والجواب: أنه لم يجز إلحاق التخصيص بالاستثناء دون إلحاقه بالنسخ، وإلحاقه بالنسخ أولى، لأن لفظ الخصوص إذا انفرد استقل بنفسه، فإنه يقول بعد يوم: لاتقتل أهل الذمة فيفيد حكماً بنفسه كلفظ النسخ، فكان إلحاقه به أولى. ويفارق لفظ الاستثناء، فإنه لا يستقل بنفسه، ولا يفيد حكماً، فإنه لو قال: اقتلوا المشركين، ثم قال بعد يوم: إلا أهل الذمة لم يفد هذا بمجرده فائدة، لأنه لا ندري هذا الكلام إلى ماذا يرجع.
واحتج: بأن الله تعالى أمر نبيه بالتبليغ على الفور، فإذا أخر البيان عن وقت الخطاب، لايكون قد بلغ على الفور.
والجواب: أنا لا نسلم أنه أمر بالتبليغ على الفور، بل أمر به على التراخي، وعلى أن البيان مخالف لحكم التبليغ، وذلك لأن التبليغ يجوز أن يتأخر بدليل آخر يدل عليه، والبيان لا يجوز عندهم أن يتأخر بدليل يدل عليه، فلم يجز اعتبار أحدهما بالآخر.
واحتج: بأن تأخير البيان يفضي إلى أن يكون اللفظ الوارد في حكم ما لم يرد ويكون المخاطب به بعد وروده بمنزلته قبل وروده؛ لأنه لا ندري المراد به.
والجواب: أنه باطل بالنسخ، فإن لفظ العموم المستغرق للأزمان يرد (١) مع تجويز النسخ، ولا يكون بمنزلة ما لم يرد، وعلى أنه إذا لم يرد، لم يعقل المكلف شيئاً، ولا يفيد إلزام حكم عبادة، وليس كذلك [١٠٣/أ] ، ها هنا، فإنه يفيد إلزام حكم عبادة واعتقاد العموم، إن عريَ اللفظ عن دليل التخصيص.
واحتج: بأنه لو جاز تأخير البيان، وأن يكون بيانه من جهة النبي - صلى الله عليه وسلم - فيخترم النبي قبل بيان المراد به، فيلزم الأمة العمل، كذلك
(١) في الأصل: (فيرد) ، والفاء هنا لا معنى لها، لذلك حذفناها.