حُرِّمَ عَلَيْهِ الِاصْطِيَادُ الْمَذْكُورُ مِنْ مُحْرِمٍ أَوْ لِحَلَالٍ كَمَا تَقَدَّمَ (صَيْدًا) مِمَّا ذُكِرَ مَمْلُوكًا أَوْ غَيْرَ مَمْلُوكٍ (ضَمِنَهُ) بِمَا سَيَأْتِي قَالَ تَعَالَى: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: ٩٥] الْآيَةَ وَقِيسَ عَلَى الْمُحْرِمِ الْحَلَالُ الْمَذْكُورُ بِجَامِعِ حُرْمَةِ الِاصْطِيَادِ
وَلَوْ تَسَبَّبَ فِي تَلَفِ الصَّيْدِ كَأَنْ أَرْسَلَ كَلْبًا فَأَتْلَفَهُ، أَوْ نَصَبَ الْحَلَالُ شَبَكَةً فِي الْحَرَمِ أَوْ نَصَبَهَا الْمُحْرِمُ حَيْثُ كَانَ فَتَعَلَّقَ بِهَا صَيْدٌ وَهَلَكَ ضَمِنَهُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ، وَلَوْ تَلِفَ فِي يَدِ الْمُحْرِمِ صَيْدٌ ضَمِنَهُ كَالْغَاصِبِ لِحُرْمَةِ إمْسَاكِهِ وَكَذَا لَوْ تَلِفَ فِي يَدِ الْحَلَالِ صَيْدٌ مِنْ الْحَرَمِ يَضْمَنُهُ لِمَا ذُكِرَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَدْخَلَ مَعَهُ إلَى الْحَرَمِ صَيْدًا مَمْلُوكًا لَهُ فَلَهُ إمْسَاكُهُ فِيهِ وَذَبْحُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ لِأَنَّهُ صَيْدُ حِلٍّ وَلَوْ أَحْرَمَ مَنْ فِي مِلْكِهِ صَيْدٌ بِيَدِهِ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ وَلَزِمَهُ إرْسَالُهُ وَإِنْ تَحَلَّلَ، وَلَا يَمْلِكُ مُحْرِمٌ صَيْدَهُ وَيَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ وَمَا أَخَذَهُ مِنْ الصَّيْدِ بِشِرَاءٍ لَا يَمْلِكُهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ شِرَائِهِ وَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ وَيُقَاسُ بِالْمُحْرِمِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْحَلَالُ فِي الْحَرَمِ، ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي الضَّمَانِ بِالْإِتْلَافِ وَغَيْرِهِ بَيْنَ الْعَامِدِ وَالْخَاطِئِ، وَالنَّاسِي لِلْإِحْرَامِ، وَفِي الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ وَالْجَاهِلُ بِالتَّحْرِيمِ كَمَا فِي الضَّمَانَاتِ الْوَاجِبَةِ
ــ
[حاشية قليوبي]
ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا وَاحْتَمَلَ مَوْتَهُ بِغَيْرِ الْجَرْحِ ضَمِنَ الْأَرْشَ فَقَطْ، وَخَرَجَ بِالْإِتْلَافِ الْإِعَانَةُ وَلَوْ عَلَى ذَبْحِهِ وَالدَّلَالَةِ عَلَيْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. قَوْله: (مَنْ حَرُمَ) هُوَ فَاعِلُ أَتْلَفَ سَوَاءٌ انْفَرَدَ أَوْ تَعَدَّدَ بِضَرَبَاتٍ أَوْ جِرَاحَاتٍ وَلَا يَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ بَلْ يُوَزَّعُ عَلَى الرُّءُوسِ، فَلَوْ شَارَكَ حَلَالٌ مُحْرِمًا فِي صَيْدِ الْحِلِّ ضَمِنَ الْمُحْرِمُ نِصْفَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْحَلَالِ. قَوْلُهُ: (مَمْلُوكًا) وَعَلَيْهِ مَعَ الْجَزَاءِ قِيمَتُهُ لِمَالِكِهِ، وَقَدْ أَلْغَزَ ابْنُ الْوَرْدِيِّ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ نَظْمًا:
عِنْدِي سُؤَالٌ حَسَنٌ مُسْتَظْرَفٌ ... فَرْعٌ عَلَى أَصْلَيْنِ قَدْ تَفَرَّعَا
قَابِضُ شَيْءٍ بِرِضَا مَالِكِهِ ... وَيَضْمَنُ الْقِيمَةَ وَالْمِثْلَ مَعًا
قَوْلُهُ: (ضَمِنَهُ) أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا وَلَوْ بِنَحْوِ نَتْفِ رِيشَةٍ مِنْ جَنَاحِهِ فَيُفْدَى نَقْصُ مَالِهِ مَثَّلَ بِجُزْءٍ مِنْ مِثْلِهِ بِحَسَبِ الْقِيمَةِ، فَإِنْ قَتَلَهُ قَبْلَ بُرْئِهِ فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ كَامِلٌ أَوْ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ مِثْلٌ نَاقِصٌ، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ مُطْلَقًا وَلَوْ لَمْ يَبْقَ، فِيهِ نَقْصٌ بَعْدَ الْبُرْءِ فَرَضَ الْقَاضِي لَهُ أَرْشًا بِاجْتِهَادِهِ كَمَا فِي الْحُكُومَةِ.
قَوْلُهُ: (وَقِيسَ عَلَى الْمُحْرِمِ الْحَلَالُ) أَيْ فِي الضَّمَانِ بِالْإِتْلَافِ الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَسَبَّبَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْإِتْلَافَ كَمَا فِي كَلَامِهِ لَيْسَ قَيْدًا وَمِثْلُ إرْسَالِ الْكَلْبِ حَلُّ رِبَاطِهِ وَلَوْ غَيْرَ مُعَلَّمٍ عَلَى الْأَرْجَحِ، وَمِنْ السَّبَبِ مَا لَوْ نَفَرَهُ فَتَعَثَّرَ بِنَحْوِ شَجَرَةٍ أَوْ جِدَارٍ أَوْ أَكَلَهُ نَحْوُ سَبْعٍ أَوْ مَاتَ قَبْلَ سُكُونِهِ أَوْ أَمْسَكَهُ لِمَنْ قَتَلَهُ أَوْ حَبَسَ أُمَّهُ عَنْهُ وَهُوَ رَضِيعٌ فَمَاتَ. وَنَحْوُ ذَلِكَ كَزَلْقِهِ بِبَوْلِ مَرْكُوبِهِ. قَوْلُهُ: (نَصَبَ الْحَلَالُ شَبَكَةً) وَلَوْ فِي مِلْكِهِ لَكِنْ بِقَصْدِ الِاصْطِيَادِ. قَوْلُهُ: (فِي الْحَرَمِ) لَا فِي الْحِلِّ وَإِنْ أَحْرَمَ بَعْدَهَا وَحَفَرَ الْبِئْرَ تَعَدِّيًا كَنَصْبِ الشَّبَكَةِ. قَوْلُهُ: (ضَمِنَهُ النَّاصِبُ) وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَ تَحَلُّلِ الْمُحْرِمِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَلِفَ) أَشَارَ إلَى أَنَّ التَّلَفَ كَالْإِتْلَافِ الَّذِي فِي كَلَامِهِ. قَوْلُهُ: (بِيَدِهِ) لَيْسَ قَيْدًا فِي زَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ وَعَنْ أَجْزَائِهِ وَبَيَّنَهُ وَفَرَقَهُ وَاحْتَرَزَ بِهِ فِي الْأَوْسَالِ عَنْ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَزِمَهُ إرْسَالُهُ) بِنَفْسِهِ أَوْ وَلِيِّهِ وَلَوْ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ وَمَا تَلِفَ مِنْهُ مَضْمُونٌ وَلَوْ عَلَى الْوَلِيِّ بِقِيمَتِهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ وَلَوْ قَبْلَ إرْسَالِهِ مَلَكَهُ. نَعَمْ لَوْ وَرِثَ صَيْدًا حَالَ إحْرَامِهِ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ إلَّا بِإِرْسَالِهِ، وَيَصِحُّ بَيْعُهُ لَهُ وَلَا يَبْرَأُ مِنْ الْجَزَاءِ إذَا تَلِفَ وَلَوْ عَنَّهُ الْمُشْتَرِي. قَوْلُهُ: (بِشِرَاءٍ) أَوْ هِبَةٍ مِنْ حَلَالٍ أَوْ مُحْرِمٍ فِيهِمَا. قَوْلُهُ: (وَيَلْزَمُ رَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ) أَيْ إلَى مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُ نَعَمْ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ لِمُحْرِمٍ بَلْ يُرْسِلُهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ فِي غَيْرِ الْهِبَةِ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ رَدَّهُ إلَيْهِ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ حَتَّى يُرْسِلَهُ الْمُحْرِمُ قَوْلُهُ: (وَيُقَاسُ) أَيْ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرَ فِي الْحَلَالِ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ.
[حاشية عميرة]
الْمُبَاشَرَةُ، الثَّانِيَةُ التَّسَبُّبُ، وَمِنْهُ أَنْ يُنَفِّرَ صَيْدًا فَيَمُوتَ بِعَثْرَةٍ أَوْ يَأْخُذَهُ سَبْعٌ أَوْ يَنْصَدِمَ بِشَجَرَةٍ أَوْ حَبْلٍ وَيَكُونَ فِي عُهْدَةِ الْمُنَفِّرِ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى عَادَتِهِ فِي الْكَوْنِ، الثَّالِثَةُ الْيَدُ بِوَدِيعَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَعِبَارَةُ الْمَتْنِ لَا تُفِيدُ الثَّالِثَةَ. قَوْلُهُ: (مَمْلُوكًا) لَوْ أَتْلَفَهُ مُحْرِمٌ ضَمِنَهُ بِالْجَزَاءِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَبِالْقِيمَةِ لِمَالِكِهِ. قَوْلُهُ: (بِمَا سَيَأْتِي) قَالَ السُّبْكِيُّ: الْحَلَالُ إذَا أَتْلَفَ فِي الْحَرَمِ صَيْدًا مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ ضَمِنَهُ بِالْقِيمَةِ لِمَالِكِهِ وَلَا جَزَاءَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَيُقَاسُ إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ الْحَلَالَ فِي الْحَرَمِ لَا يَجُوزُ لَهُ شِرَاءُ الصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ لِلْحَلَالِ، وَكَذَا قَوْلُ الشَّارِحِ السَّالِفُ وَيَحْرُمُ وَضْعُ الْيَدِ عَلَيْهِ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، لَكِنَّ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ التَّصْرِيحَ بِالْجَوَازِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ يَجُوزُ لِلْحَلَالِ أَنْ يَدْخُلَ بِالصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ الْحَرَمَ، وَيَتَصَدَّقَ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ، وَكَذَا صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ فِي شَرْحِ الدَّمِيرِيِّ، وَبَيَّنَ الْقَوْلَ فِيهَا بِأَنَّ الْحَلَالَ يَتَصَدَّقُ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، إذَا كَانَ الَّذِي يَتَصَدَّقُ مَعَهُ حَلَالًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَأَمَّا كَلَامُ الشَّارِحِ آخِرًا وَأَوَّلًا فَهُوَ قَابِلٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute