(تَحَلَّلَ) أَيْ جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ وَسَيَأْتِي مَا يَحْصُلُ بِهِ قَالَ تَعَالَى {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [البقرة: ١٩٦] أَيْ وَأَرَدْتُمْ التَّحَلُّلَ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهُدَى، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحَلَّلَ بِالْحُدَيْبِيَةِ لَمَّا صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ وَكَانَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ» وَسَوَاءٌ أُحْصِرَ الْكُلُّ أَمْ الْبَعْضُ (وَقِيلَ لَا تَتَحَلَّلُ الشِّرْذِمَةُ) بِالْمُعْجَمَةِ مِنْ جُمْلَةِ الرُّفْقَةِ لِاخْتِصَاصِهَا بِالْإِحْصَارِ كَمَا لَوْ أَخْطَأَتْ الطَّرِيقَ أَوْ مَرِضَتْ وَدُفِعَ بِأَنَّ مَشَقَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ الَّتِي جَازَ التَّحَلُّلُ لَهَا لَا تَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَتَحَمَّلَ غَيْرُهُ مِثْلَهَا أَوْ لَا ثُمَّ إنْ كَانَ الْوَقْتُ لِلْحَجِّ وَاسِعًا فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُعَجِّلَ التَّحَلُّلَ فَرُبَّمَا زَالَ الْمَنْعُ فَأَتَمَّ الْحَجَّ وَمِثْلُهُ الْعُمْرَةُ، وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ تَعْجِيلُ التَّحَلُّلِ لِئَلَّا يَفُوتَ الْحَجُّ وَلَوْ مَنَعُوا وَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ الْمُضِيِّ إلَّا بِبَذْلِ مَالٍ فَلَهُمْ أَنْ يَتَحَلَّلُوا وَلَا يَبْذُلُوا الْمَالَ وَإِنْ قَلَّ إذْ لَا يَجِبُ احْتِمَالُ الظُّلْمِ فِي أَدَاءِ الْحَجِّ وَمِثْلُهُ الْعُمْرَةُ وَلَوْ مُنِعُوا مِنْ الرُّجُوعِ أَيْضًا جَازَ لَهُمْ التَّحَلُّلُ فِي الْأَصَحِّ (وَلَا تَحَلُّلَ بِالْمَرَضِ) لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ زَوَالَ الْمَرَضِ بِخِلَافِ التَّحَلُّلِ بِالْإِحْصَارِ بَلْ يَصْبِرُ حَتَّى يَبْرَأَ فَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ أَتَمَّهَا أَوْ بِحَجٍّ وَفَاتَهُ تَحَلَّلَ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ (فَإِنْ شَرَطَهُ) أَيْ التَّحَلُّلَ بِالْمَرَضِ أَيْ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ إذَا مَرِضَ (تَحَلَّلَ بِهِ) أَيْ بِسَبَبِ الْمَرَضِ (عَلَى الْمَشْهُورِ) وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ لَا يَجُوزُ
ــ
[حاشية قليوبي]
وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونُ الْمَنْعُ عَنْ ابْتِدَائِهِ كَمَا يَأْتِي، ثُمَّ إنْ كَانَ الْمَنْعُ مِنْ الْوُقُوفِ هُوَ مِنْ الْفَوَاتِ الْآتِي أَوْ كَانَ مِنْ الطَّوَافِ أَوْ السَّعْيِ فَلَا آخِرَ لِوَقْتِهِمَا كَمَا مَرَّ. فَيَأْتِي بِهِمَا مَتَى شَاءَ فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ فِعْلُهُمَا تَحَلَّلَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْمَنْعُ مِنْ التَّقْصِيرِ أَوْ كَانَ مِنْ الرَّمْيِ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ عَنْهُ أَوْ مِنْ الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ أَوْ مِنًى لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ وَظَاهِرُ شَرْحِ شَيْخِنَا لُزُومُ الْفِدْيَةِ فِيهِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (أَيْ مَنَعَهُ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ الْإِتْمَامَ عَدُوٌّ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْحَصْرَ هُنَا بِالْعَدُوِّ لِأَنَّ غَيْرَهُ سَيَأْتِي وَسَوَاءٌ مَنَعَهُ مَعَ ذَلِكَ مِنْ الرُّجُوعِ أَيْضًا أَوْ لَا. قَوْلُهُ: (تَحَلَّلَ) وَإِنْ فَاتَ إحْيَاءُ الْكَعْبَةِ فِي ذَلِكَ الْعَامِ. قَوْلُهُ: (أَيْ جَازَ) فَلَا يَجِبُ فَوْرًا كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: «تَحَلَّلَ بِالْحُدَيْبِيَةِ» ) حِينَ هَمَّ بِالدُّخُولِ مِنْهَا إلَى مَكَّةَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَتَحَلَّلَ مَعَهُ أَصْحَابُهُ وَسَيَأْتِي عِدَّتُهُمْ.
فَائِدَةٌ: قَالَ السُّهَيْلِيُّ: إنَّ الصَّحَابَةَ لَمَّا حَلَقُوا رُءُوسَهُمْ بِالْحُدَيْبِيَةِ جَاءَ رِيحٌ حَمَلَتْ شُعُورَهُمْ وَأَلْقَتْهَا فِي الْحَرَمِ فَاسْتَبْشَرُوا بِقَبُولِ عُمْرَتِهِمْ انْتَهَى. قَوْلُهُ: (وَكَانَ مُحْرِمًا) هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْعُمْرَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ مِيقَاتِ الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ.
قَوْلُهُ: (مِنْ جُمْلَةِ الرُّفْقَةِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْحَصْرُ لِبَعْضِ الْحُجَّاجِ وَلَيْسَتْ الشِّرْذِمَةُ قَيْدًا وَلَيْسَتْ هِيَ جَمِيعُ الْحُجَّاجِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ إنْ كَانَ إلَخْ) أَيْ إذَا كَانَ وَقْتُ الْوُقُوفِ مُسْتَقْبَلًا بِزَمَانٍ وَاسِعٍ يَرْجُونَ إدْرَاكَهُ فَالْأَفْضَلُ الصَّبْرُ إلَيْهِ، بَلْ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِمْ إدْرَاكُهُ بَعْدَ الْحَصْرِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ الصَّبْرُ. قَوْلُهُ: (وَمِثْلُهُ الْعُمْرَةُ) مِنْ حَيْثُ أَفْضَلِيَّةُ الصَّبْرِ فِيهَا لِأَنَّ وَقْتَهَا وَاسِعٌ بَلْ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِمْ إدْرَاكُهَا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَجَبَ الصَّبْرُ. قَوْلُهُ: (لِئَلَّا يَفُوتَ الْحَجُّ) لَوْ قَالَ لِأَنَّ فِي مُصَابَرَةِ الْإِحْرَامِ مَعَ التَّرَدُّدِ فِي إدْرَاكِهِ النُّسُكَ فِيهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (فَلَهُمْ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ بَذْلُ الْمَالِ بَلْ يُكْرَهُ لِكُفَّارٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الصِّغَارِ، وَمِثْلُ بَذْلِ الْمَالِ الْقِتَالُ، نَعَمْ إنْ كَانَ فِيهِمْ قُوَّةٌ كَقِتَالِ الْكُفَّارِ نُدِبَ لَهُمْ لِيَنَالُوا ثَوَابَ الْجِهَادِ وَالْحَجِّ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَلَّ) أَيْ لَا يَلْزَمُهُمْ بَذْلُ الْمَالِ وَلَوْ قَلِيلًا نَعَمْ لَا عِبْرَةَ بِنَحْوِ دِرْهَمٍ أَوْ دِرْهَمَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُنِعُوا مِنْ الرُّجُوعِ أَيْضًا جَازَ لَهُمْ التَّحَلُّلُ فِي الْأَصَحِّ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ.
تَنْبِيهٌ: هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا مُنِعُوا مِنْ جَمِيعِ الطُّرُقِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ، فَلَوْ مُنِعُوا مِنْ طَرِيقٍ دُونَ غَيْرِهِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ سُلُوكُ ذَلِكَ الْغَيْرِ، وَإِنْ كَانَ أَطْوَلَ وَأَشَقَّ. وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ التَّحَلُّلُ، ثُمَّ إنْ كَانَ مِثْلَ الْأَوَّلِ أَوْ دُونَهُ طُولًا وَسُهُولَةً وَفَاتَهُمْ الْحَجُّ فِيهِ لَزِمَهُمْ الْقَضَاءُ كَمَا لَوْ صَابَرُوا الْإِحْرَامَ غَيْرَ مُتَوَقِّعِينَ زَوَالَ الْحَصْرِ قَبْلَهُ وَإِلَّا فَلَا قَضَاءَ كَمَا لَوْ صَابَرُوا الْإِحْرَامَ مُتَوَقِّعِينَ زَوَالَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا تَحَلُّلَ بِالْمَرَضِ) أَيْ لَا يَجُوزُ فِي الْحَجِّ قَبْلَ الْفَوَاتِ وَلَا فِي الْعُمْرَةِ مُطْلَقًا، وَمِثْلُ الْمَرَضِ نَفَادُ النَّفَقَةِ وَإِضْلَالُ الطَّرِيقِ وَخَطَأُ الْعَدَدِ وَالْحَبْسِ لِدَيْنٍ هُوَ مُوسِرٌ بِهِ وَفِي الْمُعْسِرِ مَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ شَرَطَهُ) أَيْ ذَكَرَ بِلَفْظِهِ حَالَةَ إحْرَامِهِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إنَّهُ تَحَلَّلَ إذَا مَرِضَ
[حاشية عميرة]
فَرْعٌ: لَوْ حُبِسَ ظُلْمًا أَوْ كَانَ مُعْسِرًا وَلَا بَيِّنَةَ سَاغَ التَّحَلُّلُ كَالْحَصْرِ الْعَامِّ. قَوْلُهُ: (لَمَّا صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ إلَخْ) هَذَا فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ قَالَ: بِعَدَمِ التَّحَلُّلِ فِي الْعُمْرَةِ لَسَعَةِ وَقْتِهَا. قَوْلُهُ: (مِنْ جُمْلَةِ الرُّفْقَةِ إلَخْ) هَذَا وَكَذَا قَوْلُهُ الْآتِي وَادْفَعْ بِهَدْيِك إلَى أَنَّ مَحَلَّ هَذَا الْوَجْهِ إذَا كَانَ الْحَصْرُ لِبَعْضٍ مِنْ الْجَمَاعَةِ وَفِيهَا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ زَوَالَ الْمَرَضِ) مِنْهُ تَعْلَمُ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَصْرِ الشِّرْذِمَةِ الْيَسِيرَةِ. نَعَمْ قَدْ يَرُدُّ عَلَى التَّعْلِيلِ مَا لَوْ أُحْصِرَ حَتَّى عَنْ الرُّجُوعِ، يَرُدُّ بِأَنَّهُمْ اسْتَفَادُوا إلَّا مِنْ الْعَدُوِّ الَّذِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَإِنْ شَرَطَهُ) أَيْ فِي أَوَّلِ إحْرَامِهِ. قَوْلُهُ: (أَيْ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ إذَا مَرِضَ) لَوْ شَرَطَ أَنْ يَقْلِبَ حَجَّهُ عُمْرَةً كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute