حَشِيشٍ وَنَحْوِهِ (لِعَلْفِ الْبَهَائِمِ) بِسُكُونِ اللَّامِ (وَلِلدَّوَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ كَالْإِذْخِرِ، وَالثَّانِي يَقِفُ مَعَ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَيَجُوزُ تَسْرِيحُ الْبَهَائِمِ فِي حَشِيشِهِ لِتَرْعَى جَزْمًا وَمِنْ الْمُمْتَنِعِ أَخْذُهُ لِيَبِيعَهُ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَهُوَ صَادِقٌ يَبِيعُهُ مِمَّنْ يَعْلِفُ بِهِ وَيَجُوزُ أَخْذُ وَرَقِ الشَّجَرِ بِسُهُولَةٍ لَا يُخْبَطُ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَيَجُوزُ أَخْذُ ثَمَرِهِ وَعُودِ السِّوَاكِ، وَنَحْوِهِ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا أَمَّا الْيَابِسُ مِنْ الشَّجَرِ فَيَجُوزُ قَطْعُهُ وَقَلْعُهُ وَالْيَابِسُ مِنْ الْحَشِيشِ يَجُوزُ قَطْعُهُ وَلَوْ قَلَعَهُ، قَالَ الْبَغَوِيّ: لَزِمَهُ الضَّمَانُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْلَعْهُ لَنَبَتَ ثَانِيًا. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَلَا يُخَالِفُهُ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ إذَا جَفَّ الْحَشِيشُ وَمَاتَ جَازَ قَلْعُهُ وَأَخْذُهُ فَقَوْلُ الْبَغَوِيّ فِيمَا لَمْ يَمُتْ.
(وَصَيْدُ الْمَدِينَةِ حَرَامٌ) وَفِي الْمُحَرَّرِ صَيْدُ حَرَمِ الْمَدِينَةِ، وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَشَجَرُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَخَلَاهُ رَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي حَرَّمْت الْمَدِينَةَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا لَا يُقْطَعُ شَجَرُهَا» ، زَادَ مُسْلِمٌ «وَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا» . وَفِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا» ، وَاللَّابَتَانِ الْحُرَّتَانِ تَثْنِيَةُ لَابَةٍ وَهِيَ الْأَرْضُ الْمُكْتَسِيَةُ حِجَارَةً سُودًا وَهُمَا شَرْقِيُّ الْمَدِينَةِ وَغَرْبِيُّهَا فَحَرَمُهَا مَا بَيْنَهُمَا عَرْضًا وَمَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا طُولًا وَهُمَا فِي حَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ «الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ عِيرٍ إلَى ثَوْرٍ» وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ
ــ
[حاشية قليوبي]
خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ يَحِلُّ قَلْعًا وَقَطْعًا وَتَصَرُّفًا بِبَيْعٍ وَغَيْرِهِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَصَحَّحَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ) وَهُوَ مَرْجُوحٌ، وَفَارَقَ الصَّيْدَ الْمُؤْذِيَ بِأَنَّ لَهُ اخْتِيَارًا فِي قَصْدِ الْأَذَى. قَوْلُهُ: (بِسُكُونِ اللَّامِ) وَيَجُوزُ فَتْحُهَا وَفِيهِ بُعْدٌ. قَوْلُهُ.: (كَالْإِذْخِرِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ جَوَازُ الْأَخْذِ لَا التَّصَرُّفِ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ تَسْرِيحُ الْبَهَائِمِ فِيهِ) خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ قَوْلُهُ: (وَمِنْ الْمُمْتَنِعِ أَخْذُهُ لِبَيْعِهِ) أَوْ لِهِبَةٍ وَلَوْ لِمَنْ يَعْلِفُ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ أَخْذُ وَرَقِ الشَّجَرِ) بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلنَّبَاتِ كَالسَّنَا ظَاهِرُهُ وَلَوْ لِنَحْوِ الْبَيْعِ. وَبِهِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ أَخْذُ ثَمَرِهِ) أَيْ الشَّجَرِ وَفِيهِ مَا ذَكَرَ فِي الْوَرَقِ. قَوْلُهُ: (عُودِ السِّوَاكِ) قَالَ شَيْخُنَا لَا لِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ وَلَمْ يَرْتَضِهِ بَعْضُ مَشَايِخِنَا.
