كَالتَّقَدُّمِ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فِيهِ قُبَيْلَ الْقَتْلِ وَالثَّانِي لَا يَضْمَنُهُ الْبَائِعُ وَلَكِنْ تَعَلُّقُ الْقَتْلِ بِهِ عَيْبٌ يَثْبُتُ بِهِ الْأَرْشُ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مُسْتَحِقَّ الْقَتْلِ وَغَيْرَ مُسْتَحِقَّهُ مِنْ الثَّمَنِ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِالْحَالِ فَلَا شَيْءَ لَهُ جَزْمًا وَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مُؤْنَةُ التَّجْهِيزِ وَالدَّفْنِ فَهِيَ فِي الْأَصَحِّ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْأُولَى، وَعَلَى الْبَائِعِ فِي الثَّانِيَةِ، وَلَوْ أَخَّرَ الْمُصَنِّفُ عِبَارَةَ الْأُولَى عَنْ الثَّانِيَةِ لَاسْتَغْنَى عَنْ التَّأْوِيلِ السَّابِقِ
(وَلَوْ بَاعَ) حَيَوَانًا أَوْ غَيْرَهُ (بِشَرْطِ بَرَاءَتِهِ مِنْ الْعُيُوبِ) فِي الْمَبِيعِ (فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَبْرَأُ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ بَاطِنٍ بِالْحَيَوَانِ لَمْ يَعْلَمْهُ دُونَ غَيْرِهِ) أَيْ دُونَ غَيْرِ الْعَيْبِ الْمَذْكُورِ مِنْ الْعُيُوبِ فَلَا يَبْرَأُ عَنْ عَيْبٍ بِغَيْرِ الْحَيَوَانِ كَالْعَقَارِ وَالثِّيَابِ مُطْلَقًا وَلَا عَنْ عَيْبٍ ظَاهِرٍ بِالْحَيَوَانِ عَلِمَهُ أَوْ لَا، وَلَا عَنْ عَيْبٍ بَاطِنٍ بِالْحَيَوَانِ عَلِمَهُ وَالثَّانِي يَبْرَأُ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ عَمَلًا بِالشَّرْطِ، وَالثَّالِثُ لَا يَبْرَأُ عَنْ عَيْبٍ مَا لِلْجَهْلِ بِالْمُبَرَّأِ مِنْهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَإِنَّمَا خَرَجَ عَنْهُ عَلَى الْأَوَّلِ صُورَةٌ مِنْ الْحَيَوَانِ لِمَا رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ. وَصَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ بَاعَ عَبْدًا لَهُ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ بِالْبَرَاءَةِ. فَقَالَ لَهُ الْمُشْتَرِي: بِهِ دَاءٌ لَمْ تُسَمِّهِ فَاخْتَصَمَا إلَى عُثْمَانَ فَقَضَى عَلَى ابْنِ عُمَرَ أَنْ يَحْلِفَ لَقَدْ بَاعَهُ الْعَبْدَ وَمَا بِهِ دَاءٌ يَعْلَمُهُ، فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ وَارْتَجَعَ الْعَبْدُ فَبَاعَهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ
وَفِي الْحَاوِي وَالشَّامِلِ أَنَّ الْمُشْتَرِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ كَمَا أَوْرَدَهُ الرَّافِعِيُّ وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ تَرَكْت الْيَمِينَ لِلَّهِ فَعَوَّضَنِي اللَّهُ عَنْهَا خَيْرًا دَلَّ قَضَاءُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الْبَرَاءَةِ فِي صُورَةِ الْحَيَوَانِ الْمَذْكُورَةِ وَقَدْ وَافَقَ اجْتِهَادَهُ فِيهَا اجْتِهَادُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ: الْحَيَوَانُ يَتَغَذَّى فِي الصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ وَتَحَوُّلِ طَبَائِعِهِ فَقَلَّمَا يَنْفَكُّ عَنْ عَيْبٍ خَفِيٍّ أَوْ ظَاهِرٍ أَيْ فَيَحْتَاجُ الْبَائِعُ فِي شَرْطِ الْبَرَاءَةِ لِيَثِقَ بِلُزُومِ الْبَيْعِ فِيمَا لَا يَعْلَمُهُ
ــ
[حاشية قليوبي]
قَتْلٍ غَيْرِ مَضْمُونٍ كَصِيَالٍ وَتَرْكِ صَلَاةٍ بَعْدَ الْأَمْرِ وَزِنَا مُحْصَنٍ كَأَنْ الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ زِنَاهُ وَاسْتُرِقَّ ثُمَّ بِيعَ وَحِرَابَةٍ.
فَرْعٌ: لَا يَضْمَنُ غَاصِبُ الْمُرْتَدِّ بِخِلَافِ غَاصِبِ مَنْ ارْتَدَّ بَعْدَ غَصْبِهِ. قَوْلُهُ: (مُؤْنَةُ التَّجْهِيزِ) فِي الْأُولَى وَالدَّفْنُ فِي الثَّانِيَةِ.
وَمِثْلُ الدَّفْنِ الْحَمْلُ وَنَحْوُهُ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِيهِ وَالْأُولَى مَسْأَلَةُ الْمَوْتِ وَالثَّانِيَةُ مَسْأَلَةُ الرِّدَّةِ. قَوْلُهُ: (التَّأْوِيلُ السَّابِقُ) بِقَوْلِ لَازِمِ الرَّدِّ.
قَوْلُهُ: (بَرَاءَتِهِ) أَيْ الْبَائِعِ عَلَى مَا سَلَكَهُ الشَّارِحُ، وَيَصِحُّ رُجُوعُهُ لِلْمَبِيعِ، كَأَنْ يَقُولَ بِشَرْطِ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ فِيهِ، أَوْ أَنَّ الْبَيْعَ بَرِيءٌ أَيْ سَالِمٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ. وَمِثْلُهُ لَوْ قَالَ: بِهِ كُلُّ عَيْبٍ أَوْ كُلُّ شَعْرَةٍ تَحْتَهَا عَيْبٌ. أَوْ لَا يُرَدُّ عَلَيَّ بِعَيْبٍ، أَوْ هُوَ لَحْمٌ فِي قُفَّةٍ أَوْ بِعْتُكَهُ قَرْنًا وَحَبْلًا أَوْ بَيْعَةَ رُمَيْلَةٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (بَاطِنٌ) وَمِنْهُ الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ وَالْكُفْرُ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَعْسُرُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ، وَالظَّاهِرُ بِخِلَافِهِ وَمِنْهُ نَتِنُ لَحْمِ الْجَلَّالَةِ لِأَنَّهُ يَسْهُلُ فِيهِ ذَلِكَ، وَهَذَا مَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَتَبِعَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ، وَشَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ. وَقِيلَ: الْبَاطِنُ مَا يُوجَدُ فِي مَحَلٍّ لَا تَجِبُ رُؤْيَتُهُ فِي الْمَبِيعِ لِأَجْلِ الْبَيْعِ وَالظَّاهِرُ بِخِلَافِهِ وَجَرَى عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ قَاسِمٍ وَلَا يُصَدَّقُ الْمُشْتَرِي فِي عَدَمِ رُؤْيَةِ عَيْبٍ ظَاهِرٍ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ وَافَقَ إلَخْ) هُوَ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: أَنَّ الشَّافِعِيَّ مُجْتَهِدٌ كَالصَّحَابَةِ، وَالْمُجْتَهِدُ لَا يُقَلِّدُ مِثْلُهُ، أَيْ فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّوَافُقِ فِي الِاجْتِهَادِ لَا مِنْ التَّقْلِيدِ، لَكِنَّهُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ، لِقَوْلِهِ دَلَّ إلَخْ إذْ مَعَ الدَّلِيلِ لَا يُحْتَاجُ إلَى الِاجْتِهَادِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الدَّلِيلَ الْمُرَتَّبَ عَلَى الِاجْتِهَادِ لَا يَمْنَعُ مِنْهُ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ، مَا لَمْ يَكُنْ مَجْمَعًا عَلَيْهِ. وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَوْلَى قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّ الْقَضِيَّةُ انْتَشَرَتْ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَصَارَ إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ مَا يُصَرِّحُ بِهِ. قَوْلُهُ: (يَتَغَذَّى) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يَأْكُلُ. قَوْلُهُ: (وَتَحَوُّلِ) هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ، وَضَمِّ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ مَجْرُورٌ عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى مَا قَبْلَهُ، أَوْ بِضَمِّ
ــ
[حاشية عميرة]
بِالْعَيْبِ، وَهُنَا الْفَسْخَ وَالرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ وَلِكَوْنِهِ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِالْأَرْشَيْنِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ ظَاهِرًا، أَوْ بَاطِنًا عِلْمُهُ أَوْ جَهْلُهُ قَوْلُهُ: (عَمَلًا بِالشَّرْطِ) بِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَوَجَّهَهُ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ إنَّمَا ثَبَتَ لِاقْتِضَاءِ مُطْلَقِ الْعَقْدِ السَّلَامَةَ فَإِذَا صَرَّحَ بِالْبَرَاءَةِ فَقَدْ ارْتَفَعَ الْإِطْلَاقُ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ إلَخْ) يُرِيدُ أَنَّ هَذَا قِيَاسٌ مُعَارِضٌ لِلْقِيَاسِ السَّابِقِ تَمَسَّكَ بِهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، لِأَنَّهُ اعْتَضَدَ بِمُوَافَقَةِ اجْتِهَادِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ لِمَا ذَكَرَهُ.
فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَرُدَّهُ جَرَى فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ، وَلَوْ قَالَ أُعْلِمُك أَنَّ بِهِ جَمِيعَ الْعُيُوبِ فَهُوَ كَشَرْطِ الْبَرَاءَةِ أَيْضًا لِأَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ مُعَايَنَتُهُ مِنْهَا لَا يَكْفِي ذِكْرُهُ مُجْمَلًا، وَمَا يُمْكِنُ لَا تُغْنِي تَسْمِيَتُهُ. قَوْلُهُ: (يَتَغَذَّى فِي الصِّحَّةِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّهُ يَأْكُلُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ وَفِي حَالِ مَرَضِهِ، فَلَا يَهْتَدِي إلَى مَعْرِفَةِ مَرَضِهِ إذْ لَوْ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ تَرْكُ الْأَكْلِ حَالَ الْمَرَضِ، لَكَانَ الْحَالُ