(نَقْصٌ يَسْرِي إلَى التَّلَفِ بِأَنْ جَعَلَ الْحِنْطَةَ هَرِيسَةً) وَالسَّمْنَ وَالدَّقِيقَ عَصِيدَةً (فَكَالتَّالِفِ) ، لِإِشْرَافِهِ عَلَى التَّلَفِ فَيَضْمَنُ بَدَلَهُ مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ. (وَفِي قَوْلٍ يَرُدُّهُ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ) وَفِي ثَالِثٍ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَفِي رَابِعٍ يَتَخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَهُمَا قَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَهُوَ سَنٌّ وَمَا لَا يَسْرِي إلَى التَّلَفِ يَجِبُ أَرْشُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(وَلَوْ جَنَى الْمَغْصُوبُ فَتَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ لَزِمَ الْغَاصِبَ تَخْلِيصُهُ) لِحُصُولِ الْجِنَايَةِ فِي يَدِهِ.
(بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْمَالُ) الَّذِي وَجَبَ بِالْجِنَايَةِ. (فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ غَرَّمَهُ الْمَالِكُ) أَقْصَى قِيمَتِهِ. (وَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ تَغْرِيمُهُ)
ــ
[حاشية قليوبي]
الْأُولَى، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ، بَلْ وَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ عَبَّرَ بِالتَّلَفِ فِي الصُّورَتَيْنِ فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ وَيُقَاسَ التَّلَف فِي الثَّانِيَةِ عَلَى التَّلَفِ فِي الْأُولَى فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (يَسْرِي إلَى التَّلَفِ) مِنْهُ خَلْطُ دَرَاهِمَ غَصَبَهَا وَلَوْ مِنْ جَمَاعَةٍ بِدَرَاهِمِهِ، أَوْ زَيْتٍ غَصَبَهُ كَذَلِكَ بِزَيْتِهِ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ فِيهِمَا، فَيَلْزَمُهُ مِثْلُ الدَّرَاهِمِ وَالزَّيْتِ لِمَالِكِهِمَا وَخَرَجَ بِخَلْطٍ مَا لَوْ اخْتَلَطَ بِنَفْسِهِ فَيَصِيرُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ أَصْحَابِهِ، وَمِنْهُ مَا لَوْ كَتَبَ فِي الْوَرَقِ الْبَيَاضِ فَيَمْلِكُهُ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِمَالِكِهِ، وَأَمَّا نَحْوُ الْكِتَابَةِ مِنْهُ فَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ وَإِلَّا فَيَغْرَمُ أَرْشَ النَّقْصِ، فَإِنْ تَلِفَ بِالْمَحْوِ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ، وَعَلَى كُلٍّ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْكِتَابَةِ. وَمِنْهُ مَا لَوْ بَذَرَ عَلَى بَذْرِ غَيْرِهِ فَيَمْلِكُهُ، وَيَلْزَمُهُ لِلْأَوَّلِ مِثْلُ بَذْرِهِ وَأُجْرَةِ الْأَرْضِ لِمُسْتَحِقِّهَا كَذَا قَالُوا وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَيْسَ الْبَذْرُ فِعْلًا يَسْرِي إلَى التَّلَفِ فَالْوَجْهُ أَنَّهُ إنْ تَمَيَّزَ بَذْرُ الثَّانِي أَوْ نَبَاتُهُ وَكَانَ هُوَ الْمُتَعَدِّيَ وَجَبَ قَلْعُهُ وَدَفْعُهُ إلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْلَعْ فَهُوَ لَهُ وَعَلَيْهِ مَعَ الْأَوَّلِ أُجْرَةُ الْأَرْضِ بِالنِّسْبَةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ فَالْكُلُّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَعَلَيْهِمَا أُجْرَةُ الْأَرْضِ كَذَلِكَ، وَإِنْ تَعَدَّى الْأَوَّلُ أُجْرَةَ الْأَرْضِ بِالنِّسْبَةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ فَالْكُلُّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَعَلَيْهِمَا أُجْرَةُ الْأَرْضِ كَذَلِكَ، وَإِنْ تَعَدَّى الْأَوَّلُ بِالْبَذْرِ فَلِلْمُسْتَحِقِّ لَهُ قَلْعُهُ بِلَا أَرْشِ نَقْصٍ لِتَعَدِّيهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْلَعْهُ وَبَذَرَ عَلَيْهِ فَإِنْ تَمَيَّزَ فَكُلٌّ لِصَاحِبِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ مُشْتَرَكٌ وَعَلَيْهِمَا أُجْرَةُ الْأَرْضِ بِالنِّسْبَةِ كَمَا مَرَّ فَرَاجِعْ وَحَرِّرْ وَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (بِأَنْ) الْأُولَى كَأَنْ. قَوْلُهُ: (جَعَلَ إلَخْ) خَرَجَ مَا لَوْ صَارَ هَرِيسَةً مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَهُوَ سَالِكُهُ مَعَ الْأَرْشِ، كَمَا لَوْ تَعَفَّنَ خُبْزٌ غَصَبَهُ.
قَوْلُهُ: (عَصِيدَةً) بِخِلَافِ مَا لَوْ جَعَلَهُ خُبْزًا.
قَوْلُهُ: (فَكَالتَّالِفِ) فَلَيْسَ تَالِفًا حَقِيقَةً فَيَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ مِلْكًا مُرَاعًى، فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ وَلَوْ بِأَكْلٍ حَتَّى يَرُدَّ بَدَلَهُ، وَإِنْ خَافَ تَلَفَهُ بِالْكُلِّيَّةِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ بِدَلِيلِ مَا صَرَّحَ بِهِ شَيْخُنَا م ر وَغَيْرُهُ مِنْ امْتِنَاعِ الْأَكْلِ مِنْ الْكَوَارِعِ الْمَطْبُوخَةِ، وَإِنْ جُهِلَتْ أَعْيَانُ مُلَّاكِهَا؛ لِأَنَّهُمْ مَعْلُومُونَ فَهِيَ مِنْ الْأَمْوَالِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَمَا نُقِلَ عَنْهُ مِنْ أَنَّهَا مِنْ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ وَأَمْرَهَا لِبَيْتِ الْمَالِ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ، بَلْ هُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى جَوَازِ أَكْلِ الظَّلَمَةِ أَمْوَالَ النَّاسِ بِنَحْوِ طَبْخِهَا وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَمَا نُقِلَ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَصَرَّفَ الْغَاصِبُ فِي الْمَغْصُوبِ بِمَا يُزِيلُ اسْمَهُ مَلَكَهُ كَطَبْخِ الْحِنْطَةِ وَخَبْزِ الدَّقِيقِ أَنْكَرَهُ أَصْحَابُنَا أَشَدَّ إنْكَارٍ، وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ إنْكَارُهُ أَيْضًا فَرَاجِعْهُ. وَقَوْلُهُ: فَيَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ قَالَ شَيْخُنَا م ر عَنْ وَالِدِهِ نَقْلًا عَنْ الْخَادِمِ: إنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ مَفْرُوضٌ فِي الْمِثْلِيِّ فَقَطْ لِقَطْعِهِمْ بِأَنَّهُ لَوْ جَرَحَ عَبْدًا جِرَاحَةً يُقْطَعُ بِمَوْتِهِ بِهَا وَمَاتَ بِهَا أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ مَالِكِهِ، وَيَلْزَمُهُ تَجْهِيزُهُ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْجَارِحَ قِيمَتُهُ فَقَطْ، انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ قَيْدًا فَظَاهِرٌ، وَإِلَّا فَيَجِبُ اخْتِصَاصُ هَذَا الْحُكْمِ بِهِ أَوْ بِمَا يَخْرُجُ عَنْ الْمِلْكِيَّةِ بِقَتْلِهِ نَحْوِ حِمَارٍ وَبَغْلٍ، أَمَّا ذَبْحُ نَحْوِ شَاةٍ وَبَعِيرٍ فَلَا يَسَعُ الْقَوْلُ بِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِ مَالِكِهِ وَتَغْرِيمِ الْغَاصِبِ قِيمَتَهُ لِتَضَاعُفِ الْغُرْمِ فِيهِ، فَالْوَجْهُ أَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا أَرْشُ نَقْصِهِ فَقَطْ فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ جَنَى الْمَغْصُوبُ) أَيْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَقَطْ، فَلَوْ جَنَى قَبْلَ غَصْبِهِ وَبَعْدَهُ وَبِيعَ فِي الْجِنَايَتَيْنِ وَاسْتَغْرَقَا قِيمَتَهُ لَمْ يَلْزَمْ الْغَاصِبَ إلَّا أَرْشُ الْجِنَايَةِ الَّتِي فِي يَدِهِ، فَإِنْ تَلِفَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ غَرِمَ لِلْمَالِكِ أَقْصَى الْقِيَمِ، فَإِنْ أَخَذَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَالِكِ أَرْشَهُ مِنْ الْغَاصِبِ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْمَالِكِ، وَإِنْ أَخَذَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عِنْدَ الْغَاصِبِ أَرْشَهُ مِنْ الْمَالِكِ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ.
قَوْلُهُ: (لَزِمَ الْغَاصِبَ تَخْلِيصُهُ) وَكَذَا يَلْزَمُهُ أَرْشُ الْعَيْبِ الْحَاصِلِ بِالْجِنَايَةِ عِنْدَهُ.
قَوْلُهُ: (قِيمَتِهِ) أَيْ وَقْتَ الْجِنَايَةِ وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَهَا أَكْثَرَ. قَوْلُهُ: (أَقْصَى قِيمَتِهِ) وَلَهُ أَخْذُ بَدَلِ الْقِيمَةِ وَهُوَ لِلْفَيْصُولَةِ، قَوْلُ شَيْخِنَا م ر.
إنَّهُ لِلْحَيْلُولَةِ، وَلَوْ كَانَ أَمَةً حَرُمَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ.
قَوْلُهُ: (لَهُ إلَخْ) كَلَامُهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يُطَالِبَ الْمَالِكَ قَبْلَ أَخْذِهِ الْقِيمَةَ وَهُوَ كَذَلِكَ. نَعَمْ لِلْمَالِكِ أَنْ يَغْرَمَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مُطَالَبَةٍ.
ــ
[حاشية عميرة]
قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَكَالتَّالِفِ) قَالَ السُّبْكِيُّ: هَذَا الْقَوْلُ مُشْكِلٌ يَكَادُ يُعَكِّرُ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَاخْتَارَ الرَّابِعَ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَفِي قَوْلٍ يَرُدُّهُ) أَيْ كَمَا فِي التَّعَيُّبِ الَّذِي يَسْرِي إلَى الْهَلَاكِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (بِالْأَقَلِّ) جَزَمَ هُنَا بِذَلِكَ، وَلَنَا فِي جِنَايَتِهِ إذَا كَانَ فِي يَدِ الْمَالِكِ قَوْلٌ: إنَّهُ يَفْدِيهِ بِالْأَرْشِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَعُلِّلَ بِأَنَّهُ قَدْ مُنِعَ بَيْعَهُ بِاخْتِيَارِ الْفِدَاءِ، وَلَوْ سُلِّمَ الْمَبِيعُ لَرُبَّمَا ظَهَرَ رَاغِبٌ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَفْقُودٌ فِي الْغَاصِبِ، فَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَى الْجَزْمِ بِهَذَا قُلْت: هَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ أَجْرَى الْخِلَافَ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْغَصْبَ مَنَعَ مِنْ جَعْلِ ذَلِكَ عَلَى الْمَالِكِ، فَكَأَنَّ الْغَاصِبَ مَنَعَ مِنْهُ.
فَائِدَةٌ: مِنْ عُيُوبِ الْمَبِيعِ جِنَايَاتُ الْخَطَأِ إذَا كَثُرَتْ، وَكَذَا الْعَمْدُ إذَا لَمْ يَتُبْ، وَحِينَئِذٍ فَيَضْمَنُ الْغَاصِبُ أَرْشَ هَذَا الْعَيْبِ أَيْضًا.