للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَارَقَ صَاحِبَهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرَوَى مُسْلِمٌ قَامَ يَمْشِي هُنَيْهَةً ثُمَّ رَجَعَ (فَلَوْ طَالَ مُكْثُهُمَا أَوْ قَامَا وَتَمَاشَيَا مَنَازِلَ دَامَ خِيَارُهُمَا) وَإِنْ زَادَتْ الْمُدَّةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَقِيلَ يَنْقَطِعُ بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا نِهَايَةُ الْخِيَارِ الْمَشْرُوطَةُ شَرْعًا (وَيُعْتَبَرُ فِي التَّفَرُّقِ الْعُرْفُ) فَمَا يَعُدُّهُ النَّاسُ تَفَرُّقًا يَلْزَمُ بِهِ الْعَقْدُ فَإِنْ كَانَ فِي دَارٍ صَغِيرَةٍ فَالتَّفَرُّقُ بِأَنْ يَخْرُجَ أَحَدُهُمَا مِنْهَا، أَوْ يَصْعَدَ سَطْحَهَا أَوْ كَبِيرَةٍ فَبِأَنْ يَنْتَقِلَ أَحَدُهُمَا مِنْ صَحْنِهَا إلَى صِفَتِهَا أَوْ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهَا أَوْ فِي صَحْرَاءَ أَوْ سُوقٍ فَبِأَنْ يُوَلِّيَ أَحَدُهُمَا ظَهْرَهُ وَيَمْشِيَ قَلِيلًا

(وَلَوْ مَاتَ) أَحَدُهُمَا (فِي الْمَجْلِسِ أَوْ جُنَّ فَالْأَصَحُّ انْتِقَالُهُ) أَيْ الْخِيَارِ (إلَى الْوَارِثِ وَالْوَلِيِّ) وَيَتَوَلَّى الْوَلِيُّ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ مِنْ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ فَإِنْ كَانَا فِي الْمَجْلِسِ فَوَاضِحٌ، أَوْ غَائِبَيْنِ عَنْهُ وَبَلَغَهُمَا الْخَبَرُ امْتَدَّ الْخِيَارُ لَهُمَا امْتِدَادَ مَجْلِسِ بُلُوغِ الْخَبَرِ، وَقِيلَ لَا يَمْتَدُّ بَلْ يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ سُقُوطُ الْخِيَارِ لِأَنَّ مُفَارَقَةَ الْحَيَاةِ أَوْلَى بِهِ مِنْ مُفَارَقَةِ الْمَكَانِ، وَفِي مَعْنَاهَا مُفَارَقَةُ الْعَقْلِ لِسُقُوطِ التَّكْلِيفِ بِهِمَا، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَوْتِ بِالْأَظْهَرِ وَهُوَ مَنْصُوصٌ وَمُقَابِلُهُ مَخْرَجٌ فَيَصِحُّ التَّعْبِيرُ فِيهِمَا بِالْأَصَحِّ تَغْلِيبًا لِلْمُقَابِلِ كَمَا يَصِحُّ بِالْأَظْهَرِ تَغْلِيبًا لِلْمَنْصُوصِ وَلِكُلٍّ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَسْخُ الْبَيْعِ قَبْلَ لُزُومِهِ

ــ

[حاشية قليوبي]

فَأَخْرَجَ أَحَدَهُمَا أَوْ أَخْرَجَهُمَا مُرَتَّبًا أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ وَإِنْ لَمْ يَسُدَّ فَمَه وَمَجْلِسُ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ وَهُوَ مَجْلِسُ خِيَارِهِ. وَأَمَّا الْآخَرُ فَإِنْ تَبِعَ الْمُكْرَهَ أَوْ مُنِعَ مِنْ لُحُوقِهِ بَقِيَ خِيَارُهُ وَإِلَّا بَطَلَ كَذَا قَالَهُ شَيْخُنَا، لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي الرِّبَا أَنَّهُ يَبْقَى خِيَارُ الْآخَرِ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ مُطْلَقًا كَالْمُكْرَهِ فَإِنْ فَارَقَ مَجْلِسَهُ بَطَلَ خِيَارُهُ وَحْدَهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُتَّجَهُ هُنَا أَيْضًا وَإِلَيْهِ مَال شَيْخُنَا ثَانِيًا، وَسَيَأْتِي هُنَا فِي الْحَيِّ مِثْلُهُ، وَفَارَقَ مَا مَرَّ فِي الْهَارِبِ بِوُجُودِ الِاخْتِيَارِ مِنْ الْمُفَارِقِ ثُمَّ وَالنَّائِمُ كَالْمُكْرَهِ فَيَبْقَى خِيَارُهُ قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ. قَوْلُهُ (بِبَدَنِهِمَا) وَلَوْ تَقْدِيرًا كَوَلِيٍّ بَاعَ مَالَهُ لِطِفْلِهِ أَوْ عَكْسُهُ فَيَنْقَطِعُ خِيَارُهُمَا بِمُفَارَقَتِهِ مَجْلِسَهُ وَقِيَاسُهُ فِي الْمُلْتَصِقَيْنِ كَذَلِكَ. وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الْخَطِيبِ بَقَاءُ الْخِيَارِ لَهُمَا دَائِمًا وَخَرَجَ بِذَلِكَ بِنَاءً حَائِلٌ بَيْنَهُمَا وَلَوْ بِإِذْنِهِمَا أَوْ فِعْلِهِمَا فَلَا يَبْطُلُ الْخِيَارُ بِهِ. قَوْلُهُ: (مِنْهُ) أَيْ التَّفْرِيقِ. قَوْلُهُ: (دَارٌ صَغِيرَةٌ) وَمِثْلُهَا السَّفِينَةُ الصَّغِيرَةُ بِأَنْ تَنْجَرَّ بِجَرِّهِ وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِ عَادَةً فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ، وَالسَّفِينَةُ الْكَبِيرَةُ كَالدَّارِ الْكَبِيرَةِ.

قَوْلُهُ: (فَبِأَنْ يُوَلِّي ظَهْرَهُ) لَيْسَ قَيْدًا. قَوْلُهُ: (وَيَمْشِي قَلِيلًا) أَيْ زِيَادَةً عَلَى ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ عَلَى الرَّاجِحِ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَاتَ) هُوَ وَمَا بَعْدَهُ مَفْهُومُ بَدَنِهِمَا. قَوْلُهُ: (أَوْ جُنَّ) وَكَذَا لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَأَيِسَ مِنْ إفَاقَتِهِ أَوْ طَالَتْ مُدَّتُهُ وَإِلَّا انْتَظَرَ.

وَقَالَ شَيْخُنَا: لَا يَنْتَظِرُ مُطْلَقًا. وَكَذَا عَجْزُ مُكَاتَبٍ وَخَرَسٍ لِمَنْ لَمْ تُفْهَمْ إشَارَتُهُ وَلَيْسَ كَاتِبًا وَالْوَلِيُّ فِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْأَخْرَسِ الْمَذْكُورِ هُوَ الْحَاكِمُ فَيُنْصَبُ مَنْ يَتَصَرَّفُ عَنْهُمَا كَالطِّفْلِ الَّذِي لَا وَلِيَّ لَهُ نَعَمْ لَوْ عَقَدَ لِمَجْنُونٍ فَأَفَاقَ أَوْ لِصَبِيٍّ فَبَلَغَ رَشِيدًا لَمْ يَنْتَقِلْ لَهُمَا الْخِيَارُ بَلْ يَبْقَى لِلْوَلِيِّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (إلَى الْوَارِثِ وَالْوَلِيِّ) هَذَا إنْ كَانَ الْمَيِّتُ أَوْ الْمَجْنُونُ مُتَصَرِّفًا عَنْ نَفْسِهِ وَإِلَّا انْتَقَلَ لِمَنْ هُوَ نَائِبٌ عَنْهُ، كَمَا لَوْ عَزَلَهُ لَا لِوَلِيِّ الْمَجْنُونِ وَلَا لِوَارِثِ الْمَيِّتِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ نَابَ عَنْهُ أَهْلًا كَطِفْلٍ نَصَّبَ الْحَاكِمُ مَنْ يَتَصَرَّفُ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (امْتِدَادُ مَجْلِسِ بُلُوغِ الْخَبَرِ) وَالْعِبْرَةُ بِالْأَخِيرِ مِنْهُمْ لَوْ تَعَدَّدُوا فَلَا يُعْتَبَرُ لِمَنْ قَبْلَهُ مَجْلِسٌ، وَيَنْقَطِعُ خِيَارُهُمْ بِمُفَارَقَتِهِ. وَلَوْ فَسَخَ بَعْضُهُمْ وَلَوْ قَبْلَ عِلْمِهِ بِالْمَوْتِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِي الْكُلِّ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ لَوْ تَعَدَّدَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ فِيهِ يَنْفَسِخُ فِي حِصَّةِ الْفَاسِخِ مِنْهُمْ فَقَطْ لِوُجُودِ الْجَابِرِ فِيهِ لَا هُنَا، وَلِأَنَّ الْعَقْدَ هُنَا وَاحِدٌ تَعَدَّدَ مُسْتَحِقُّهُ. وَأَمَّا الْحَيُّ فَالْعِبْرَةُ فِي حَقِّهِ مَجْلِسُهُ فَمَتَى فَارَقَهُ انْقَطَعَ خِيَارُهُ وَلَا يَضُرُّ نَقْلُ الْمَيِّتِ عَنْ الْمَجْلِسِ لِانْتِقَالِ الْخِيَارِ عَنْهُ. وَكَذَا مَنْ أُلْحِقَ بِهِ.

تَنْبِيهٌ: لَوْ كَانَ الْبَيْعُ بِالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُعْتَبَرُ مَجْلِسُ كُلٍّ مِنْهُمَا بَعْدَ قَبُولِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ فَمَنْ فَارَقَهُ مِنْهُمَا بَطَلَ خِيَارُهُمَا كَذَا قَالَهُ شَيْخُنَا م ر فَرَاجِعْهُ مَعَ مَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ الَّذِي اُعْتُبِرَ فِيهِ مَجْلِسُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ وَحْدَهُ بَعْدَ قَبُولِهِ وَهُوَ الْوَجْهُ هُنَا أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَفِي مَعْنَاهَا مُفَارَقَةُ الْعَقْلِ) فَيَنْتَقِلُ الْخِيَارُ لِوَلِيِّهِ فَإِنْ أَفَاقَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ عَادَلَهُ. قَوْلُهُ: (فِيهِمَا) أَيْ فِي النِّصْفِ وَمُقَابِلِهِ. قَوْلُهُ: (صُدِّقَ

ــ

[حاشية عميرة]

التَّفَرُّقُ بِالرُّوحِ وَهُوَ الْمَوْتُ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُ الْمَتْنِ: (الْعُرْفُ) أَيْ لِأَنَّهُ نَصٌّ لِلشَّارِعِ وَلِأَهْلِ اللُّغَةِ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَالْأَصَحُّ انْتِقَالُهُ) أَيْ قِيَاسًا عَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ وَالْعَيْبِ. قَوْلُهُ: (فِيهِمَا) الضَّمِيرُ فِيهِ يَرْجِعُ لِلْمَنْصُوصِ وَمُقَابِلُهُ. قَوْلُهُ: (وَلِكُلٍّ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ) تَوْطِئَةٌ لِمَا بَعْدَهُ.

فَرْعٌ: لَوْ اتَّفَقَا عَلَى التَّفَرُّقِ وَالْفَسْخِ وَاخْتَلَفَا فِي السَّابِقِ قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: مَنْ سَبَقَ بِدَعْوَى الْفَسْخِ قَبْلَ قَوْلُهُ، وَإِنْ سَبَقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>