وَقَالَ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ الصَّلَاحِ. وَالْمَسَاءُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَأَطْيَبِيَّةُ الْخُلُوفِ تَدُلُّ عَلَى طَلَبِ إبْقَائِهِ فَتُكْرَهُ إزَالَتُهُ
(وَالتَّسْمِيَةُ أَوَّلُهُ) لِمَا رَوَى النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «طَلَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضُوءًا فَلَمْ يَجِدْهُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مَاءٌ؟ فَأُتِيَ بِمَاءٍ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ الَّذِي فِيهِ الْمَاءُ ثُمَّ قَالَ: تَوَضَّئُوا بِسْمِ اللَّهِ فَرَأَيْت الْمَاءَ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، حَتَّى تَوَضَّئُوا وَكَانُوا نَحْوَ سَبْعِينَ» . وَالْوَضُوءُ بِفَتْحِ الْوَاوِ الْمَاءُ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ. وَقَوْلُهُ: " بِسْمِ اللَّهِ " أَيْ قَائِلِينَ ذَلِكَ. وَهُوَ الْمُرَادُ بِالتَّسْمِيَةِ وَأَكْمَلُهَا كَمَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ فَهُوَ أَقْطَعُ» مِنْ جُمْلَةِ رِوَايَاتِهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. أَقْطَعُ أَيْ قَلِيلُ الْبَرَكَةِ (فَإِنْ تَرَكَ) عَمْدًا أَوْ سَهْوًا (فَفِي أَثْنَائِهِ) يَأْتِي بِهَا تَدَارُكًا لَهَا وَلَا يَأْتِي بِهَا بَعْدَ فَرَاغِهِ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا، وَقَالَ فِيهِ: إذَا أَتَى بِهَا فِي أَثْنَائِهِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ عَلَى أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ. وَالْمُرَادُ بِأَوَّلِهِ غَسْلُ الْكَفَّيْنِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْوِيَ الْوُضُوءَ أَوَّلَهُ لِيُثَابَ عَلَى سُنَنِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ فَيَنْوِيَ وَيُسَمِّيَ
ــ
[حاشية قليوبي]
وَصَدْرُ الْحَدِيثِ «أَمَّا الْأُولَى فَإِنَّهُ إذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ نَظَرَ اللَّهُ إلَيْهِمْ وَمَنْ نَظَرَ اللَّهُ إلَيْهِ لَا يُعَذِّبُهُ أَبَدًا» وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، «وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَسْتَغْفِرُ لَهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَأَمَّا الرَّابِعَةُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ جَنَّتَهُ فَيَقُولُ لَهَا اسْتَعِدِّي وَتَزَيَّنِي لِعِبَادِي أَوْشَكَ أَنْ يَسْتَرِيحُوا مِنْ تَعَبِ الدُّنْيَا إلَى دَارِ كَرَامَتِي وَأَمَّا الْخَامِسَةُ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ آخِرُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُمْ جَمِيعًا فَقَالَ رَجُلٌ: أَهِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: لَا أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْعُمَّالَ يَعْمَلُونَ فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ أَعْمَالِهِمْ وُفُّوا أُجُورَهُمْ» .
قَوْلُهُ: (تَدُلُّ عَلَى طَلَبِ إبْقَائِهِ) أَيْ طَلَبًا مُؤَكَّدًا أَخْذًا مِنْ الْأَطْيَبِيَّةِ فَصَحَّ التَّفْرِيعُ بِقَوْلِهِ: فَتُكْرَهُ إزَالَتُهُ، وَتَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِالْغُرُوبِ وَلَوْ لِلْمُوَاصِلِ لِعَدَمِ الصَّوْمِ بَعْدَهُ. نَعَمْ إنْ أَزَالَهُ غَيْرُهُ نَهَارًا بِغَيْرِ إذْنِهِ حَرُمَ كَمَا فِي دَمِ الشَّهِيدِ، وَإِذَا مَاتَ بَطَلَ صَوْمُهُ، فَلَا تُكْرَهُ الْإِزَالَةُ، وَفَارَقَ حُرْمَةَ تَطَيُّبِ الْمُحْرِمِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِبَقَاءِ أَثَرِ الْإِحْرَامِ بَعْدَهُ، وَمِثْلُهُ دَمُ الشَّهِيدِ، وَإِنَّمَا لَمْ تُكْرَهْ الْمَضْمَضَةُ بَعْدَ الزَّوَالِ لِأَنَّهَا لَا تُزِيلُ الرِّيحَ بِخِلَافِ السِّوَاكِ.
(فُرُوعٌ) يُنْدَبُ أَنْ يَسْتَاكَ بِيَمِينِهِ لِبُعْدِهَا عَنْ مُبَاشَرَةِ الْقَذَرِ وَغَسْلُ السِّوَاكِ إنْ حَصَلَ فِيهِ قَذَرٌ وَوَضْعُهُ خَلْفَ أُذُنِهِ الْيُسْرَى وَإِلَّا فَعَلَى الْأَرْضِ مَنْصُوبًا بِالْأَمْرِ مَيًّا، وَغَسْلُهُ قَبْلَ وَضْعِهِ، وَأَنْ لَا يَسْتَاكَ بِطَرَفِهِ الْآخَرِ، وَوَضْعُهُ فَوْقَ إبْهَامِهِ وَخِنْصَرِهِ وَتَحْتَ بَقِيَّةِ الْأَصَابِعِ، وَكَوْنُهُ طُولَ شِبْرٍ، وَعَدَمُ امْتِصَاصِهِ، وَتَقَدَّمَتْ نِيَّتُهُ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ لَهُ فَوَائِدَ تَزِيدُ عَلَى السَّبْعِينَ مِنْهَا أَنَّهُ يُبَيِّضُ الْأَسْنَانَ، وَيُزِيلُ الْقَلَحَ عَنْهَا وَحَفْرَهَا، وَيُثَبِّتُهَا، وَيُزِيلُ بَلَّةَ اللِّثَةِ وَرَخَاوَتِهَا وَالرَّائِحَةَ الْكَرِيهَةَ وَيُحَمِّرُ اللَّوْنَ وَيَدْفَعُ فَسَادَهُ وَيُقِيمُ الصُّلْبَ وَيُصَلِّبُ اللَّحْمَ وَيُرْضِي الرَّبَّ وَيُزِيدُ ثَوَابَ الصَّلَاةِ وَيُذَكِّرُ الشَّهَادَةَ عِنْدَ الْمَوْتِ عَكْسَ الْحَشِيشَةِ، وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ فِيهَا مِائَةً وَعِشْرِينَ مَضَرَّةً دِينِيَّةً وَبَدَنِيَّةً تُرَاجَعْ مِنْ مَحَلِّهَا كَالْمَوَاهِبِ.
قَوْلُهُ: (وَالتَّسْمِيَةُ) وَيُنْدَبُ قَبْلَهَا الِاسْتِعَاذَةُ {رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ} [المؤمنون: ٩٧] وَأَنْ يَقُولَ بَعْدَهَا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ الْمَاءَ طَهُورًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَنِعْمَتِهِ. وَهِيَ سُنَّةُ عَيْنٍ لِلْمُنْفَرِدِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ، وَكِفَايَةٍ لِغَيْرِهِ كَمَا فِي الْجِمَاعِ. وَوُضُوءُ جَمَاعَةٍ مِنْ إنَاءٍ صَغِيرٍ عُرْفًا لَا شَيْءَ يُطَهِّرُهُ أَوْ قَنَاةٍ، وَيُكْرَهُ عَلَى الْمَكْرُوهِ وَالْحَرَامِ عِنْدَ الْعَلَّامَةِ الْبُرُلُّسِيِّ.
وَقَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: تَحْرُمُ عَلَى الْحَرَامِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَطَعَامٍ مَغْصُوبٍ وَإِنْ اخْتَلَطَ بِمِلْكِهِ وَوُضُوءٌ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ كَذَلِكَ، وَخَالَفَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ فِي نَحْوِ الْوُضُوءِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِيهِ لَا لِذَاتِهِ، وَبِهِ قَالَ الْعَبَّادِيُّ. قَوْلُهُ: (الَّذِي يَتَوَضَّأُ بِهِ) أَيْ الَّذِي يَصِحُّ مِنْهُ الْوُضُوءُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ لَا مَا أُعِدَّ لَهُ خَاصَّةً. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الْقَوْلُ الْمَذْكُورُ هُوَ الْمُرَادُ بِالتَّسْمِيَةِ، فَهُوَ مِنْ إطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ، وَحَمْلُهَا عَلَى الْأَقَلِّ لِأَجْلِ الدَّلِيلِ، وَزَادَ عَلَيْهِ الْأَكْمَلُ، وَيُمْكِنُ شُمُولُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَهُ.
قَوْلُهُ: (وَأَكْمَلُهَا أَفْضَلُ) وَلَوْ لِلْجُنُبِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (ذِي بَالٍ) أَيْ حَالٍ يَهْتَمُّ بِهِ شَرْعًا وَتَقَدَّمَ مُحْتَرِزُهُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَرَكَ) أَيْ الْمُتَوَضِّئُ فَهُوَ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّهُ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ وَضَمِيرُهُ لِلْإِتْيَانِ الْمَعْلُومِ يَرُدُّ قَوْلَ الشَّارِحِ يَأْتِي بِهَا وَلَمْ يَقُلْ يُؤْتَى بِهِ لِفَسَادِ الْمَعْنَى عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ: (فَفِي أَثْنَائِهِ) أَيْ الْوُضُوءِ وَمِثْلُهُ غَيْرُهُ إلَّا نَحْوَ الْجِمَاعِ مِمَّا يُكْرَهُ الْكَلَامُ فِي أَثْنَائِهِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ الْفَرَاغِ) وَلَيْسَ مِنْهُ التَّشَهُّدُ الْمَطْلُوبُ عَقِبَهُ لِأَنَّهُ بَعْدَهُ، وَهَذَا مَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا، وَفَارَقَ الْأَكْلَ حَيْثُ يَأْتِي بِهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ لِأَنَّ فِيهِ رَغْمَ أَنْفِ الشَّيْطَانِ حَيْثُ يَتَقَايَأُ مَا أَكَلَهُ. وَهَلْ يَتَقَايَأُ فِي الْإِنَاءِ أَوْ خَارِجِهِ مَحَلُّ نَظَرٍ. قَوْلُهُ: (يُسْتَحَبُّ إلَخْ) أَيْ الْأَكْمَلُ ذَلِكَ وَمِنْهُ بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ بِغَيْرِ لَفْظِ عَلَى، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى بِسْمِ اللَّهِ كَفَى. قَوْلُهُ: (فَيَنْوِي) بِقَلْبِهِ وَيُسَمِّي بِلِسَانِهِ ثُمَّ يَنْوِي بِلِسَانِهِ بِنِيَّةٍ مِنْ نِيَّاتِ الْوُضُوءِ، وَلَوْ رَفْعَ الْحَدَثِ وَيَسْتَاكُ قَبْلَ الْمَضْمَضَةِ فَالْمُرَادُ بِالْأَوَّلِيَّةِ تَقَدُّمُ جَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى فَرَاغِ غُسْلِ
ــ
[حاشية عميرة]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .