هو أن إبطال ذلك إبطال للنبوات والشرائع، وذلك أنه لا طريق لنا إلى معرفة صدق النبي من كذب المتنبىء إلا النظر والاستدلال؛ لأن صورة الكذب كصورة الصدق، فمتى ظهرت علامات المعجزة على النبي علمنا بالنظر فيها أنها من قِبَل الله تعالى، لأن غيره لا يقدر على إظهاره، ومتى علمنا أنها من قبل الله تعالى علمنا بالنظر أيضاً أن من ظهرت عليه هذه الأعلام صادق غير كاذب؛ لأن الله تعالى لا يظهر الأعلام على الكذابين، ولولا النظر والاستدلال لم يكن لنا طريق إلى معرفة شىء من ذلك، فكان يؤدي إلى إبطال الشرائع، وإفساد النبوات وترك التخيير بين الصادق [١٩٣/ب] والكاذب، والنبي والمتنبىء.
فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون العلم بما ذكرتموه من قِبَل الله تعالى وقِبَل رسوله قد وقع ضرورة لا استدلالاً ونظراً.
قيل: لو كان الأمر على ما ذكرتَ لكان يشترك في ذلك العلم جميعُ العقلاء، لأن العلم الضروري لا يختص به بعض العقلاء دون بعض إذا أشتركوا في طرقه، وفي علمنا بوجود جماعات كثيرة لم يقع لهم العلم بالله تعالى وبنبوة رسوله، مثل الملاحدة وأضرابهم من الكفار، لأنه لو وقع لهم العلم به ضرورة لم يصح اجتماعهم على نفيه، كما لا يصح اجتماع الجماعات العظيمة على نفي وقوع العلم بالبلدان وبوجود المحسوسات من الأجسام، وفي بطلان ذلك دليل على فساد ذلك.
ولأنه لو جاز وقوع العلم بالله تعالى في حال التكليف ضرورة لكان العلم
= وقد أورد شيخ الإِسلام ابن تيمية قوله في كتابه: درء تعارض العقل والنقل (٧/٤٣٢-٤٤٠) وعلق عليه، فارجع إليه، فإنه مفيد.