(تَكْفِي الرُّؤْيَةُ قَبْلَ الْعَقْدِ فِيمَا لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ) كَالْأَرَاضِيِ وَالْأَوَانِي وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ (دُونَ مَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا) كَالْأَطْعِمَةِ الَّتِي يُسْرِعُ فَسَادُهَا نَظَرًا لِلْغَالِبِ فِيهِمَا وَفِيمَا يُحْتَمَلُ مِنْهَا التَّغَيُّرُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ كَالْحَيَوَانِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا صِحَّةُ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمَرْئِيِّ فِيهَا بِحَالِهِ، فَإِنْ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا فَلَهُ الْخِيَارُ، فَإِنْ نَازَعَهُ الْبَائِعُ فِي تَغَيُّرِهِ فَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّغَيُّرِ، وَالْأَصَحُّ قَوْلُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ عِلْمَهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَهُوَ يُنْكِرُهُ، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالرُّؤْيَةِ السَّابِقَةِ أَنْ يَكُونَ حَالَ الْبَيْعِ مُتَذَكِّرٌ الْأَوْصَافَ، فَإِنْ نَسِيَهَا لِطُولِ الْمُدَّةِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ بَيْعُ غَائِبٍ، قَالَ: وَهَذَا غَرِيبٌ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْجُمْهُورُ.
(وَتَكْفِي رُؤْيَةُ بَعْضِ الْمَبِيعِ إنْ دَلَّ عَلَى بَاقِيهِ كَظَاهِرِ الصُّبْرَةِ) مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَغَيْرِهَا مِمَّا الْغَالِبُ أَنْ لَا تَخْتَلِفَ أَجْزَاؤُهُ، وَلَا خِيَارَ لَهُ إذَا رَأَى الْبَاطِنَ إلَّا إذَا خَالَفَ الظَّاهِرَ بِخِلَافِ صُبْرَةِ الْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ وَالسَّفَرْجَلِ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا بَيِّنًا، وَتُبَاعُ عَدَدًا، فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ رُؤْيَةِ وَاحِدٍ
ــ
[حاشية قليوبي]
يَتَغَيَّرُ) أَيْ مِنْ وَقْتِ الرُّؤْيَةِ إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ وَالْمُرَادُ بِالتَّغَيُّرِ مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (نَظَرًا لِلْغَالِبِ فِيهِمَا) فَغَالِبًا فِي الْأَوَّلِ رَاجِعٌ لِلنَّفْيِ، وَفِي الثَّانِي لِلتَّغَيُّرِ. وَظَاهِرَةُ الصِّحَّةِ فِي الْأَوَّلِ وَإِنْ تَغَيَّرَ فِي الْوَاقِعِ وَعَدَمِهَا فِي الثَّانِي وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ فِي الْوَاقِعِ فَيَرْجِعُ إلَى تَبَيُّنِ الْحَالِ.
قَوْلُهُ: (كَالْحَيَوَانِ) وَفِي نُسْخَةٍ وَالْحَيَوَانِ وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ. قَوْلُهُ: (أَصَحُّهُمَا صِحَّةً الْبَيْعُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَفِيهِ مَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا) أَيْ بِحَالَةِ لَوْ عَلِمَهَا الْمُشْتَرِي لَمْ يَشْتَرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَصْفًا يُقْصَدُ وَضَمِيرُ وَجَدَهُ رَاجِعٌ لِمَا لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا وَالْمُسْتَوَى وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ الشَّارِحُ بِالذِّكْرِ مَعَ إمْكَانِ شُمُولِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَهُ لِمَكَانِ الْخِلَافِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ قَوْلُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَكُونَ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ مُتَذَكِّرًا حَالَةَ الْعَقْدِ الْأَوْصَافَ الَّتِي رَآهَا وَقْتَ الرُّؤْيَةِ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ اشْتِرَاطُ تَذَكُّرِ الْأَوْصَافِ غَرِيبٌ أَيْ مِنْ حَيْثُ النَّقْلُ. كَمَا قَالَ شَيْخُنَا م ر. وَيَدُلُّ لَهُ مَا بَعْدَهُ وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمِنْ حَيْثُ الْمُدْرَكُ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَغَيْرُهَا) أَيْ الْمَذْكُورَاتِ فِي الِاكْتِفَاءِ بِرُؤْيَةِ بَعْضِهَا مَثَلًا كَالْمَائِعَاتِ فِي ظُرُوفِهَا كَالسَّمْنِ وَلَوْ جَامِدًا وَالزَّيْتِ وَالْعَسَلِ الْأَسْوَدِ أَوْ مِنْ النَّحْلِ. وَخَلَا عَنْ الشَّمْعِ وَنَحْوِهِ وَكَالْقُطْنِ فِي عِدْلِهِ أَوْ فِي جَوْزِهِ بَعْدَ تَفَتُّحِهِ، وَجَعَلَ شَيْخُنَا م ر هَذَا مِنْ رُؤْيَةِ الصُّوَانِ بِمَعْنَى عَدَمِ وُجُوبِ نَزْعِهِ مِنْهُ لِرُؤْيَةِ بَاقِيهِ فَتَأَمَّلْ. وَكَالْأَدِقَّةِ وَالْعِنَبِ أَوْ الزَّبِيبِ فِي سَلَّتِهِ وَالرُّطَبِ أَوْ التَّمْرِ فِي قَوْصَرَّتِهِ وَالْكَبِيسِ وَالْعَجْوَةِ غَيْرِ الْمَعْجُونَةِ مَعَ نَوَاهَا، وَالسُّكَّرِ فِي قِدْرِهِ. كَذَا عَنْ شَيْخِنَا م ر. وَخَالَفَهُ شَيْخُنَا فِي الْأَدِقَّةِ وَالْعِنَبِ وَالسُّكَّرِ وَالْعَجْوَةِ وَهُوَ الْوَجْهُ.
فَرْعٌ: لَا بُدَّ فِي الْمِسْكِ مِنْ نَزْعِهِ مِنْ فَأْرَتِهِ وَرُؤْيَتِهِمَا مَعًا قَبْلَ الْبَيْعِ. قَوْلُهُ: (إنْ دَلَّ عَلَى بَاقِيهِ) خَرَجَ بِهِ بَعْضُ لَبَنٍ وَبَاقِيهِ
[حاشية عميرة]
إجَارَتِهِ وَعَفْوِهِ عَنْ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْخُلْعُ عَلَيْهِ وَالصُّلْحُ وَغَيْرُ ذَلِكَ بَلْ وَفِي الْوَقْتِ أَيْضًا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَتَكْفِي الرُّؤْيَةُ قَبْلَ الْعَقْدِ إلَخْ) لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْمَعْقُودِ حَاصِلٌ. وَقَوْلُهُ فِيمَا لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ مَعَ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ التَّلَفَ كَالْفَوَاكِهِ. قَوْلُهُ: (وَفِيمَا يَحْتَمِلُ إلَخْ) كَأَنَّ الشَّارِحَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يُدْخِلْ هَذِهِ فِي الْمَتْنِ لِأَجْلِ الْخِلَافِ فِيهَا. قَوْلُهُ: (كَالْحَيَوَانِ) فِي نُسْخَةٍ وَالْحَيَوَانِ وَعَلَيْهَا فَضَمِيرُ مِنْهَا السَّابِقُ لِلْأَطْعِمَةِ وَعَلَى الْكَافِ يَكُونُ فِيمَا بِمَعْنَى الْأَشْيَاءِ. قَوْلُهُ: (مُتَغَيِّرًا فَلَهُ الْخِيَارُ) لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ السَّابِقَةَ كَالشَّرْطِ فِي الصِّفَاتِ الْمَرْئِيَّةِ، قَالَ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَتَغَيَّرَ بِالْعَيْنِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِهَذِهِ الصُّورَةِ، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ هُوَ كُلُّ مُتَغَيِّرٍ لَوْ فُرِضَ مُخَالِفًا فِي صِفَةٍ مَشْرُوطَةٍ تَعَلَّقَ بِهِ الْخِيَارُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ كَالشَّرْطِ فِي الصِّفَاتِ الْمَوْجُودَةِ وَقْتَهَا، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ الْخِيَارَ فَوْرِيٌّ قَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هَذَا التَّغَيُّرُ الَّذِي تَخْرُجُ بِهِ الرُّؤْيَةُ عَنْ كَوْنِهَا تَقْبَلُ الْمَعْرِفَةَ وَالْإِحَاطَةَ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ قَوْلُ الْمُشْتَرِي) أَيْ لِمَا سَيَأْتِي وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُودِ هَذِهِ الصِّفَةِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ، كَمَا صَدَّقُوا الْبَائِعَ نَظَرًا إلَى هَذَا الْمَعْنَى عِنْدَ اخْتِلَافِهِ مَعَ الْمُشْتَرِي فِي حُدُوثِ الْعَيْبِ، فَمَا فَرَّقَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ قَوْلِهِ: لِأَنَّهُمَا قَدْ اتَّفَقَا عَلَى وُجُوبِ الْعَيْبِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَالْأَصْلُ عَدَمُ وُجُودِهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ حَادِثٍ عَدَمُ وُجُودِهِ قَبْلَ الزَّمَانِ الَّذِي عَدَمُ وُجُودِهِ فِيهِ لَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ، قَالَ: نَعَمْ، قَدْ يُشْكِلُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ قَوْلُهُمْ فِي الْغَاصِبِ إذَا ادَّعَى بَعْدَ تَلَفِ الْمَغْصُوبِ عَيْبًا خُلُقِيًّا كَأَنْ قَالَ خُلِقَ أَعْمَى أَوْ أَعْرَجَ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالظَّاهِرُ مَجِيءُ ذَلِكَ هُنَا، وَلَوْ تَجَدَّدَ فِي الْمَبِيعِ صِفَةُ حُسْنٍ زَعَمَهَا الْبَائِعُ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي عِلْمَهَا فَالظَّاهِرُ تَصْدِيقُ الْبَائِعِ. قَوْلُهُ: (وَغَيْرِهَا مِمَّا الْغَالِبُ إلَخْ) كَالْمَائِعَاتِ فِي أَوْعِيَتِهَا وَكَذَا الْقُطْنُ فِي عِدْلِهِ وَكَذَا صُبْرَةُ التَّمْرِ انْفَرَدَتْ حَبَّاتُهُ أَوْ الْتَصَقَتْ كَقَوْصَرَّةِ الْعَجْوَةِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ صُبْرَةِ الْبِطِّيخِ إلَخْ) مِثْلُ ذَلِكَ صُبْرَةُ الْخَوْخِ وَالْعِنَبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute