للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَيْعُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَشْرُوعُ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ وَيُفِيدُ الْحُكْمَ بِنَفْسِهِ إذَا خَلَا عَنْ الْمَوَانِعِ، وَبَاطِلٌ وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ أَصْلًا وَفَاسِدٌ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ وَهُوَ يُفِيدُ الْحُكْمَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ وَمَوْقُوفٌ وَهُوَ يُفِيدُ الْحُكْمَ عَلَى سَبِيلِ التَّوَقُّفِ وَامْتَنَعَ تَمَامُهُ لِأَجْلِ غَيْرِهِ وَهُوَ بَيْعُ مِلْكِ الْغَيْرِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْخَمْرِ وَالْحُرِّ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ) لِعَدَمِ رُكْنِ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَبَيْعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بَاطِلٌ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ (فَلَوْ هَلَكَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَضْمَنْ)؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي الْبَاطِلِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَبَقِيَ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَقِيلَ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَقِيلَ الْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّانِي قَوْلُهُمَا وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ بَيْعَ مَا لَيْسَ بِمَالٍ عِنْدَ أَحَدٍ كَالْحُرِّ وَالدَّمِ وَالْمَيْتَةِ الَّتِي مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مَالًا عِنْدَ الْبَعْضِ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ الَّتِي لَمْ تَمُتْ حَتْفَ أَنْفِهَا مِثْلَ الْمَوْقُوذَةِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مَالٌ عِنْدَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنْ بِيعَتْ بِدَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ بِيعَتْ بِعَيْنٍ فَهُوَ فَاسِدٌ فِي حَقِّ مَا يُقَابِلُهَا حَتَّى يَمْلِكَ وَيَضْمَنَ بِالْقَبْضِ، بَاطِلٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا حَتَّى لَا تَضْمَنَ وَلَا تَمْلِكَ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ لِمَا أَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ بِإِهَانَتِهَا وَفِي تَمَلُّكِهَا بِالْعَقْدِ مَقْصُودًا إعْزَازٌ لَهَا فَكَانَ بَاطِلًا وَذَلِكَ بِأَنْ يَشْتَرِيَهَا بِدَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ غَيْرُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِ مَا فِي ذِمَّةِ الْغَيْرِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ مِمَّنْ عَلَيْهِ وَهُوَ كَبَيْعِ الْمَغْصُوبِ يَصِحُّ مِنْ الْغَاصِبِ وَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِهِ إذَا كَانَ الْغَاصِبُ مُنْكِرًا وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ عَاجِزٌ عَنْ التَّسْلِيمِ وَكَذَلِكَ الصَّفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ نَحْوَ إنْ قَالَ أَبِيعُك هَذَا عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي هَذَا؛ لِأَنَّهُ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَعَنْ بَيْعَيْنِ فِي بَيْعٍ» وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُك هَذَا بِقَفِيزَيْنِ حِنْطَةً أَوْ بِقَفِيزَيْنِ شَعِيرًا وَهَذَا بَيْعَانِ فِي بَيْعٍ وَاحِدٍ وَكَذَلِكَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ» كَمَا إذَا قَالَ إنْ أَعْطَيْتنِي الثَّمَنَ حَالًّا فَبِكَذَا وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَبِكَذَا وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْأَوْصَافِ مِنْ الْحَيَوَانِ كَبَيْعِ الْأَلْيَة مِنْ الشَّاةِ الْحَيَّةِ؛ لِأَنَّهَا حَرَامٌ قَبْلَ الذَّبْحِ وَإِيجَابُ الذَّبْحِ عَلَى الْبَائِعِ ضَرَرٌ بِهِ، وَكَذَا بَيْعُ الْأَتْبَاعِ كَبَيْعِ نِتَاجِ الْفَرَسِ وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَبَلَةِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ وَفِي اللَّبَنِ غَرَرٌ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ انْتِفَاخٌ، وَكَذَا بَيْعُ مَا لَا يَتَبَعَّضُ مِنْ غَيْرِ الْحَيَوَانِ إلَّا بِضَرَرٍ كَبَيْعِ ذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ مَنْفِيٌّ شَرْعًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ جَازَ كَبَيْعِ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ وَكَبَيْعِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَشِرَاءِ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ فِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ وَسَيَجِيءُ بَيَانُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مُصَنَّفَ الْقُدُورِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَقَّبَ الْبَابَ بِالْفَاسِدِ وَإِنْ ابْتَدَأَ بِالْبَيْعِ الْبَاطِلِ بِقَوْلِهِ كَالْبَيْعِ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ أَعَمُّ مِنْ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَاطِلٍ فَاسِدٌ وَلَا يَنْعَكِسُ وَهَذَا لِأَنَّ الْبَاطِلَ مُضْمَحِلُّ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ جَمِيعًا وَالْفَاسِدُ مُضْمَحِلُّ الْوَصْفِ دُونَ الْأَصْلِ كَالْجَوْهَرِ إذَا تَغَيَّرَ وَاصْفَرَّ يُقَالُ فَسَدَ وَإِذَا لَمْ يَبْقَ صَالِحًا لِشَيْءٍ يُقَالُ بَطَلَ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ وَجْهُ تَقْدِيمِ الصَّحِيحِ عَلَى الْفَاسِدِ أَنَّهُ الْمُوَصِّلُ إلَى تَمَامِ الْمَقْصُودِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ سَلَامَةُ الدِّينِ الَّتِي شُرِّعَتْ لَهَا الْعُقُودُ لِيَنْدَفِعَ التَّغَالُبُ وَالْوُصُولُ إلَى الْحَاجَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا بِالصِّحَّةِ، وَأَمَّا الْفَاسِدُ فَعَقْدٌ مُخَالِفٌ لِلدِّينِ ثُمَّ إنْ أَفَادَ الْمِلْكَ وَهُوَ مَقْصُودٌ فِي الْجُمْلَةِ لَكِنْ لَا يُفِيدُ تَمَامَهُ إذْ لَمْ يَنْقَطِعْ بِهِ حَقُّ الْبَائِعِ مِنْ الْمَبِيعِ وَلَا الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ إذْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَسْخُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ثُمَّ لَفْظُ الْفَاسِدِ فِي قَوْلِهِ بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَفِي قَوْلِهِ إذَا كَانَ الْعِوَضَانِ أَوْ كِلَاهُمَا مُحَرَّمًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْأَعَمِّ مِنْ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ فَالشَّارِحُونَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْفَاسِدَ أَعَمُّ مِنْ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ غَيْرُ الْمَشْرُوعِ بِوَصْفِهِ بَلْ بِأَصْلِهِ وَالْبَاطِلَ غَيْرُ الْمَشْرُوعِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى غَيْرِ الْمَشْرُوعِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُقَالُ حَقِيقَةً عَلَى الْبَاطِلِ لَكِنَّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ أَنَّهُ يُبَايِنُهُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا إنَّ حُكْمَ الْفَاسِدِ إفَادَةُ الْمِلْكِ بِطَرِيقِهِ وَالْبَاطِلُ لَا يُفِيدُ أَصْلًا فَقَابَلُوهُ بِهِ وَأَعْطَوْهُ حُكْمًا يُبَايِنُ حُكْمَهُ وَهُوَ دَلِيلُ تَبَايُنِهِمَا بِتَبَايُنِهِمَا وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ فِي مَفْهُومِهِ أَوْ لَازِمٌ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ لَا وَصْفِهِ وَفِي الْبَاطِلِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِأَصْلِهِ فَبَيْنَهُمَا تَبَايُنٌ فَإِنَّ الْمَشْرُوعَ بِأَصْلِهِ وَغَيْرَ الْمَشْرُوعِ مُتَبَايِنَانِ فَكَيْفَ يَتَصَادَقَانِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْفَاسِدِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْأَعَمِّ وَالْأَخَصِّ الْمَشْرُوعِ بِأَصْلِهِ لَا بِوَصْفِهِ فِي الْعُرْفِ لَكِنْ نَجْعَلُهُ مَجَازًا عُرْفِيًّا فِي الْأَعَمِّ؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَلِهَذَا وَجَّهَ بَعْضُهُمْ الْأَعَمِّيَّةَ بِأَنَّهُ يُقَالُ لِلَّحْمِ إذَا صَارَ بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ لِلدُّودِ وَالسُّوسِ بَطَلَ اللَّحْمُ وَإِذَا أَنْتَنَ وَهُوَ بِحَيْثُ يُنْتَفَعُ بِهِ فَسَدَ اللَّحْمُ فَاعْتُبِرَ مَعْنَى اللُّغَةِ وَلِذَا أَدْخَلَهُ بَعْضُهُمْ أَيْضًا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِشُمُولِهِ الْمَكْرُوهَ؛ لِأَنَّهُ فَائِتُ وَصْفِ الْكَمَالِ بِسَبَبِ وَصْفِ مُجَاوِرِهِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْمَيْتَةِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَأَمَّا الْبَيْعُ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ بَاطِلٌ وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْحُرِّ وَذَلِكَ لِانْعِدَامِ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهَا مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ عَلَى التَّرَاضِي وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَيْسَتْ بِمَالٍ عِنْدَ أَحَدٍ مِمَّنْ لَهُ دِينٌ سَمَاوِيٌّ فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ وَلَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ فَاسِدٌ لَا بَاطِلٌ وَيُفِيدُ الْمِلْكَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً بِأَنْ يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي عَقِيبَ الْبَيْعِ وَلَا يَنْهَاهُ الْبَائِعُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَكِنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ التَّقَوُّمَ بِدَلِيلِ حِلِّ الْإِتْلَافِ بِلَا ضَمَانٍ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ صَلَحَ ثَمَنًا وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ لَمْ يَصْلُحْ ثَمَنًا فَكَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ وَهُوَ الْفَاسِدُ لَمْ يَكْتُبْ الْمُحَشِّي. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَمْلِكَ) أَيْ فَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي بِهَا عَبْدًا فَعَتَقَهُ الْمُشْتَرِي نَفَذَ عِتْقُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>