للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَيَجُوزُ أَنْ يَلْتَقِطَ عَبْدًا لَا يُمَيِّزُ) فِي زَمَنِ أَمْنٍ أَوْ نَهْبٍ وَمُمَيِّزًا فِي زَمَنِ نَهْبٍ، بِخِلَافِ الْأَمْنِ، لِأَنَّهُ يَسْتَدِلُّ فِيهِ عَلَى سَيِّدِهِ فَيَصِلُ إلَيْهِ، وَالْأَمَةُ كَالْعَبْدِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ غُضُونِ كَلَامِهِمْ أَنَّ فِيهِمَا الْخَصْلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فَفِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا ثُمَّ يَجُوزُ تَمَلُّكُ الْعَبْدِ، وَالْأَمَةِ الَّتِي لَا تَحِلُّ كَالْمَجُوسِيَّةِ وَالْمَحْرَمِ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِلُّ فَعَلَى قَوْلَيْنِ كَالِاقْتِرَاضِ لِأَنَّ التَّمَلُّكَ بِالِالْتِقَاطِ اقْتِرَاضٌ، وَيُنْفِقُ عَلَى الرَّقِيقِ مُدَّةَ الْحِفْظِ مِنْ كَسْبِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَسْبٌ فَعَلَى مَا سَبَقَ فِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ، وَإِذَا بِيعَ ثُمَّ ظَهَرَ الْمَالِكُ وَقَالَ كُنْت أَعْتَقْته قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْأَظْهَرِ، وَحُكِمَ بِفَسَادِ الْبَيْعِ وَالثَّانِي لَا كَمَا لَوْ بَاعَ بِنَفْسِهِ انْتَهَى.

(وَيُلْتَقَطُ غَيْرُ الْحَيَوَانِ) كَمَأْكُولٍ وَثِيَابٍ وَنُقُودٍ. (فَإِنْ كَانَ يُسْرِعُ فَسَادُهُ كَهَرِيسَةٍ) وَرُطَبٍ لَا يَتَتَمَّرُ. (فَإِنْ شَاءَ بَاعَهُ) أَيْ اسْتِقْلَالًا إنْ لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا، وَبِإِذْنِهِ إنْ وَجَدَهُ أَخْذًا مِمَّا سَبَقَ (وَعَرَّفَهُ) بَعْدَ بَيْعِهِ (لِيَتَمَلَّكَ ثَمَنَهُ) بَعْدَ التَّعْرِيفِ. (وَإِنْ شَاءَ تَمَلَّكَهُ فِي الْحَالِ وَأَكَلَهُ) وَغَرِمَ قِيمَتَهُ سَوَاءٌ وَجَدَهُ فِي مَفَازَةٍ أَوْ عُمْرَانٍ. (وَقِيلَ: إنْ وَجَدَهُ فِي عُمْرَانٍ وَجَبَ الْبَيْعُ) وَامْتَنَعَ الْأَكْلُ وَعَلَى جَوَازِهِ فِي الْقِسْمَيْنِ فِي التَّعْرِيفِ بَعْدَهُ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا فِي الْعُمْرَانِ، وُجُوبُهُ وَفِي الْمَفَازَةِ قَالَ الْإِمَامُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ. (وَإِنْ أَمْكَنَ بَقَاؤُهُ بِعِلَاجٍ كَرُطَبٍ يَتَجَفَّفُ، فَإِنْ كَانَتْ الْغِبْطَةُ فِي بَيْعِهِ بِيعَ أَوْ فِي تَجْفِيفِهِ وَتَبَرَّعَ بِهِ الْوَاجِدُ جَفَّفَهُ، وَإِلَّا بِيعَ بَعْضُهُ لِتَجْفِيفِ الْبَاقِي) حِفْظًا لَهُ وَالْمُرَادُ بِالْعُمْرَانِ الشَّارِعُ، وَالْمَسْجِدُ لِأَنَّهُمَا مَعَ الْمَوَاتِ مَحَالُّ اللُّقَطَةِ.

(وَمَنْ أَخَذَ لُقَطَةً لِلْحِفْظِ أَبَدًا فَهِيَ أَمَانَةٌ)

ــ

[حاشية قليوبي]

الْعُمْرَانِ فَقَالَ الْعَبَّادِيُّ يَمْتَنِعُ أَكْلُهُ وَتَمَلُّكُهُ قَبْلَ التَّعْرِيفِ، وَجَوَّزَ الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ خَصْلَةً رَابِعَةً، وَهِيَ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ حَالًا وَيُبْقِيهِ حَيًّا لِيَنْتَفِعَ بِدَرِّهِ أَوْ نَسْلِهِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ إلَخْ) أَيْ مَا دَامَ فِي الصَّحْرَاءِ وَإِلَّا فَيَجِبُ. قَوْلُهُ: (وَالْخَصْلَةُ الْأُولَى إلَخْ) هَذَا إذَا اسْتَوَتْ الْخِصَالُ فِي الْأَحَظِّيَّةِ أَوْ عَدَمِهَا، وَإِلَّا وَجَبَ فِعْلُ الْأَحَظِّ لِلْمَالِكِ. قَوْلُهُ: (أَشْهَدَ) فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ لَمْ يَرْجِعْ وَإِنْ نَوَى الرُّجُوعَ فَإِنْ فَقَدَ الشُّهُودَ فَلَهُ الرُّجُوعُ إنْ نَوَاهُ، فَإِنْ اخْتَارَ الْبَيْعَ فَكَمَا تَقَدَّمَ وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُ بَعْضِهِ، وَلَا أَنْ يَقْتَرِضَ عَلَى الْمَالِكِ لِلنَّفَقَةِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَغْرِقُهُ فِيهِ وَفَارَقَ الْإِنْفَاقَ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ. بِأَنَّ مَا اقْتَرَضَهُ قَدْ يُتْلَفُ قَبْلَ إنْفَاقِهِ، وَفِيهِ بَحْثٌ ظَاهِرٌ.

قَوْلُهُ: (أَنْ يَلْتَقِطَ عَبْدًا لَا يُمَيِّزُ) مُطْلَقًا وَيُعْرَفُ رِقُّهُ بِعَلَامَةٍ كَالْحَبَشَةِ وَالزِّنْجِيِّ، أَوْ بِإِخْبَارٍ بِرِقِّهِ مِمَّنْ يَعْرِفُهُ قَبْلُ، أَوْ بِنَحْوِ مِلْكٍ فَإِنْ عَرَفَ مَالِكُهُ وَأَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ إلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْهُ. قَوْلُهُ: (وَمُمَيِّزًا) يَشْمَلُ الْبَالِغَ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (فِي زَمَنِ نَهْبٍ) فِي عِبَارَةِ غَيْرِهِ خَوْفٍ. قَوْلُهُ: (كَالِاقْتِرَاضِ) فَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ صِحَّةِ التَّمَلُّكِ.

قَوْلُهُ: (وَيُنْفِقُ إلَخْ) سَوَاءٌ الْتَقَطَهُ لِلْحِفْظِ أَوْ لِلتَّمَلُّكِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ. قَوْلُهُ: (أَعْتَقْته) وَكَالْعِتْقِ غَيْرُهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ، كَمَا فِي ابْنِ حَجَرٍ وَغَيْرِهِ، مِمَّا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَلَوْ عَادَ وَأَكْذَبَ نَفْسَهُ لِيَأْخُذَ الثَّمَنَ، فَفِي قَبُولِهِ وَجْهَانِ.

قَوْلُهُ: (غَيْرَ الْحَيَوَانِ) شَمِلَ الِاخْتِصَاصَ نَحْوَ كَلْبٍ مُعَلَّمٍ وَخَمْرٍ مُحْتَرَمَةٍ وَزِبْلٍ وَلُقَطَةٍ لِحِفْظٍ، أَوْ اخْتِصَاصٍ بَعْدَ التَّعْرِيفِ، ثُمَّ إنْ ظَهَرَ الْمَالِكُ أَخَذَ الْمَوْجُودَ، وَلَا ضَمَانَ فِيمَا تَلِفَ وَلَوْ بِإِتْلَافٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّارِحُ لِعَدَمِ تَأَتِّي مَا بَعْدَهُ فِيهِ مِنْ التَّفَاصِيلِ. فَرْعٌ يَجُوزُ الْتِقَاطُ السَّنَابِلِ لِلتَّمَلُّكِ إنْ أَعْرَضَ مَالِكُهَا عَنْهَا أَوْ عُلِمَ رِضَاهُ، وَلَوْ كَانَتْ فِي مَالٍ زَكَوِيٍّ وَلَا زَكَاةَ عَلَى الْمَالِكِ فِيهَا لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ فِي مَحِلِّ الْإِعْرَاضِ مِنْ الْمَالِكِ جُعِلَتْ كَذَلِكَ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ تَبَعًا. قَوْلُهُ: (وَبِإِذْنِهِ) وُجُوبًا بِأَنْ لَمْ يُخَفْ مِنْهُ عَلَيْهِ وَإِلَّا اسْتَقَلَّ.

قَوْلُهُ: (وَغَرِمَ قِيمَتَهُ) أَيْ وَقْتَ أَكْلِهِ حَالَ اللُّقَطَةِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ إفْرَازُهَا لِأَنَّ الذِّمَّةَ أَحْفَظُ، فَإِنْ أَفْرَزَهَا فَهِيَ أَمَانَةٌ، وَلَهُ تَمَلُّكُهَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ كَالثَّمَنِ.

قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ وَجَدَهُ فِي مَفَازَةٍ أَوْ عُمْرَانٍ) وَسَوَاءٌ زَمَنَ أَمْنٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْحَيَوَانِ مَنْعُ الْأَخِيرَةِ لِلتَّمَلُّكِ، وَيُؤْخَذُ الْفَرْقُ مِنْ التَّعْلِيلِ السَّابِقِ فِيهِ. قَوْلُهُ: (فِي الْقِسْمَيْنِ) أَيْ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ أَخْذًا مِنْ ذِكْرِهِ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ لِمَا سَيَأْتِي عَنْهُ أَيْ الْإِمَامِ. قَوْلُهُ: (أَنَّهُ لَا يَجِبُ) أَيْ مَا دَامَ فِي الْمَفَازَةِ وَإِلَّا وَجَبَ كَمَا مَرَّ، وَالتَّخْيِيرُ الْمَذْكُورُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْأَحَظِّيَّةِ لِلْمَالِكِ، وَإِلَّا وَجَبَ الْأَحَظُّ كَمَا مَرَّ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَتْ الْغِبْطَةُ إلَخْ) وَلَا يَجُوزُ هُنَا التَّمَلُّكُ وَالْأَكْلُ حَالًا لِبَقَائِهِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (أَوْ فِي تَجْفِيفِهِ) أَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ. قَوْلُهُ: (وَتَبَرَّعَ بِهِ) الْوَاجِدُ أَوْ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا بِيعَ بَعْضُهُ) وَتَقَدَّمَ فِي الْحَيَوَانِ مَنْعُ بَيْعِ بَعْضِهِ خَوْفَ اسْتِغْرَاقِهِ.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ أَخَذَ إلَخْ) وَهُوَ أَهْلُ لُقَطَةٍ لِلْحِفْظِ إلَخْ: أَيْ فَنَحْوُ صَبِيٍّ إذَا رَأَى وَلِيُّهُ أَنْ يَتَمَلَّكَ لَهُ لَمْ يَصْرِفْ مُؤْنَةَ التَّعْرِيفِ مِنْ مَالِهِ، بَلْ يَرْفَعُ الْأَمْرَ لِلْحَاكِمِ لِيَبِيعَ جُزْءًا مِنْهَا لَهُ.

ــ

[حاشية عميرة]

قَوْلُهُ: (وَالْأَمَةُ كَالْعَبْدِ) إلَّا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مَنْعُ لَقْطِهِ مَنْ تَحِلُّ لَهُ لِلتَّمَلُّكِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَجُوزُ) وَجْهُ اسْتِدْلَالِهِ التَّعْبِيرُ بِثُمَّ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَأَخُّرَ التَّمَلُّكِ عَنْ التَّعْرِيفِ فَيَنْتَفِي التَّمَلُّكُ حَالًا. وَأَمَّا خَصْلَةُ الْبَيْعِ فَكَأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِمَا الْآتِي وَإِذَا بِيعَ ثُمَّ ظَهَرَ الْمَالِكُ، فَإِنَّهُ مِنْ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا.

قَوْلُهُ: (كَمَأْكُولٍ وَثِيَابٍ إلَخْ) وَكَذَا خَمْرٌ مُحْتَرَمَةٌ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَإِنْ شَاءَ بَاعَهُ) وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْخَصْلَةِ الْآتِيَةِ بِالِاتِّفَاقِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَإِنْ شَاءَ إلَخْ) وَلَا تَأْتِي هُنَا الْخَصْلَةُ الثَّالِثَةُ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ إنْ وَجَدَهُ إلَخْ) هُوَ نَظِيرُ مَا سَلَفَ فِي الشَّاةِ مِنْ امْتِنَاعِ الْأَكْلِ فِيهَا مِنْ الْعُمْرَانِ. قَوْلُهُ: (فِي الْقِسْمَيْنِ) هُمَا الْحَيَوَانُ وَغَيْرُ الْحَيَوَانِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ) أَيْ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لِغَرَضِ ظُهُورِ صَاحِبِهِ قَبْلَ التَّمَلُّكِ وَقَدْ وُجِدَ، وَفَارَقَ الْعُمْرَانَ بِأَنْ يُرْجَى فِيهِ ظُهُورُ مَالِكِهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَتْ الْغِبْطَةُ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ، وَلَمْ أَرَ لِلْأَصْحَابِ جَوَازَ الْأَكْلِ هَا هُنَا، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَكْلِ وَالْبَيْعِ كَغَيْرِهِ، وَأَشَارَ الرُّويَانِيُّ إلَى تَفَرُّدِهِ لِإِمْكَانِ تَبْقِيَتِهِ، فَلَا ضَرُورَةَ لِلْأَكْلِ بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ وَمَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (لِتَجْفِيفِ الْبَاقِي) وَيُخَالِفُ الْحَيَوَانُ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُ كُلِّهِ، لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَأْكُلُهُ.

قَوْلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>