للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَصَدْرُهُ مِنْ عَرَفَةَ وَآخِرُهُ مِنْ عَرَفَةَ وَيُمَيِّزُ بَيْنَهُمَا صَخَرَاتٌ كِبَارٌ فُرِشَتْ هُنَاكَ. قَالَ الْبَغَوِيّ: وَصَدْرُهُ مَحَلُّ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ.

(وَيَقِفُوا) أَيْ الْإِمَامُ أَوْ مَنْصُوبُهُ وَالنَّاسُ بَعْدَ الصَّلَاتَيْنِ (بِعَرَفَةَ إلَى الْغُرُوبِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَبَيْنَ هَذَا الْمَسْجِدِ مَوْقِفُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّخَرَاتِ نَحْوُ مِيلٍ (وَيَذْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى وَيَدْعُوهُ وَيُكْثِرُوا التَّهْلِيلَ) رَوَى التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْت: أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» وَزَادَ الْبَيْهَقِيُّ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا. وَفِي سَمْعِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا، اللَّهُمَّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي» (فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ قَصَدُوا مُزْدَلِفَةَ وَأَخَّرُوا الْمَغْرِبَ لِيُصَلُّوهَا مَعَ الْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ جَمْعًا) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ

ــ

[حاشية قليوبي]

قَالَ إنَّهُ شَخْصٌ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ سُمِّيَ بِذَلِكَ وَهُوَ الَّذِي نُسِبَ إلَيْهِ بَابُ إبْرَاهِيمَ بِالْمَسْجِدِ فَقَدَّسَهَا، وَإِنْ تَبِعَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْفَضْلِ.

قَوْلُهُ: (عُرَنَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَفَتْحِ النُّونِ وَلَيْسَتْ نَمِرَةَ وَلَا عُرَنَةَ مِنْ عَرَفَاتٍ وَلَا مِنْ الْحَرَمِ. قَوْلُهُ: (وَيَقِفُوا) عَطْفٌ عَلَى يَخْطُبُ فَهُوَ مَنْدُوبٌ وَسَيَأْتِي الْوَاجِبُ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (بِعَرَفَةَ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ تَعَارَفَا فِيهَا بَعْدَ نُزُولِهِمَا مِنْ الْجَنَّةِ مُتَفَرِّقِينَ آدَم بِجَبَلِ سَرَنْدِيبَ وَحَوَّاءُ بِعَرَفَةَ. وَقِيلَ: لِأَنَّ جِبْرِيلَ عَرَّفَ إبْرَاهِيمَ الْمَنَاسِكَ فِيهَا. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. وَلَهَا حُدُودٌ أَرْبَعَةٌ أَحَدُهَا يَنْتَهِي إلَى جَادَّةِ طَرِيقِ الشَّرْقِ وَالثَّانِي إلَى حَافَّاتِ الْجَبَلِ الَّذِي وَرَاءَهَا، وَالثَّالِثُ إلَى الْبَسَاتِينِ الَّتِي عِنْدَ الْقَرْيَةِ الَّتِي تُرَى مِنْ عَرَفَاتٍ، وَالرَّابِعُ إلَى وَادِي عُرَيْنَةَ بِالنُّونِ وَجَبَلِ الرَّحْمَةِ فِي وَسَطِهَا وَعَلَامَتُهَا مِنْ جِهَةِ مَكَّةَ الْعَلَمَانِ الْمَشْهُورَانِ. وَمَا يَزْعُمُهُ الْعَوَامُّ فِيهِمَا مِنْ نُزُولِ حَوَّاءَ عَلَيْهِمَا، وَمِنْ فَضِيلَةِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ مِنْ بَيْنَهُمَا فَمِنْ خُرَافَاتِهِمْ وَمَسَافَتُهَا مِنْ بَابِ السَّلَامِ ثَلَاثُمِائَةِ أَلْفِ ذِرَاعٍ وَأَرْبَعُونَ أَلْفِ ذِرَاعٍ وَاثْنَانِ وَثَمَانُونَ ذِرَاعًا بِذِرَاعِ الْيَدِ. قَوْلُهُ: (إلَى الْغُرُوبِ) أَيْ عَقِبَهُ بِزَوَالِ الصُّفْرَةِ.

قَوْلُهُ: (وَمَوْقِفُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) الْمَشْهُورُ بِمَوْقِفِ الْمَحَامِلِ أَفْضَلُ مَحَلٍّ بِهَا لِلدُّعَاءِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ أَسْفَلُ جَبَلِ الرَّحْمَةِ الَّذِي بِوَسَطِ عَرَفَاتٍ. وَلَيْسَ لِلْوُقُوفِ عَلَى هَذَا الْجَبَلِ فَضِيلَةٌ، بَلْ قِيلَ بِكَرَاهَتِهِ كَبَقِيَّةِ جِبَالِ عَرَفَةَ. وَهَذَا لِلرِّجَالِ وَبَعْدَهُمْ الصَّبِيَّانِ، وَبَعْدَهُمْ الْخَنَاثَى وَبَعْدَهُمْ النِّسَاءُ إلَى حَاشِيَةِ عَرَفَةَ كَمَا فِي الصَّلَاةِ، وَالْأَفْضَلُ الْوُقُوفُ رَاكِبًا لِأَنَّهُ أَعْوَنُ. قَوْلُهُ: (وَيَدْعُوهُ) أَيْ اللَّهَ تَعَالَى وَمِنْ مَأْثُورِ الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ كَاَلَّذِي نَقُولُ وَخَيْرًا مِمَّا نَقُولُ. وَيُنْدَبُ أَنْ يُكَرِّرَ كُلَّ ذِكْرٍ وَدُعَاءٍ ثَلَاثًا وَأَنْ يَفْتَتِحَهُ وَيَخْتَتِمَهُ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّهْلِيلِ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْ يُكْثِرَ مِنْ التَّلْبِيَةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ خُصُوصًا سُورَةَ الْحَشْرِ لِأَثَرٍ وَرَدَ فِيهَا، وَأَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ وَلَا يُجَاوِزُ بِهِمَا رَأْسَهُ وَأَنْ لَا يُفْرِطَ فِي الْجَهْرِ بِالدُّعَاءِ وَغَيْرِهِ وَأَنْ لَا يَسْتَظِلَّ بَلْ يَبْرُزُ لِلشَّمْسِ إلَّا لِعُذْرٍ وَأَنْ يَكُونَ فِي جِهَةِ ذَلِكَ مُسْتَقِلًّا مُتَطَهِّرًا مَسْتُورًا رَاكِبًا خَاشِعًا بَاكِيًا أَوْ مُتَبَاكِيًا، وَأَنْ يَحْذَرَ الْمُشَاتَمَةَ وَالْمُخَاصَمَةَ وَانْتِهَارَ السَّائِلِ وَاحْتِقَارَ أَحَدٍ وَكَثْرَةَ الْكَلَامِ.

فَرْعٌ: قَالَ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ: وَلَا بَأْسَ بِالتَّعْرِيفِ بِغَيْرِ عَرَفَةَ إنْ خَلَا عَنْ نَحْوِ اخْتِلَاطِ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ. قَوْلُهُ: (قَصَدُوا) أَيْ مِنْ طَرِيقِ

ــ

[حاشية عميرة]

- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَالْمُرَادُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا، فَقَدْ ذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَقْصُرُونَ. قَوْلُهُ: (وَيَقْصُرُهُمَا أَيْضًا الْمُسَافِرُونَ) وَلَا يَضُرُّ فِي ذَلِكَ وَإِنَّ الْخَارِجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى وَطَنِهِ عَازِمًا عَلَى الْعَوْدِ إلَيْهَا لِلطَّوَافِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا بِهَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَالْمُسْتَوْطِنُ بِهَا إذَا خَرَجَ قَاصِدًا السَّفَرَ إلَى مِصْرَ مَثَلًا يُعْتَبَرُ فِيهِ عَدَمُ الْعَوْدِ كَمَا لَا يَخْفَى، لِأَنَّهَا وَطَنُهُ وَنِيَّةُ الْعَوْدِ إلَيْهِ دَوَامًا قَاطِعَةٌ. فَكَيْفَ بِهَا ابْتِدَاءً هَكَذَا ظَهَرَ لِي، وَلَمْ أَرَهُ مَسْطُورًا وَقَدْ حَدَثَ الْآنَ إقَامَتُهُمْ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْمَنَاسِكِ أَيَّامًا، وَذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ قَصْرِ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ أَيْضًا فَلْيُتَأَمَّلْ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيَقِفُوا) مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى يَخْطُبُ فَاقْتَضَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ مَعَ أَنَّهُ رُكْنٌ، وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ إلَى الْغُرُوبِ سَهَّلَ ذَلِكَ. نَعَمْ قَضِيَّةُ الْعَطْفِ إفْرَادُ الضَّمِيرِ، وَلَكِنَّ جَمْعَهُ بِالنَّظَرِ إلَى مَا قَالَهُ الشَّارِحُ.

تَنْبِيهٌ: أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ الْغُسْلَ لِهَذَا الْمَوْقِفِ وَلِلْمَشْعَرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، لِكَوْنِهِ ذَكَرَهُ فِيمَا سَبَقَ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيَدْعُوهُ) مِنْ مُسْتَحْسَنِ الدُّعَاءِ فِيهِ مَا ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ: اللَّهُمَّ إنَّك تَسْمَعُ كَلَامِي وَتَرَى مَكَانِي وَتَعْلَمُ سِرِّي وَعَلَانِيَتِي وَلَا يَخْفَى عَلَيْك شَيْءٌ مِنْ أَمْرِي، أَسْأَلُك مَسْأَلَةَ الْمِسْكِينِ، وَأَبْتَهِلُ إلَيْك ابْتِهَالَ الذَّلِيلِ، وَأَدْعُوك دُعَاءَ الْخَائِفِ الضَّرِيرِ، دُعَاءَ مَنْ خَضَعَتْ لَك رَقَبَتُهُ، وَفَاضَتْ عَبْرَتُهُ وَذَلَّ لَك جَسَدُهُ، وَرَغِمَ لَك أَنْفُهُ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي بِدُعَائِك شَقِيًّا وَكُنْ بِي رَءُوفًا رَحِيمًا، يَا خَيْرَ الْمَسْئُولِينَ وَيَا خَيْرَ الْمُعْطِينَ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَأَخَّرُوا الْمَغْرِبَ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: نَقْلًا عَنْ الْإِمْلَاءِ: إنَّ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ قَصَدَ الْمَصِيرَ إلَيْهَا حَالًّا وَإِلَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>