للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْمُمَاثَلَةُ وَالتَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ جِنْسَيْنِ كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ جَازَ التَّفَاضُلُ، وَاشْتُرِطَ الْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ) قَبْلَ التَّفَرُّقِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا رَوَاهُ مُسْلِمٌ «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ

ــ

[حاشية قليوبي]

هُنَا ثَلَاثَةٌ: رِبَا الْفَضْلِ وَهُوَ زِيَادَةُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ وَرِبَا الْيَدِ وَهُوَ تَأْخِيرُ قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ أَجَلٍ، وَرِبَا النَّسَاءِ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ كَذَلِكَ وَهُوَ ذِكْرُ الْأَجَلِ فِي الْعَقْدِ وَلَوْ قَصِيرًا، فَمَتَى وَقَعَ عَلَى وَجْهٍ مِنْ هَذِهِ كَانَ حَرَامًا وَإِلَّا فَلَا وَحُرْمَتُهُ مِنْ حَيْثُ فَسَادُ الْعَقْدِ مُطْلَقًا وَمَعَ أَخْذِ الْمَالِ إنْ أُخِذَتْ الزِّيَادَةُ. وَكَلَامُ الْمَنْهَجِ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ بَلْ فِيهِ تَدَافُعٌ وَقُصُورٌ كَمَا يُعْلَمُ بِالْوُقُوفِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (إذَا بِيعَ الطَّعَامُ) هَذَا أَحَدُ قِسْمَيْ الرِّبَوِيَّاتِ وَثَانِيهَا النَّقْدُ، وَسَيَأْتِي فَلَا رِبَا فِي غَيْرِهِمَا. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَا) وَفِي نُسْخَةٍ إنْ كَانَ بِغَيْرِ أَلِفٍ أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا أَيْ مَجْمُوعُهُمَا. قَوْلُهُ: (جِنْسًا) بِأَنْ شَمِلَهُمَا اسْمٌ خَاصٌّ وَاشْتَرَكَا فِيهِ اشْتِرَاكًا مَعْنَوِيًّا، فَخَرَجَ بِالِاسْمِ الْخَاصِّ الِاسْمُ الْعَامُّ كَالْحَبِّ وَالدَّقِيقِ وَبِمَا بَعْدَهُ نَحْوُ الْبِطِّيخِ الْأَخْضَرِ وَالْأَصْفَرِ لِأَنَّ اشْتِرَاكَهُمَا فِي الِاسْمِ لَفْظِيٌّ وَحَقِيقَتُهُمَا مُخْتَلِفَةٌ. وَكَذَا نَحْوُ اللُّحُومِ وَالْأَلْبَانِ.

قَوْلُهُ: (اُشْتُرِطَ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ) أَيْ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْقَبْضِ لِدَوَامِهَا. قَوْلُهُ: (الْحُلُولُ) بِأَنْ لَا يُذْكَرَ فِي الْعَقْدِ أَجَلٌ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَالْمُمَاثَلَةُ) أَيْ فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ يَقِينًا. قَوْلُهُ: (وَالتَّقَابُضُ) أَيْ الْقَبْضُ الْحَقِيقِيُّ لِلْعِوَضَيْنِ مُطْلَقًا مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْقَبْضِ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ مَعَ حَقِّ الْحَبْسِ فَلَا يَكْفِي الْإِبْرَاءُ وَلَا الْحَوَالَةُ وَلَا الضَّمَانُ وَإِنْ أَقْبَضَ الضَّامِنَ فِي الْمَجْلِسِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا فَرَاجِعْهُ. وَيَكْفِي قَبْضُ سَيِّدِ الْعَاقِدِ أَوْ مُوَكَّلِهِ أَوْ عَبْدِهِ أَوْ وَكِيلِهِ بِإِذْنِ الْعَاقِدِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ جُنُونِهِ إنْ بَقِيَ الْعَاقِدَانِ فِي الْمَجْلِسِ، فِي الْجَمِيعِ، خِلَافًا لِابْنِ قَاسِمٍ فِي الْمَيِّتِ. وَيَكْفِي قَبْضُ وَارِثِ الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ إنْ كَانَ حَاضِرًا وَبَقِيَ الْعَاقِدَانِ فِي الْمَجْلِسِ فَإِنْ كَانَ غَائِبًا لَمْ يُعْتَبَرْ بَقَاءُ الْمَيِّتِ فِي الْمَجْلِسِ، بَلْ الْمُعْتَبَرُ مَجْلِسُ الْوَارِثِ عِنْدَ بُلُوغِهِ الْخَبَرَ فَإِنْ تَعَدَّدَ اُعْتُبِرَ مَجْلِسُ الْأَخِيرِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَلَعَلَّ مَحَلَّهُ مَا لَمْ يَحْصُلْ قَبْضٌ مِمَّنْ قَبْلَهُ وَإِلَّا اُعْتُبِرَ مَجْلِسُ مَنْ حَصَلَ مِنْهُ الْقَبْضُ إنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ الْقَبْضُ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِذَا تَعَذَّرَ قَبْضُ الْوَارِثِ فِي مَجْلِسِهِ تَعَيَّنَ التَّوْكِيلُ مِنْهُ لِمَنْ يَقْبِضُ عَنْهُ.

وَقَالَ الْخَطِيبُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ: يُغْتَفَرُ لَهُ حُضُورُ مَجْلِسِ الْعَقْدِ كَالْمُكْرَهِ، وَيُعْتَبَرُ بَقَاءُ الْعَاقِدِ الْحَيِّ فِي الْمَجْلِسِ عِنْدَ الْجَمِيعِ حَتَّى يَحْصُلَ الْقَبْضُ مِنْ الْوَارِثِ وَلَوْ تَعَدَّدَ وَطَالَ الزَّمَنُ فَإِنْ فَارَقَهُ وَلَوْ قَبْلَ بُلُوغِ الْخَبَرِ لِلْوَارِثِ بَطَلَ الْعَقْدُ.

كَذَا قِيلَ وَالْوَجْهُ خِلَافُهُ كَمَا فِي الْكَاتِبِ بِالْبَيْعِ لِلْغَائِبِ وَإِنْ أَمْكَنَ الْفَرْقُ بِأَنَّهُ وُجِدَ لِلْعَاقِدِ هُنَا مَجْلِسٌ فَاعْتُبِرَ دَوَامُهُ فَتَأَمَّلْهُ.

فَرْعٌ: لَوْ اشْتَرَى دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مِنْ الْفِضَّةِ وَأَقْبَضَ لِلْبَائِعِ مِنْهَا خَمْسَةً وَاسْتَقْرَضَ مِنْهُ خَمْسَةً غَيْرَهَا وَأَعَادَهَا لَهُ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَقْرَضَ مِنْهُ تِلْكَ الْخَمْسَةَ فَأَعَادَهَا لَهُ فَإِنَّ الْعَقْدَ يَبْطُلُ فِيهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِي الرَّوْضَةِ لِأَنَّ تَصَرُّفَ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ مَعَ الْآخَرِ إجَازَةٌ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا حَصَلَتْ الْإِجَازَةُ فِيمَا قَابَلَ الْخَمْسَةَ الْمَقْبُوضَةَ بِوُقُوعِ التَّصَرُّفِ فِيهَا دُونَ مَا قَابَلَ الْخَمْسَةَ الْأُخْرَى لِبَقَاءِ الْمَجْلِسِ فِيهَا فَإِذَا دَفَعَهَا الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ دَامَ الْعَقْدُ فِيهَا أَيْضًا، فَيَتَوَزَّعُ الْعَقْدُ فِي الْإِجَازَةِ بِالتَّصَرُّفِ كَمَا يَتَوَزَّعُ فِي التَّفَرُّقِ إذْ لَوْ تَفَرَّقَا بَعْدَ قَبْضِ الْخَمْسَةِ فَقَطْ لَمْ يَبْطُلْ فِيمَا قَابَلَهَا وَيَبْطُلُ فِي بَاقِي الْمَبِيعِ فَتَأَمَّلْ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْإِجَازَةَ لَا تَتَبَعَّضُ كَالْفَسْخِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ الْخِيَارِ وَفِيهِ نَظَرٌ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ التَّفَرُّقِ) وَالتَّخَايُرِ كَالتَّفَرُّقِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِمَا فِي الْمَنْهَجِ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ بِتَخَايُرِهِمَا أَوْ تَخَايُرِ أَحَدِهِمَا، كَمَا لَوْ فَارَقَ وَيُعْتَبَرُ كَوْنُ التَّفَرُّقِ طَوْعًا وَلَوْ سَهْوًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَإِنْ فَارَقَ أَحَدَهُمَا مُكْرَهًا لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَتْبَعْهُ الْآخَرُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَإِنْ فَارَقَهُ بَطَلَ خِيَارُهُ وَحْدَهُ، قَالَهُ شَيْخُنَا، وَالْوَجْهُ بُطْلَانُ خِيَارِهِمَا لِأَنَّهُ مِنْ مُفَارَقَةِ أَحَدِهِمَا طَوْعًا فَتَأَمَّلْ وَمَجْلِسُ الْمُكْرَهِ مَحَلُّ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ فَإِنْ فَارَقَهُ وَلَوْ إلَى جِهَةِ الْآخَرِ

ــ

[حاشية عميرة]

التَّفَرُّقَ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ يَتَفَاسَخَا وَإِلَّا أَثِمَا وَإِنْ كَانَ التَّفَرُّقُ بِعُذْرٍ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.

تَنْبِيهٌ: عِبَارَةُ الرَّوْضِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ الْحِيلَةُ فِي بَيْعِ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ مُتَفَاضِلًا أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ صَاحِبِهِ بِدَرَاهِمَ أَوْ عَرَضٍ وَيَشْتَرِي بِهَا الذَّهَبَ بَعْدَ التَّقَابُضِ، فَيَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا وَيَتَخَايَرَا لِتَضَمُّنِ الْبَيْعِ الثَّانِي إجَازَةَ الْأَوَّلِ بِخِلَافِهِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ إسْقَاطِ خِيَارِ الْعَقْدِ أَوْ يُقْرِضَ كُلٌّ صَاحِبَهُ، أَوْ يَتَوَاهَبَا أَوْ يَهَبُ الْفَاضِلَ لِصَاحِبِهِ وَهَذَا جَائِزٌ وَإِنْ كُرِهَ قَصْدُهُ اهـ. قَالَ شَارِحُهُ وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ كُلًّا مِنْ الْعَقْدِ وَالْقَصْدِ مَكْرُوهٌ اهـ. قُلْت وَلَوْ حَلَفَ إنْسَانٌ أَنْ لَا يَبِيعَ سِلْعَتَهُ إلَّا بِعَشَرَةٍ مَثَلًا فَبَاعَهَا بِعَشْرَةٍ، ثُمَّ وَهَبَ الْمُشْتَرِي نِصْفَيْنِ بَعْدَ قَبْضِهَا فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ الْعَقْدُ، وَكَانَتْ الْهِبَةُ إجَازَةً لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ عَلَى قِيَاسِ هَذَا وَأَمَّا لَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ نِصْفَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ التَّخَايُرِ فَمَحَلُّ نَظَرٍ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ) مَثَّلَ بِهَذَيْنِ لِأَنَّ مَالِكًا يَرَى أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالتَّقَابُضُ) فَلَوْ كَانَ دَيْنًا وَأَبْرَأَهُ مِنْهُ لَمْ يَكْفِ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (مِمَّا رَوَاهُ مُسْلِمٌ) فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ»

<<  <  ج: ص:  >  >>