للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: أليس قد جاز له تقليد النبي فيما يأمره به؟ ويجوز للعامي أن يقلد المفتي فيما يفتيه به.

ولأن أول من قاس إبليس (١) ، فكان (١٩٤/أ) قياسه كفراً.

قيل: ما يأخذه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يكون على وجه التقليد؛ لأن الله تعالى قد دلنا على صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى أنه لا يأمرنا إلا بالحق، والتقليد المحظور هو ما يأخذه المقلد من غيره من غير أن يدل عليه عنده دلالة على صحته، أو يعلم في الجملة أن فرضه تقليد المفتي فيما يفتيه به، فلهذا افترق الأمران.

وقوله: [أول] من قاس إبليس، وكان كافراً، فإنه يقابل بمن قال:

أول من قاس الملائكة، وكان قياسُهم صواباً.


(١) هذا أثر أخرجه ابن جرير في تفسيره عند الكلام على قوله تعالى: (قَالَ مَا مَنَعَكَ ألاَّ تسْجُدَ إذْ أمَرْتُكَ قَالَ أنَا خَيْرٌ منهُ خَلَقْتَنِى مِن نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِين) آية (١٢) من سورة الأعراف (١٢/٣٢٨) أخرجه بسنده عن ابن سيرين قال (أول من قاس إبليس، وما عُبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس) .
وعن ابن سيرين أخرجه ابن عبد البر في كتابه: جامع بيان العلم وفضله (٢/٩٣) بمثل لفظ ابن جرير.
كما أخرجه عنه ابن حزم في كتابه الِإحكام (١٠/١٠٧٣) ولفظه: ( ... عن أبي هند قال: سمعت محمد بن سيرين يقول: القياس شؤم، وأول من قاس إبليس فهلك، وإنما عُبدت الشمس والقمر بالمقاييس) .
وروي هذا الأثر عن الحسن، أخرجه عنه ابن جرير بسنده في الموضع السابق، ولفظه: (قاس إبليس، وهو أول من قاس) .
وأخرجه عنه ابن عبد البر بسنده في كتابه: جامع بيان العلم في الموضع السابق، ولفظه: (أول من قاس إبليس، قال: "خَلَقْتَنِى مِن نًارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِين") .
ونسبه الخطيب في كتابه الفقيه والمتفقه (١/٢٠٥) إلى جعفر بن محمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>