الْأَرَاكُ. «قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كُنْت أَجْتَنِي لِرَسُولِ اللَّهِ سِوَاكًا مِنْ أَرَاكٍ» . رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ (لَا أُصْبُعُهُ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى اسْتِيَاكًا، وَالثَّانِي يَكْفِي، وَاخْتَارَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ، وَيَكْفِي بِأُصْبُعِ غَيْرِهِ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ، وَنَبَّهَ فِيهَا عَلَى زِيَادَتِهِ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَلَى الْمُحَرَّرِ. (وَيُسَنُّ لِلصَّلَاةِ) لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتهمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» أَيْ أَمْرَ إيجَابٍ (وَتَغَيُّرِ الْفَمِ) بِنَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ» ، أَيْ يُدَلِّكُهُ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَرَوَى النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ حَدِيثَ «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ» بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا، أَيْ آلَةٌ تُنَظِّفُهُ مِنْ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ (وَلَا يُكْرَهُ إلَّا لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ) لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» . وَالْخُلُوفُ بِضَمِّ الْخَاءِ التَّغَيُّرُ وَالْمُرَادُ الْخُلُوفُ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ لِحَدِيثِ «أُعْطِيت أُمَّتِي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ خَمْسًا قَالَ: وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَإِنَّهُمْ يُمْسُونَ وَخُلُوفُ أَفْوَاهِهِمْ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيُّ فِي أَمَالِيهِ
ــ
[حاشية قليوبي]
فِيهَا بِأَنْ يَبْدَأَ مِنْ أَوَّلِ الْأَضْرَاسِ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ إلَى وَسَطِ الْأَسْنَانِ، ثُمَّ مِنْ الْأَيْسَرِ كَذَلِكَ وَأَقَلُّهُ مَرَّةً.
قَوْلُهُ: (كَرِهَ جَمَاعَاتٌ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْكَيْفِيَّةُ، إذْ هُوَ مَنْدُوبٌ فِي كُلِّ حَالٍ وَفِي كُلِّ وَقْتٍ وَيَحْصُلُ بِهِ السُّنَّةُ وَإِنْ حَرُمَ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ طُولًا) أَيْ فِي غَيْرِ اللِّسَانِ، فَيُسَنُّ فِيهِ طُولًا ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ. قَوْلُهُ: (بِكُلِّ خَشِنٍ) أَيْ طَاهِرٍ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ وَإِنْ كَانَ الْوَجْهُ الْوَجِيهُ مَعَهُ كَمَا مَرَّ، وَكَلَامُ الشَّارِحِ يُوَافِقُهُ. نَعَمْ يُغْتَفَرُ دَمُ لِثَتِهِ لِلْمَشَقَّةِ. قَوْلُهُ: (وَأَوْلَاهُ الْأَرَاكُ) ثُمَّ جَرِيدُ النَّخْلِ، ثُمَّ الزَّيْتُونُ، ثُمَّ ذُو رِيحٍ طَيِّبٍ، ثُمَّ مَا لَا رِيحَ لَهُ، وَرَطْبُ كُلِّ نَوْعٍ أَوْلَى مِنْ يَابِسِهِ، ثُمَّ الْمُنَدَّى بِالْمَاءِ، ثُمَّ بِنَحْوِ مَاءِ الْوَرْدِ، ثُمَّ بِالرِّيقِ، فَالْمُنَدَّى بِالرِّيقِ مِنْ الْأَرَاكِ أَوْلَى مِنْ رَطْبِ الْجَرِيدِ وَهَكَذَا، وَيُسَنُّ أَنْ يَبْلَعَ رِيقَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَيُكْرَهُ بِعُودِ الْمُرْسِينَ لِمَا قِيلَ إنَّهُ يُورَثُ الْجُذَامَ. قَوْلُهُ: (لَا أُصْبُعِهِ) .
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: الْمُتَّصِلَةُ فَيَكْفِي بِالْمُنْفَصِلَةِ وَبِأُصْبُعِ غَيْرِهِ مُطْلَقًا، وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا أَنَّ أُصْبُعَهُ لَا تَكْفِي مُطْلَقًا، وَأَنَّ أُصْبُعَ غَيْرِهِ تَكْفِي إنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً مِنْ حَيٍّ وَإِلَّا فَلَا، وَيَحْرُمُ بِالْمُنْفَصِلَةِ وَلَوْ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ إذْنِ صَاحِبِهَا لِانْقِطَاعِ حَقِّهِ مِنْهَا بِقَطْعِهَا وَكَالْأُصْبُعِ غَيْرُهَا كَالشَّعْرِ وَيُجْزِئُ بِجُزْءِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ مِنْ الْحَيَوَانِ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَمْ يَظْهَرْ لِي حِكْمَةُ تَخْصِيصِ الْأُصْبُعِ بِغَيْرِهِ مَعَ أَنَّهَا مِنْهُ أَبْلَغُ فِي الْمُرَادِ، وَكَوْنُهَا مِنْ أَجْزَائِهِ لَا يَظْهَرُ بِهِ الْمَنْعُ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ لِلصَّلَاةِ) أَيْ يَتَأَكَّدُ لَهَا وَلَوْ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ قُبَيْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا لَا بَعْدَهُ، وَقَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: يُطْلَبُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا إذَا لَمْ يُوجَدْ قَبْلَهَا بِفِعْلٍ خَفِيفٍ وَخَالَفَهُ الْخَطِيبُ.
(تَنْبِيهٌ) مَتَى كَانَ السِّوَاكُ مُسْتَقِلًّا نُدِبَ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ كَانَ فِي ضِمْنٍ مِنْ عِبَادَةٍ فَلَا، كَذَا قَالُوا، وَفِيهِ بَحْثٌ فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ: (وَتَغَيُّرِ الْفَمِ) أَيْ يَتَأَكَّدُ لَهُ وَلَوْ بِلَوْنٍ أَوْ رِيحٍ سَوَاءٌ بِنَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ كَأَكْلٍ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ تَغَيُّرٌ كُرِهَ لِلصَّائِمِ كَمَا يَأْتِي، وَيَتَأَكَّدُ طَلَبُهُ أَيْضًا لِقِرَاءَةِ وَذِكْرٍ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ فِيهِمَا، وَيُقَدِّمُهُ عَلَى التَّعَوُّذِ لِلْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَيَتَأَكَّدُ لِتَعَلُّمٍ أَوْ تَعْلِيمٍ أَوْ سَمَاعِ حَدِيثٍ أَوْ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ أَوْ آلَتِهِ، وَلِسُجُودِ تِلَاوَةٍ، وَلِقِرَاءَةٍ بَعْدَهُ، وَلِسُجُودِ شُكْرٍ، وَلِدُخُولِ مَسْجِدٍ أَوْ مَنْزِلٍ وَلَوْ مِلْكًا لِغَيْرِهِ أَوْ خَالِيًا. قَوْلُهُ: (آلَةٌ تُنَظِّفُهُ) فَمُطَهِّرٌ بِمَعْنَى مُزِيلٍ وَلَوْ لِغَيْرِ الرِّيحِ، وَاقْتِصَارُهُ عَلَيْهِ لَيْسَ قَيْدًا، وَتَفْسِيرُهُ بِذَلِكَ يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ نَجَسًا كَمَا.
قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَتَقَدَّمَ خِلَافُهُ عَنْ شَيْخِنَا. قَوْلُهُ: (وَلَا يُكْرَهُ) أَيْ الِاسْتِيَاكُ فَخَرَجَ مَا لَا يُسَمَّى بِهِ كَالْأُصْبُعِ الَّتِي لَا تُجْزِئُ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (إلَّا لِلصَّائِمِ) خَرَجَ الْمُمْسِكُ وَقِيلَ بِالْكَرَاهَةِ فِيهِ كَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ ارْتِكَابُ الْمُحَرَّمِ، وَرُدَّ بِأَنَّ سَبَبَ الْكَرَاهَةِ الْخُلُوفُ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِيهِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ الزَّوَالِ) وَلَوْ تَقْدِيرًا، وَلَوْ لِلصَّلَاةِ أَوْ الْوُضُوءِ أَوْ غَيْرِهِمَا إلَّا لِتَغَيُّرِ الْفَمِ بِغَيْرِ الْخُلُوفِ وَلَوْ مَعَهُ فَيُسَنُّ لَهُ، فَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ تَغَيُّرٌ كُرِهَ رُجُوعًا لِأَصْلِهِ فِيهِمَا.
قَوْلُهُ: (أَطْيَبُ) أَيْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْمُرَادُ كَثْرَةُ الثَّوَابِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَهُ تَعَالَى كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَبِذَلِكَ فُضِّلَ كَمِدَادِ الْعُلَمَاءِ عَلَى دَمِ الشَّهِيدِ الَّذِي هُوَ كَرِيحِ الْمِسْكِ. قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ إلَخْ) أَيْ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمَسَاءِ فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ مُبِينٌ لِلْإِطْلَاقِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى، فَتُحْمَلُ عَلَيْهَا، فَهُوَ مِنْ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ لَا مِنْ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ كَمَا ادَّعَاهُ بَعْضُهُمْ، إذْ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ تَقْيِيدُ أَحَادِيثِ الصَّلَاةِ وَالْوُضُوءِ وَنَحْوِهِمَا بِهِ أَيْضًا فَتَأَمَّلْ، وَتَقْيِيدُهُ بِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ فِيهِ مِنْ أَثَرِ الصَّوْمِ وَقَبْلَهُ مِنْ أَثَرِ الطَّعَامِ غَالِبًا، فَلَوْ لَمْ يُوجَدْ طَعَامٌ يُحَالُ عَلَيْهِ التَّغَيُّرُ كَالْمُوَاصِلِ وَالْمَجَامِعِ عَادَتْ الْكَرَاهَةُ بِالْفَجْرِ أَخْذًا بِالْحِكْمَةِ الْمَذْكُورَةِ.
قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَاعْتَمَدَهُ، وَفِيهِ بَحْثٌ مَعَ قَوْلِهِمْ غَالِبًا كَمَا مَرَّ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الثَّانِيَةُ إلَخْ)
ــ
[حاشية عميرة]
لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ) اُنْظُرْ هَلْ فِي مَعْنَاهُ الْمُمْسِكُ لِتَرْكِ النِّيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَالْمُرَادُ الْخُلُوفُ إلَخْ) لَك أَنْ تَسْتَشْكِلَ فِي هَذَا بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ ذِكْرِ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ بِحُكْمِهِ، وَهُوَ لَا يُخَصَّصُ إلَّا أَنْ يُقَالَ التَّخْصِيصُ وَاقِعٌ بِالْمَفْهُومِ، نَظِيرُهُ مَا قِيلَ فِي الْحَدِيثِ «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» مَعَ حَدِيثِ الْإِفْضَاءِ، ثُمَّ تَأَمَّلْ هَذَا الْحَدِيثَ مَعَ أَحَادِيثِ طَلَبِ السِّوَاكِ لِلصَّلَاةِ وَالْوُضُوءِ