للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي يدل على أنه منهم استثناؤه من جملتهم، وحقيقة الاستثناء أن يكون من جنس المستثنى. ولأنه وبَّخَه وعاقبه على ترك السجود، والأمر بالسجود كان للملائكة، فلولا أنه منهم لم يحصل مخالفة بتركه.

ويدل عليه أيضًا قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ} ١، فنفي التخيير في الأمر وجعله ضالا مع التخيير، ومن قال: الأمر على الندب أو الإباحة خَيَّرَه.

فإن قيل: إنما قال هذا فيما قضاه، وما قضاه واجب، وخلافنا فيما أمر به.

قيل: ما قضاه لا صيغة له تدل على أنه واجب ولا ندب وهو دون مرتبة الأمر، ومع هذا فلم يجعل له الخيرة، فأولى أن لا يجعل له ذلك في الأمر، وعلى أن تعلقنا بقوله: {إِذَا قَضَى أَمْرًا} فعاد الكلام إلى قوله: {أَمْرًا} .

ويدل عليه أيضًا قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم} ٢، فتوعد على مخالفة الأمر بالفتنة والعذاب، فلولا أن إطلاقه يقتضي الوجوب لم يتوعد عليه.

وحكي عن الحسن البصري٣، أنه لم يكن من الملائكة، يعني إبليس.


١ "٣٦" سورة الأحزاب.
٢ "٦٣" سورة النور.
٣ هو الحسن بن أبي الحسن يسار البصري، أبو سعيد، تابعي، زاهد، عالم. خرَّج له الجماعة، ولد بالمدينة المنورة لسنتين بقيتا من خلافة عمر -رضي الله عنه. مات بالبصرة سنة: ١١٠هـ.
انظر ترجمته في: تذكرة الحفاظ "١/ ٧١"، وشذرات الذهب "١/ ١٣٦"، و"طبقات المفسرين" للداودي "١/ ١٤٧"، وميزان الاعتدال "١/ ٥٢٧"، والنجوم الزاهرة "١/ ٢٦٧"، ووفَيَات الأعيان "١/ ٣٥٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>