رِفْعَةً وَعُلُوًّا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَتَكْرِيمًا) أَيْ تَفْضِيلًا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (مَهَابَةً) أَيْ إجْلَالًا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَبِرًّا) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ هُوَ الِاتِّسَاعُ بِالسَّلَامِ، فَقَدْ سَلِمَ فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِسَلَامٍ أَيْ سَلِّمْنَا بِتَحِيَّتِك إيَّانَا مِنْ جَمِيعِ الْآفَاتِ. قَوْلُهُ: (وَبِنَاءُ الْبَيْتِ إلَخْ) تَوْطِئَةٌ لِقَوْلِ الْمَتْنِ يَدْخُلُ. قَوْلُهُ: (قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ) فِيهِ أَنَّ الَّذِي كَانَ عَلَى طَرِيقِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَابُ إبْرَاهِيمَ اهـ. قِيلَ الْمَعْنَى فِيهِ مُوَاجَهَةُ الْجِهَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>