قَوْلُهُ: (وَنَحْوِهِ) . أَيْ نَحْوِ عُودِ السِّوَاكِ مِنْ أَطْرَافِ أَغْصَانِ الْأَشْجَارِ وَفِيهِ مَا فِي السِّوَاكِ الْمَذْكُورِ، لَكِنْ قَالَ شَيْخُنَا: إنَّهَا إذَا لَمْ تُخْلِفْ مِثْلَهَا فِي عَامِهَا ضَمِنَهَا بِالْقِيمَةِ. وَأَمَّا الْعُشْبُ فَيَجُوزُ أَخْذُ مَا يُخْلِفُ مِنْهُ وَلَوْ فِي غَيْرِ عَامِهِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الْيَابِسُ مِنْ الشَّجَرِ فَيَجُوزُ) خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ قَطْعُهُ مُطْلَقًا. وَكَذَا قَلْعُهُ إنْ مَاتَ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْبَغَوِيّ. وَيَجُوزُ تَقْلِيمُ شَجَرِ الْحَرَمِ لِلْإِصْلَاحِ وَفِيمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ مِنْ جَرِيدٍ وَنَحْوِهِ مَا مَرَّ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ جَوَازُ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَلَوْ بِنَحْوِ الْبَيْعِ فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (وَصَيْدُ الْمَدِينَةِ) لَوْ أَسْقَطَ لَفْظَ الصَّيْدِ لَشَمَلَ الشَّجَرَ وَالْخَلَا الَّذِي أَوْرَدَهُمَا الشَّارِحُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ تَحْرِيمُ الثَّلَاثَةِ. قَوْلُهُ: (وَفِي الْمُحْرِمِ صَيْدُ حَرَمِ الْمَدِينَةِ) وَهِيَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: «وَإِنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ» أَيْ أَظْهَرَ تَحْرِيمَهَا لِأَنَّهُ قَدِيمٌ. قَوْلُهُ: «وَإِنِّي حَرَّمْت الْمَدِينَةَ» ) أَيْ ابْتَدَأْت تَحْرِيمَهَا فَهُوَ حَادِثٌ. قَوْلُهُ: (فَحَرَمُهَا مَا بَيْنَهُمَا) أَيْ اللَّابَتَيْنِ الشَّرْقِيَّةِ وَالْغَرْبِيَّةِ عَرْضًا. قَوْلُهُ: (وَمَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا عَيْرٌ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ
ــ
[حاشية عميرة]
لِغَرَضِ الْبَيْعِ أَوْ الْحَاجَةِ هَلْ يَجُوزُ أَوْ لَا؟ قَوْلُهُ: (وَصَحَّحَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ) لِهَذَا قَالَ فِي الْمَتْنِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَلَمْ يَقُلْ عَلَى الصَّحِيحِ وَنَحْوِهِ عَلَى عَادَتِهِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (لِعَلَفِ الْبَهَائِمِ) مِثْلُهُ أَخْذُهُ لِلْحَاجَةِ الَّتِي يُؤْخَذُ لِأَجْلِهَا الْإِذْخِرُ وَكَذَا الْأَكْلُ.
فَرْعٌ: لَوْ كَانَتْ الْحَاجَةُ غَيْرَ نَاجِزَةٍ فَهَلْ يَجُوزُ الْأَخْذُ لِمَا عَسَاهُ يَطْرَأُ الظَّاهِرُ لَا كَاقْتِنَاءِ الْكَلْبِ لِمَا عَسَاهُ يَكُونُ مِنْ الزَّرْعِ وَنَحْوِهِ.
فَائِدَةٌ: نَظَمَ بَعْضُهُمْ حُدُودَ الْحَرَمِ فَقَالَ:
وَلِلْحَرَمِ التَّحْدِيدُ مِنْ أَرْضِ طِيبَةَ ... ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ إذَا رُمْت إتْقَانَهُ
وَسَبْعَةُ أَمْيَالٍ عِرَاقٌ وَطَائِفٌ ... وَحَدُّهُ عَشْرٌ ثُمَّ تِسْعٌ جِعْرَانُهُ
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلِلدَّوَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ أَخَذَهُ لِلْحَاجَةِ الَّتِي يُؤْخَذُ لَهَا الْإِذْخِرُ كَتَسْقِيفِ الْبُيُوتِ جَازَ قَطْعُهُ لِذَلِكَ، كَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْوَسِيطِ، وَتَبِعَهُ الْحَاوِي الصَّغِيرُ، وَصَرَّحَ بِجَوَازِ قَطْعِهِ مُطْلَقًا قَالَ: وَقَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ اهـ. قُلْت: وَمَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ أَنَّ الْأَشْجَارَ الرَّطْبَةَ يَجُوزُ قَطْعُهَا لِتَسْقِيفِ الْبُيُوتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْحَاجَاتِ مَحَلُّ نَظَرٍ.
وَقَدْ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَطْعُ الشَّجَرِ لِحَاجَةِ السَّقْفِ وَنَحْوِهِ. قَوْلُهُ: (فِي الْحَشِيشَةِ) زَادَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَشَجَرِهِ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ الْمُمْتَنِعِ أَخْذُهُ لِيَبِيعَهُ) هَذَا يُفِيدُك أَنَّ السِّوَاكَ الْمَأْخُوذَ مِنْ الْحَرَمِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَكَذَا وَرَقُ السَّنَا. قَوْلُهُ: (وَرَقِ الشَّجَرِ) مِنْهُ السَّعَفُ. قَوْلُهُ: (قَطْعُهُ) إنْ قُلْت لِمَ لَمْ يَضْمَنْ بِالْقِيمَةِ كَبَيْضِ النَّعَامِ، قُلْت: أُجِيبَ بِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ فَاعْتُبِرَ ضَمَانُهُ