لكان نقلها أولى من لفظ الأمر، ولصار تركها تضييعًا لنقل الشريعة، وغير جائز حمل أمر الصحابة على هذا المعنى.
فإن قيل: ما ذكرتموه ليس بلفظ عنهم يقع الاحتجاج به.
قيل: استعمالهم لذلك دلالة على إثبات لغة العرب، لأنها الأصل في اللغة، يجري مجرى استعمالها للفظ الأمر كاستعمالها لسائر ألفاظ اللغة.
فإن قيل: ما رويتموه عنهم لا يقع به العلم فلم يجز إثبات مثل هذا الحكم الذي هو أصل به.
قيل: هذا القائل يجوز إثبات الأسامي الشرعية من جهة الآحاد، فكان إثبات قول يعرب وقحطان أولى بالإثبات.
فإن قيل: فالصحابة قد كانت تعتقد الإباحة في بعض الأوامر، ولم يدل هذا على أنه ظاهر اللفظ.
قيل: من أثبت غير الوجوب فإنما أثبته بدلالة.
فإن قيل: فقد روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم: دعى المصلي وهو في صلاته، فلو كان قد اعتقد وجوب الأوامر بقوله تعالى:{اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} لم يترك ذلك.
قيل: لا يمتنع أن يكون قد اعتقد وجوب ذلك، وقدم عليه قوله تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} ١ على إقامتها والمضي فيها، دون تركها والاشتغال بغيرها.
وجواب آخر وهو: أن الأمر في الآية متعلق بشرط، فجائز أن يكون السامع لم يعلم بوجوده، فلذلك أَخَّرَ الجواب.