الْخُرُوجُ مِنْهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ فَلَا يَجُوزُ بِالشَّرْطِ كَالصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَاسْتَدَلَّ الْأَوَّلُ بِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ لَهَا أَرَدْت الْحَجَّ قَالَتْ وَاَللَّهِ مَا أَجِدُنِي إلَّا وَجِعَةً فَقَالَ حُجِّي وَاشْتَرِطِي، وَقُولِي اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي» وَمَا قِيلَ مِنْ جِهَةِ الْقَوْلِ الْآخَرِ إنَّهُ مَخْصُوصٌ بِضُبَاعَةَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَتُقَاسُ الْعُمْرَةُ بِالْحَجِّ وَلَوْ قَالَ إذَا مَرِضْت فَأَنَا حَلَالٌ صَارَ حَلَالًا بِنَفْسِ الْمَرَضِ وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ التَّحَلُّلِ
(وَمَنْ تَحَلَّلَ) أَيْ أَرَادَ التَّحَلُّلَ أَيْ الْخُرُوجَ مِنْ النُّسُكِ بِالْإِحْصَارِ (ذَبَحَ) لُزُومًا لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ (شَاةً حَيْثُ أُحْصِرَ) مِنْ حِلٍّ أَوْ حَرَمٍ وَفَرَّقَ لَحْمَهَا عَلَى مَسَاكِينِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَيُقَاسُ بِهِمْ فُقَرَاؤُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ إذَا أُحْصِرَ فِي الْحِلِّ أَنْ يَبْعَثَ بِهَا إلَى الْحَرَمِ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَبَحَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَهِيَ مِنْ الْحِلِّ وَيَقُومُ مَقَامَ الشَّاةِ بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ سُبْعُ إحْدَاهُمَا وَلَا يَسْقُطُ الدَّمُ إذَا شَرَطَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ إذَا أُحْصِرَ وَقِيلَ مُسْقَطٌ فِي ذَلِكَ وَقُوَّةُ الْكَلَامِ تُعْطِي حُصُولَ التَّحَلُّلِ بِالذَّبْحِ. (قُلْت) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (إنَّمَا يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِالذَّبْحِ وَنِيَّةِ التَّحَلُّلِ) عِنْدَهُ لِاحْتِمَالِهِ لِغَيْرِ التَّحَلُّلِ (وَكَذَا الْحَلْقُ إنْ جَعَلْنَاهُ نُسُكًا) وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَنْوِي عِنْدَهُ التَّحَلُّلَ أَيْضًا لِمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ فِي تَحَلُّلِ الْعَبْدِ كَمَا سَيَأْتِي مِنْ غَيْرِ تَنْبِيهٍ عَلَى زِيَادَتِهِ وَإِنْ قُلْنَا الْحَلْقُ لَيْسَ بِنُسُكٍ وَأَسْقَطْنَا الدَّمَ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ حَصَلَ التَّحَلُّلُ فِيهَا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ (فَإِنْ فُقِدَ الدَّمُ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ لَهُ بَدَلًا) كَمَا فِي دَمِ التَّمَتُّعِ وَغَيْرِهِ
ــ
[حاشية قليوبي]
يَتَحَلَّلُ. صَوَّرَهُ بِذَلِكَ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ تَحَلَّلَ. فَلَوْ قَالَ: إنَّهُ يَصِيرُ حَلَالًا لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَحَلُّلٍ وَلَوْ شَرَطَ أَنَّهُ يَقْلِبُ حَجَّهُ عُمْرَةً فَلَهُ قَلْبُهُ أَوْ أَنَّهُ يَنْقَلِبُ حَجُّهُ عُمْرَةً انْقَلَبَ مِنْ غَيْرِ قَلْبٍ، وَتَكْفِيهِ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ شَرَطَ مَعَ ذَلِكَ هَدْيًا لَزِمَهُ وَإِلَّا كَفَاهُ الْحَلْقُ وَالنِّيَّةُ كَمَا يَأْتِي. وَمَثَّلَ بِالْمَرَضِ فِي الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ مَا أَلْحَقَ بِهِ مِمَّا مَرَّ وَيَكْفِي فِي الْمَرَضِ مَشَقَّةٌ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (ضُبَاعَةَ) بِضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ ثُمَّ هَاءٌ بِنْتُ الزُّبَيْرِ ابْنِ عَمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَتَلَهُ الْحَجَّاجُ أَخُوهَا مِنْ أَبِيهَا وَأُمُّهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَلَهَا أَخٌ شَقِيقٌ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ أَيْضًا قُتِلَ فِي أُحُدٍ. قَوْلُهُ: «مَا أَجِدُنِي إلَّا وَجِعَةً» ) أَيْ مُتَوَقِّعَةً لِحُصُولِ وَجَعٍ مُسْتَقْبَلٍ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: «حُجِّي وَاشْتَرِطِي» ) أَيْ انْوِي الْحَجَّ وَاشْتَرِطِي التَّحَلُّلَ بِالْمَرَضِ إذَا حَصَلَ. قَوْلُهُ: (وَقُولِي إلَخْ) هُوَ تَفْسِيرٌ لِلشَّرْطِ وَمَحِلِّي بِكَسْرِ الْحَاءِ بِمَعْنَى التَّحَلُّلِ لَا بِمَعْنَى أَصِيرُ حَلَالًا وَإِنْ احْتَمَلَتْهُ الْعِبَارَةُ لِمَا يَأْتِي. وَضَمِيرُ حَبَسَتْنِي بِتَاءِ التَّأْنِيثِ السَّاكِنَةِ عَائِدٌ لِلْعِلَّةِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَالَ إذَا مَرِضْت فَإِنَّمَا حَلَالٌ صَارَ حَلَالًا بِنَفْسِ الْمَرَضِ) وَأَوْرَدَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ وَلَمْ يَجْعَلْ الْحَدِيثَ شَامِلًا لَهُ. قَوْلُهُ: (بِالْإِحْصَارِ) لَا بِالْمَرَضِ لِأَنَّهُ لَا ذَبْحَ فِيهِ إلَّا بِشَرْطِهِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَفَرَّقَ لَحْمَهَا) وَكَذَا بَقِيَّةَ أَجْزَائِهَا كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (ذَلِكَ الْمَوْضِعِ) أَيْ مَوْضِعِ الْحَصْرِ وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ فِي الْحِلِّ. وَيَجُوزُ نَقْلُهُ إلَى الْحَرَمِ، وَلَا يَجِبُ كَمَا ذَكَرَهُ وَيَجُوزُ لِمَنْ أُحْصِرَ فِي الْحَرَمِ نَقْلُهُ لِأَيِّ مَكَان مِنْهُ. قَوْلُهُ: (وَيَقُومُ مَقَامَ الشَّاةِ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً) لَكِنْ تَقَدَّمَ عَنْ شَيْخِنَا أَنَّ مَا زَادَ عَلَى سُبْعِهَا يَقَعُ تَطَوُّعًا. قَوْلُهُ: (وَلَا يَسْقُطُ إلَخْ) أَيْ سُكُوتُهُ عَنْ شَرْطِ الذَّبْحِ حَالَ نِيَّةِ الْإِحْرَامِ لَا يُسْقِطُهُ بَلْ يَسْقُطُ بِنَفْيِهِ أَيْضًا بِخِلَافِ الْمَرَضِ فِيهِمَا كَمَا عُلِمَ. قَوْلُهُ: (وَقُوَّةُ الْكَلَامِ إلَخْ) أَيْ كَلَامِ الْمُحَرَّرِ تُفِيدُ أَنَّ التَّحَلُّلَ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الذَّبْحِ وَحْدَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ مَعَهُ وَمِنْ الْحَلْقِ وَالنِّيَّةِ مَعَهُ أَيْضًا وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الذَّبْحِ عَلَى الْحَلْقِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَظْهَرُ إلَخْ) أَيْ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ، وَيَتَوَقَّفُ التَّحَلُّلُ فِيهِ عَلَى
[حاشية عميرة]
أَوْلَى بِالصِّحَّةِ إذَا مَرِضَ، وَيُجْزِئُهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ. قَوْلُهُ: (إنَّهُ مَخْصُوصٌ بِضُبَاعَةَ) أَجَابَ الْإِمَامُ بِحَمْلِ الْحَبْسِ عَلَى الْمَوْتِ. قَوْلُهُ: (أَيْ أَرَادَ) أَوَّلَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الذَّبْحَ يَكُونُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ. قَوْلُهُ: (وَيُقَاسُ بِهِمْ إلَخْ) اُنْظُرْ مَا وَجْهُ الْمَسَاكِينِ أَصْلًا مَعَ عَدَمِ وُرُودِ النَّصِّ فِيهِمْ هُنَا، وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى ذِكْرِهِمْ فِي آيَةِ جَزَاءِ الصَّيْدِ، وَحَدِيثُ كَفَّارَةِ الْحَلْقِ وَفِيهِ نَظَرٌ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَبْعَثَ بِهَا إلَخْ) كَذَا لَا يَلْزَمُهُ الذَّبْحُ بِالْحَرَمِ، وَإِنْ أَمْكَنَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَذْبَحَ فِي غَيْرِ مَكَانِ الْإِحْصَارِ مِنْ الْحِلِّ، وَنَظِيرُهُ مَنْعُ الْمُتَنَقِّلِ مِنْ التَّوَجُّهِ فِي النَّفْلِ لِغَيْرِ مَقْصِدِهِ، قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَالْأَوْلَى بَعْثُهُ إلَى الْحَرَمِ. قَوْلُهُ (إنَّهُ يَتَحَلَّلُ إذَا أُحْصِرَ) زَادَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَإِنْ شُرِطَ نَفْيُهُ.
قَوْلُهُ: (لِاحْتِمَالِهِ لِغَيْرِ التَّحَلُّلِ) اعْلَمْ أَنَّ النِّيَّةَ اُعْتُبِرَتْ هُنَا وَلَمْ تُعْتَبَرْ فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا التَّحَلُّلُ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، الثَّانِي شُمُولُ نِيَّةِ الْحَجِّ أَوَّلًا لِأَفْعَالِهِ بِخِلَافِ الذَّبْحِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهَا، وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ التَّحَلُّلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute