للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بنبوة الرسول -عليه السلام- أولى أن يقع ضرورة، ولو جاز ذلك لم يكن لإظهار الأعلام معنى، بل كان (١) يكون ذلك عبثاً.

ويدل عليه أيضاً:

أننا نجد كل عاقل إذا نابته نائبة من أمور دينه ودنياه، فإنه يفزع إلى عقله ليتحرز به من ضرر، أو ليتوصل به إلى نفع، ألا ترى أنه إذا رأي في الطريق أثر سبع امتنع من سلوكه. وإذا رأى أثراً لماء وبه عطش أسرع في طلبه، فلولا أن النظر والاستدلال طريق إلى العلوم العقلية لم يفزع العاقل إليها في جر المنافع ودفع المضار، كما لا يفزع في إدراك السماع إلى آلة الشم، وفي إدراك الشم إلى آلة البصر، وإذا كان كذلك ثبت أن النظر من طريق العقل واجب بعد السمع.

ويدل على بطلان التقليد:

أن الذى قلده المقلد لا يخلو من أن يكون ما قلده فيه قد علمه بالاستدلال والنظر، أو أخذه تقليداً من غيره، ولا جائز أن يكون قد علمه ضرورة كما دللنا عليه، فإن علمه استدلالاً ونظراً فقد بطل التقليد، وإن أخبره تقليداً كان الكلام ممن قلده إياه كالكلام فيه، فيؤدي إلى إثبات مالا نهاية له من المقلدين، وفي بطلان ذلك دليل على بطلان القول بالتقليد.

ويدل عليه أيضاً: أن الذي قلده المقلد لا يخلو من أن يكون ممن يجوز عليه الضلال، أو لا يجوز ذك عليه، وبطل أن يكون ممن لا يجوز عليه ذلك؛ لأن هذا لا يجوز أن يحكم به إلا لمن يشهد له به النبي، فإذا كان ممن يجوز عليه الضلال لم يأمن المقلد له أن يكون مبطلاً في تقليده إياه، وإذا لم يأمن ذلك لم يجز تقليده.


(١) هكذا في الأصل: و (كان) هنا زائدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>