للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو ظاهر كلام أبي إسحاق من أصحابنا؛ لأنه قال: سمعت الشيخ يقول: إبليس من الملائكة. فقلت: أجمعنا على أن الملائكة لا تتناكح، ولا تكون لها ذرية، وإبليس له ذرية قوله تعالى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي} ١ فدلَّ على أنه من غيرهم.

وهذا لا يدل على أنه لم يكن منهم حين الخطاب؛ لأنه لا يمتنع أن يكون منهم حين الخطاب؛ لأنه لا يمتنع أن تكون حاله تغيرت بعد المخالفة، كما تغيرت حال الملكين الذين نزلا بأرض بابل لما خالفا، فأكلا الطعام وشربا الشراب وحصلت فيهم شهوة النساء، وإن لم تكن هذه صفة الملائكة، كذلك إبليس.

ويدل عليه قوله تعالى: {أَفَعَصَيتَ أَمْرِي} ٢، فدلَّ على أن مخالفة الأمر معصية، ولم يقل: أعصيت ما دلَّ على وجوب الأمر؟ بل علَّق المعصية [٢٢/ ب] بمخالفة الأمر، وليس له صيغة غير لفظة: افعل، ألا ترى أن هذه اللفظة هي التي ترك امتثالها إبليس، فَذُمَّ، وهو قوله للملائكة: {اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا} فعلم أن هذه صيغة الأمر.

ويدلُّ عليه ما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" ٣، ومعلوم أن السواك مستحب، فدل على أنه لو أمر به لوجب.


١ "٥٠" سورة الكهف.
٢ "٩٣" سورة طه.
٣ هذا الحديث رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: أخرجه عنه البخاري في =

<<  <  ج: ص:  >  >>