ويبين صحة هذا أنه لا يجوز أن تكون أحوال الناطقين الأصحاء العقلاء أَدْوَنَ من الخرس في تأتي المواضعة منهم على معاني رموزهم وإشاراتهم، وإن لم يتقدم لهم إشارات أُخَرُ وقفوا على معناها؛ ولأن الله تعالى إذا أراد توقيفهم للمواضعة على ذلك جمع عليها هممهم، ووفر دواعيهم، وسهل سبيل ذلك لهم.
وأما قوله تعالى:{وَعَلَّمَ آَدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} : فذكر أبو بكر في كتاب التفسير فقال: وأولى بالصواب: أسماء ذريته وأسماء الملائكة، دون أسماء سائر أجناس الخلق، قال: وذلك أن الله تعالى قال: {ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَءِ} يعني بذلك: أعيان المسمين؛ إذ لا تكاد العرب تكني بالهاء والميم إلا عن أسماء بني آدم والملائكة، فأما إذا كنّت عن أسماء البهائم، وسائر الخلق، سوى من وصفها، فإنها تكني عنها بالهاء والألف أو بالهاء والنون، فقالت:"عرضهن"، أو "عرضها". وكذلك تفعل إذا كنّت عن أصناف من الخلق والبهائم والطير وسائر أصناف الأمم، وفيها أسماء بني آدم والملائكة، تكني عنها بما وصفنا من الهاء والنون والهاء والألف، لا كل بني آدم نحو قوله تعالى:{وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} ١، فكنى عنها بالهاء والميم؛ لأنها أصناف مختلفة، فيها الآدمي.
وقيل في جواب ذلك: أن يدل على أنه علمها آدم ووقفه عليها، وذلك لا يمنع المواضعة عليها مع تعليم آدم إيَّاها، ومع بدل تعليمه لو ترك ذلك.
وقيل: إنه لم يخبر تعالى أنه وقف جميع الخلق على الأسماء، وإنما أخبر أنه وقف آدم على ذلك، وليس فيه ما يمنع أن يكون قد اتفق لأهل كل اللغة تواضعهم بما في مثل ما وقفه الله عليه أو كثير منه.