إذَا زَوَّجَهُ عَمْيَاءَ أَوْ مَقْطُوعَةَ الْيَدَيْنِ أَوْ رَتْقَاءَ أَوْ مَفْلُوجَةً أَوْ مَجْنُونَةً وَلَهُمَا أَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ كَمَا فِي التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ الْفَحْمِ وَالْجَمَدِ حَيْثُ يَتَقَيَّدُ بِأَيَّامِهِ، وَكَالتَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ اللَّحْمِ حَيْثُ يَتَقَيَّدُ بِالنِّيءِ إنْ كَانَ مُقِيمًا بِالْمَطْبُوخِ وَالْمَشْوِيِّ إنْ كَانَ مُسَافِرًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعُرْفَ مُشْتَرَكٌ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَتَزَوَّجُ الْكُفْءَ وَغَيْرَ الْكُفْءِ طَلَبًا لِتَخْفِيفِ الْمُؤْنَةِ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ وَإِلْغَاءُ إطْلَاقِهِ أَوْ هُوَ عُرْفٌ عَمَلِيٌّ فَلَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَلَبِسَ ثَوْبَ حَرِيرٍ أَوْ أَكَلَ لَحْمَ خِنْزِيرٍ أَوْ لَحْمَ إنْسَانٍ أَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ حَيَوَانًا فَرَكِبَ إنْسَانًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ وَتَنَاوُلِهِ إيَّاهُ لُغَةً
وَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ بِخِلَافِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً فَرَكِبَ إنْسَانًا حَيْثُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الدَّابَّةِ فِي الْعُرْفِ لَا يَتَنَاوَلُ الْإِنْسَانَ فَصَلُحَ مُقَيَّدًا لِكَوْنِهِ عُرْفًا لَفْظِيًّا وَلَفْظُ الْمَرْأَةِ يَتَنَاوَلُ الْحُرَّةَ وَالْأَمَةَ عَلَى السَّوَاءِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً فَتَزَوَّجَ أَمَةً يَحْنَثُ، وَالْعُرْفُ فِي مَسْأَلَةِ التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ الْفَحْمِ وَالْجَمَدِ وَاللَّحْمِ مُشْتَهِرٌ وَفِي الْمَرْأَةِ مُشْتَرَكٌ وَذُكِرَ فِي الْوَكَالَةِ أَنَّ اعْتِبَارَ الْكَفَاءَةِ فِي هَذَا اسْتِحْسَانٌ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَعْجِزُ عَنْ التَّزَوُّجِ بِمُطْلَقِ الْمَرْأَةِ فَكَانَتْ الِاسْتِعَانَةُ فِي التَّزَوُّجِ بِالْكُفْءِ وَلَوْ زَوَّجَهُ صَغِيرَةً لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا جَازَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْمَرْأَةِ يَتَنَاوَلُهَا وَلِهَذَا دَخَلَتْ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ} [النساء: ١٢]، وَكَذَا الْعُرْفُ جَارٍ بِتَزَوُّجِ الصَّغِيرَةِ كَتَزَوُّجِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِعَائِشَةَ وَهِيَ صَغِيرَةٌ وَلَوْ زَوَّجَهُ الْوَكِيلُ ابْنَتَهُ الْكَبِيرَةَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُقَيَّدُ بِغَيْرِ مَوَاضِعِ التُّهَمِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَلَوْ زَوَّجَهُ أُخْتَهُ الْكَبِيرَةَ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَفِي الْمُنْتَقَى وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا بِأَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ أَوْ بِنْتَ أَخِيهِ الصَّغِيرَةَ وَهُوَ وَلِيُّهَا لَمْ يَجُزْ
وَكَذَا إذَا وَكَّلَ رَجُلٌ امْرَأَةً أَنْ تُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَتْهُ نَفْسَهَا لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا لَوْ أَمَرَتْ امْرَأَةٌ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهَا فَزَوَّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا إذَا زَوَّجَهَا غَيْرَ كُفْءٍ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُعَيَّرُ بِعَدَمِ الْكُفْءِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ، وَقِيلَ هُوَ قَوْلُهُمَا، وَعِنْدَهُ يَجُوزُ لِلْإِطْلَاقِ فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ، وَلَوْ كَانَ كُفْئًا إلَّا أَنَّهُ أَعْمَى أَوْ مُقْعَدٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ خَصِيٌّ أَوْ عِنِّينٌ أَوْ مَعْتُوهٌ فَهُوَ جَائِزٌ، وَفِي الذَّخِيرَةِ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهُ بِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ إجْمَاعًا، وَكَذَا بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ بِالْعُرْفِ وَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى مُوَكِّلِهِ فَتَتَمَكَّنُ التُّهْمَةُ فِي تَصَرُّفِهِ بِأَنْ وَجَدَ الصَّفْقَةَ خَاسِرَةً وَحَوَّلَهَا إلَى مُوَكِّلِهِ وَفِي النِّكَاحِ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَتِهِ إلَى مُوَكِّلِهِ فَلَا تُهْمَةَ فِيهِ
وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِلْمُوَكِّلِ فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ وَفِي التَّحْرِيرِ يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ، ثُمَّ كُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا فِيهِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ بَلْ يَكُونُ مَوْقُوفًا لِكَوْنِهِ فُضُولِيًّا فِيهِ وَلَا تَنْتَهِي بِهِ الْوَكَالَةُ لِلْعَدَمِ مِنْ وَجْهٍ فَصَارَ كَمَا إذَا زَوَّجَهُ الْوَكِيلُ امْرَأَةً بِغَيْرِ رِضَاهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(بَابُ الْمَهْرِ).
لَمَّا ذَكَرَ رُكْنَ النِّكَاحِ وَشَرْطَهُ وَمَا هُوَ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِهِ وَهُوَ وُجُوبُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَعِنْدَهُمَا مُعْتَبَرَةٌ اسْتِحْسَانًا نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي الْبَدَائِعِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ إنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُمَا لِأَجْلِ مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ وَلَا دَلَالَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ الْمُطْلَقَ يَتَقَيَّدُ بِالْمُتَعَارَفِ، وَلَيْسَ فِي الْعُرْفِ تَزَوُّجُ الْأُمَرَاءِ بِالْإِمَاءِ، وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا فِي وَكَالَةِ الْأَصْلِ فَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلًا عَلَى اعْتِبَارِ الْكَفَاءَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا قُرَشِيَّةٌ فَظَهَرَتْ نَبَطِيَّةً فَلَهُ الْخِيَارُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا خِيَارَ لَهُ وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ الْكَفَاءَةُ فِي النِّسَاءِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا مُعْتَبَرَةٌ وَيُرْوَى غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ حَتَّى لَمْ يَكُنْ لِأَوْلِيَائِهِ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْأَمِيرِ إذَا تَزَوَّجَ وَضِيعَةً وَفِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَقِيلَ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُمَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعُرْفَ مُشْتَرَكٌ) أَيْ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا قُلْتُمْ وَيُسْتَعْمَلُ فِيمَا قُلْنَا فَلَا يَكُونُ حُجَّةً لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَالْوَاقِعُ مِنْ أَهْلِ الْعُرْفِ تَزَوُّجُهُمْ بِالْمُكَافِئَاتِ وَغَيْرِ الْمُكَافِئَاتِ، فَلَيْسَ مُخْتَصًّا بِتَزْوِيجِ الْمُكَافِئَاتِ لِيَنْصَرِفَ الْإِطْلَاقُ إلَيْهِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: أَوْ هُوَ عُرْفٌ عَمَلِيٌّ) أَيْ لَا لَفْظِيٌّ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: جَازَ بِالْإِجْمَاعِ)، وَقِيلَ هُوَ عَلَى قَوْلِهِ خِلَافًا لَهُمَا اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ إلَّا بِرِضَا الزَّوْجِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ وَلِيُّهَا لَمْ يَجُزْ) أَيْ لَمْ يَنْفُذْ عَلَى الْمُوَكِّلِ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَزَوَّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ) يُنْظَرُ فِي هَذَا وَفِي قِصَّةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَبِنْتِ قَارِظٍ عَلَى مَا مَرَّ فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا زَوَّجَهَا غَيْرَ كُفْءٍ) أَيْ لَمْ يَنْفُذْ عَلَيْهَا بَلْ يَتَوَقَّفُ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ مَعْتُوهٌ فَهُوَ جَائِزٌ) كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَفِي الْمُحِيطِ عِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ إلَخْ) وَفِي الْمُحِيطِ الْوَكِيلُ بِشِرَاءٍ مُعَيَّنٍ إذَا لَمْ يُسَمِّ لَهُ الثَّمَنَ يَشْتَرِيهِ لِمُوَكِّلِهِ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ اهـ. غَايَةٌ
[بَابُ الْمَهْرِ]
قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَهْرُ حُكْمُ الْعَقْدِ فَيَتَعَقَّبُهُ فِي الْوُجُودِ فَعَقَّبَهُ إيَّاهُ فِي الْبَيَانِ لِيُحَاذِيَ بِتَحْقِيقِهِ الْوُجُودِيِّ تَحْقِيقَهُ التَّعْلِيمِيَّ اهـ. وَالْمَهْرُ لَهُ تِسْعَةُ أَسْمَاءٍ، الصَّدَاقُ وَالصَّدَقَةُ وَالْمَهْرُ وَالنِّحْلَةُ وَالْأَجْرُ وَالْفَرِيضَةُ وَالْعَلَائِقُ وَالْعُقْرُ وَهُوَ غَالِبٌ فِي الْإِمَاءِ وَالْحِبَاءِ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَدُّوا الْعَلَائِقَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْعَلَائِقُ قَالَ مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْأَهْلُونَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ لَهَا عُقْرُ نِسَائِهَا يُقَالُ أَصْدَقَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute