فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَطَاءٍ وَلَمْ يُصَرِّحَا بِالْحَجِّ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ وَلَا بِغَيْرِهِ.
وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ (وَيَبْدَأَ بِطَوَافِ الْقُدُومِ) رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ» . وَأَوْرَدَهُ الرَّافِعِيُّ حَجَّ فَأَوَّلُ شَيْءٍ إلَخْ وَلَوْ دَخَلَ وَالنَّاسُ فِي مَكْتُوبَةٍ صَلَّاهَا مَعَهُمْ أَوَّلًا.
وَلَوْ أُقِيمَتْ الْجَمَاعَةُ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ قَدَّمَ الصَّلَاةَ. وَكَذَا لَوْ خَافَ فَوْتَ فَرِيضَةٍ أَوْ سُنَّةٍ مُؤَكَّدَةٍ وَلَوْ قَدِمَتْ الْمَرْأَةُ نَهَارًا وَهِيَ جَمِيلَةٌ أَوْ شَرِيفَةٌ لَا تَبْرُزُ لِلرِّجَالِ أَخَّرَتْ الطَّوَافَ إلَى اللَّيْلِ وَهُوَ تَحِيَّةُ الْبُقْعَةِ أَيْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. قَالَ وَفِي فَوَاتِهِ بِالتَّأْخِيرِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَيُؤَخَّرُ عَنْهُ اكْتِرَاءُ مَنْزِلِهِ وَتَغْيِيرُ ثِيَابِهِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ تُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ. وَأَنْ يَقْصِدَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ كُلَّمَا فَرَغَ مِنْ الدُّعَاءِ. (وَيَخْتَصُّ طَوَافُ الْقُدُومِ) فِي الْمُحْرِمِ (بِحَاجٍّ دَخَلَ مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ) فَلَا يُطْلَبُ مِنْ الدَّاخِلِ بَعْدَهُ وَلَا مِنْ الْمُعْتَمِرِ لِدُخُولِ وَقْتِ طَوَافِ الْفَرْضِ عَلَيْهِمَا أَمَّا الْحَلَالُ فَيُسْتَحَبُّ طَوَافُ الْقُدُومِ لَهُ أَيْضًا (وَمَنْ قَصْد مَكَّةَ لَا لِنُسُكٍ) كَأَنْ دَخَلَهَا لِتِجَارَةٍ أَوْ رِسَالَةٍ أَوْ زِيَارَةٍ (اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ) كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِدَاخِلِهِ (وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ) لِإِطْبَاقِ النَّاسِ عَلَيْهِ وَالسُّنَنُ يَنْدُرُ فِيهَا الِاتِّفَاقُ الْعَمَلِيُّ (إلَّا أَنْ يَتَكَرَّرَ دُخُولُهُ كَحَطَّابٍ وَصَيَّادٍ) فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ جَزْمًا لِلْمَشَقَّةِ بِالتَّكَرُّرِ لِلْوُجُوبِ فِي غَيْرِهِ شُرُوطٌ أَنْ يَجِيءَ مِنْ خَارِجِ الْحَرَمِ فَأَهْلُهُ لَا إحْرَامَ عَلَيْهِمْ قَطْعًا، وَأَنْ لَا يَدْخُلَهَا لِقِتَالٍ وَلَا خَائِفًا فَإِنْ دَخَلَهَا لِقِتَالِ بَاغٍ أَوْ قَاطِعِ
ــ
[حاشية قليوبي]
كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَدْخُلُ) وَلَوْ حَلَالًا كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ) وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الْآنَ بِبَابِ السَّلَامِ وَهُوَ ثَلَاثُ طَاقَاتٍ فِي قُبَالَةِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَبَابِ الْكَعْبَةِ، وَهُوَ أَشْرَفُ جِهَاتِ الْبَيْتِ كَمَا مَرَّ. وَأَنْ يَخْرُجَ إلَى بَلَدِهِ مِنْ بَابِ بَنِي سَهْمٍ الْمَعْرُوفِ الْآنَ بِبَابِ الْعُمْرَةِ وَهُوَ طَاقَةٌ وَاحِدَةٌ. قَوْلُهُ: (بِطَوَافِ الْقُدُومِ) وَيُسَمَّى طَوَافَ الْقَادِمِ وَطَوَافَ الصَّدْرِ وَطَوَافَ الصَّادِرِ وَطَوَافَ الْوُرُودِ وَطَوَافَ الْوَارِدِ وَطَوَافَ التَّحِيَّةِ. قَوْلُهُ: (أَخَّرَتْ الطَّوَافَ) مَا لَمْ تَخَفْ نَحْوَ طُرُوُّ حَيْضٍ. وَيُقَدِّمُ عَلَى الطَّوَافِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا صَلَاةً أُقِيمَتْ أَوْ خِيفَ فَوْتُهَا وَلَوْ نَفْلًا وَلَوْ تَذَكَّرَ فِيهِ فَائِتَةً قَطَعَهُ وَفَعَلَهَا وَإِنْ فَاتَتْ بِعُذْرٍ، بَلْ يَجِبُ إنْ فَاتَتْ بِغَيْرِ عُذْرٍ. قَوْلُهُ: (أَيْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ تَحِيَّةُ الْبَيْتِ وَأَنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ الرَّكْعَتَانِ بَعْدَهُ، أَيْ أَنَّهَا تَنْدَرِجُ فِيهَا أَوْ فِي غَيْرِهِمَا مِنْ صَلَاةٍ يَفْعَلُهَا وَلَا تَفُوتُ إحْدَى التَّحِيَّتَيْنِ بِالْأُخْرَى. قَوْلُهُ: (وَجْهَانِ) أَصَحُّهُمَا لَا تَفُوتُ إلَّا بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ بِشَرْطِ الْآتِي وَإِذَا فَاتَ فَلَا يَقْضِي. قَوْلُهُ: (لِدُخُولِ وَقْتِ إلَخْ) يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ مَكَّةَ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَقَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَنَّهُ يَطُوفُ لِلْقُدُومِ. وَبِهِ قَالَ شَيْخُنَا. وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: إنَّ هَذَا الطَّوَافَ لِهَذَا الْقُدُومِ لَا لِلْأَوَّلِ رَدَّ الْعَلَّامَةُ ابْنُ قَاسِمٍ بِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَفُتْ، فَلَا يَصِحُّ كَوْنُهُ لِلثَّانِي دُونَهُ انْتَهَى. وَالْوَجْهُ كَلَامُ ابْنِ حَجَرٍ إنْ كَانَ طَافَ لِلْقُدُومِ الْأَوَّلِ، بَلْ لَا يَبْعُدُ كَوْنُ هَذَا الطَّوَافِ وَاقِعًا عَنْهُمَا مَعًا فَرَاجِعْهُ وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَيَخْتَصُّ إلَخْ أَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ لَيْسَ مَطْلُوبًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ.
وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ مَطْلُوبٌ أَيْضًا لَكِنَّهُ يَدْخُلُ فِي طَوَافِ الْفَرْضِ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ. وَبِهِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَفِي عِبَارَةِ الرَّافِعِيِّ مَا يُوَافِقُ ذَلِكَ أَيْضًا، وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ لِلْجَلَالِ قَرِيبًا عِنْدَ ذِكْرِ الرَّمَلِ فِي الْمُعْتَمِرِ.
وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ الْمُنْصَرِفُ إلَيْهِ الِاسْمُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ لَا يُنَافِي طَلَبَهُ وَتَسْمِيَتَهُ بِذَلِكَ فِي مُطْلَقِ الْقُدُومِ، وَعَلَى هَذَا فَالْفَرْقُ بِأَنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ مُمْكِنَةٌ اسْتِقْلَالًا لَيْسَ فِيهِ مُنَافَاةٌ لِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (اُسْتُحِبَّ لَهُ) أَيْ وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا كَآبِقٍ. قَوْلُهُ: (بِحَجٍّ) أَيْ إنْ كَانَ فِي أَشْهُرِهِ أَوْ بِعُمْرَةٍ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (فَلَا يَجِبُ) أَيْ فَالِاسْتِثْنَاءُ
[حاشية عميرة]
الَّتِي فِيهَا بَابُ الْكَعْبَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة: ١٨٩] قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ، وَهِيَ أَشْرَفُ جِهَاتِ الْبَيْتِ زَادَهُ اللَّهُ شَرَفًا.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيَبْدَأُ بِطَوَافِ الْقُدُومِ) هُوَ تَحِيَّةُ الْبَيْتِ وَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ تُطْلَبُ أَيْضًا هُنَا وَتَحْصُلُ بِرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ. كَذَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ هُنَا نَقْلًا عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ، وَسَيَأْتِي عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَا يُخَالِفُهُ، وَفِي السُّبْكِيّ إنْ دَخَلَ، وَمُنِعَ مِنْ الطَّوَافِ صَلَّى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ تُسْتَفَادُ إلَخْ) أَيْ بِخِلَافِ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ ثُمَّ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ إلَخْ فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُطْلَبُ مِنْ الدَّاخِلِ إلَخْ) لَوْ وَقَفَ ثُمَّ دَخَلَ قَبْلَ وَقْتِ طَوَافِ الرُّكْنِ وَطَافَ وَقَعَ عَنْ الْقُدُومِ فِيهَا يَظْهَرُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ دَخَلَهَا لِقِتَالٍ إلَخْ) اسْتَدَلَّ الرَّافِعِيُّ لِذَلِكَ بِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ غَيْرَ مُحْرِمٍ» ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، وَدُفِعَ بِأَنَّ أَصْحَابَهُ أَيْضًا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ دَخَلُوا بِغَيْرِ إحْرَامٍ، فَإِنْ قُلْت قَدْ فُتِحَتْ صُلْحًا مَعَ أَبِي سُفْيَانَ فَكَيْفَ يُقَالُ دَخَلَهَا لِقِتَالٍ قُلْنَا كَانَ غَيْرَ وَاثِقٍ بِصُلْحِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute