للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَتَّى لَوْ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَقَضَاهَا فِي آخِرِ الصَّلَاةِ جَازَ وَلَوْ كَانَ التَّرْتِيبُ فَرْضًا لَمَا جَازَ، وَكَذَا مَا يَقْضِيهِ الْمَسْبُوقُ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ أَوَّلَ صَلَاتِهِ عِنْدَنَا وَلَوْ كَانَ التَّرْتِيبُ فَرْضًا لَكَانَ آخِرًا، وَأَمَّا مَا شُرِعَ غَيْرُ مُكَرَّرٍ فِي رَكْعَةٍ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ أَوْ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ كَالْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ فَالتَّرْتِيبُ فِيهِ فَرْضٌ حَتَّى لَوْ رَكَعَ قَبْلَ الْقِيَامِ أَوْ سَجَدَ قَبْلَ الرُّكُوعِ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةً أَوْ نَحْوَهَا بَطَلَ الْقُعُودُ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِيهِ فَرْضٌ وَإِنَّمَا كَانَ فَرْضًا؛ لِأَنَّ مَا اتَّحَدَتْ شَرْعِيَّتُهُ يُرَاعَى وُجُودُهُ صُورَةً وَمَعْنًى فِي مَحَلِّهِ تَحَرُّزًا عَنْ تَفْوِيتِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ جُزْءًا أَوْ كُلًّا إذْ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ جُزْءًا أَوْ كُلًّا مِنْ جِنْسِهِ لِضَرُورَةِ اتِّحَادِهِ فِي الشَّرْعِيَّةِ وَالْإِفْرَادُ بِالشَّرْعِيَّةِ دَلِيلُ تَوَقُّفِ ذَلِكَ عَلَيْهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ) وَهُوَ تَسْكِينُ الْجَوَارِحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ وَأَدْنَاهُ مِقْدَارُ تَسْبِيحَةٍ وَهَذَا تَخْرِيجُ الْكَرْخِيِّ وَفِي تَخْرِيجِ الْجُرْجَانِيِّ سُنَّةٌ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِتَكْمِيلِ الْأَرْكَانِ وَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ لِذَاتِهِ فَيَكُونُ سُنَّةً وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ شُرِعَ لِتَكْمِيلِ رُكْنٍ فَيَكُونُ وَاجِبًا كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ فَرْضٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمَنْ أَخَفَّ الصَّلَاةَ «صَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ إلَى أَنْ قَالَ، ثُمَّ يُكَبِّرَ فَيَرْكَعَ فَيَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ وَيَسْتَرْخِيَ» الْحَدِيثُ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: ٧٧] أُمِرْنَا بِالرُّكُوعِ وَهُوَ الِانْحِنَاءُ لُغَةً وَبِالسُّجُودِ وَهُوَ الِانْخِفَاضُ لُغَةً فَتَتَعَلَّقُ الرُّكْنِيَّةُ بِالْأَدْنَى مِنْهُمَا وَفِي آخِرِ مَا رَوَاهُ سَمَّاهُ صَلَاةٌ فَقَالَ لَهُ «إذَا فَعَلْت ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك وَإِذَا انْتَقَصْت مِنْهَا شَيْئًا انْتَقَصَ مِنْ صَلَاتِك وَلَمْ تَذْهَبْ كُلُّهَا» وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْأَحْكَامِ وَهَذَا نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي أَيْضًا؛ لِأَنَّ فِيهِ وَضْعَ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ وَالثَّنَاءَ وَالتَّسْمِيعَ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فَرْضًا بِالْإِجْمَاعِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقُعُودُ الْأَوَّلُ) وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ وَالْكَرْخِيُّ هُوَ سُنَّةٌ وَقَدْ عُرِفَ فِي الْمُطَوَّلَاتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالتَّشَهُّدُ وَلَفْظُ السَّلَامِ وَقُنُوتُ الْوِتْرِ وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدَيْنِ) هُوَ الصَّحِيحُ حَتَّى يَجِبَ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِهَا وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْأَذْكَارِ كَالتَّعَوُّذِ وَالثَّنَاءِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَبْنَى الصَّلَاةِ عَلَى الْأَفْعَالِ دُونَ الْأَذْكَارِ لَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَجَدَ لِلسَّهْوِ إلَّا فِي الْأَفْعَالِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الْأَذْكَارَ تُضَافُ إلَى جَمِيعِ الصَّلَاةِ يُقَالُ تَشَهُّدُ الصَّلَاةِ وَقُنُوتُ الْوِتْرِ وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدَيْنِ فَصَارَتْ مِنْ خَصَائِصِهَا بِخِلَافِ تَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ حَيْثُ تُضَافُ إلَى الرُّكُوعِ فَقَطْ فَلَا يَجِبُ الْجَابِرُ بِتَرْكِهَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْجَهْرُ وَالْإِسْرَارُ فِيمَا يَجْهَرُ وَيُسِرُّ) وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ هُمَا سُنَّتَانِ حَتَّى لَا يَجِبَ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مَقْصُودَيْنِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْقِرَاءَةُ فَصَارَا كَالْقَوْمَةِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسُنَنُهَا رَفْعُ الْيَدَيْنِ لِلتَّحْرِيمَةِ وَنَشْرُ أَصَابِعِهِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ نَاشِرًا أَصَابِعَهُ» وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ لَا يَضُمَّ كُلَّ الضَّمِّ وَلَا يُفَرِّجَ كُلَّ التَّفْرِيجِ بَلْ يَتْرُكُهَا عَلَى حَالِهَا مَنْشُورَةً.

قَالَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: بَطَلَ الْقُعُودُ) فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْقُعُودَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ (قَوْلُهُ: جُزْءًا أَوْ كُلًّا) حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ مَا تَعَلَّقَ؛ لِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِالْمُتَّحِدِ كُلُّ الصَّلَاةِ كَالْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ أَوْ جُزْؤُهَا وَهُوَ الرَّكْعَةُ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُتَّحِدَ لَمْ يُشْرَعْ شَيْءٌ آخَرُ مِنْ جِنْسِهِ فِي مَحَلِّهِ فَإِنْ فَاتَ فَاتَ أَصْلًا فَيَفُوتُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ جُزْءِ الصَّلَاةِ أَوْ كُلِّهَا بِخِلَافِ الْمُتَكَرِّرِ فَإِنَّهُ لَوْ فَاتَ أَحَدُ فِعْلَيْهِ بَقِيَ الْفِعْلُ الْآخَرُ مِنْ جِنْسِهِ فَلَمْ يَفُتْ مَا تَعَلَّقَ بِهِ كَمَا لَوْ أَتَى بِإِحْدَى السَّجْدَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ وَتَرَكَ الْأُخْرَى وَإِنَّمَا قَالَ يُرَاعَى وُجُودُهُ صُورَةً وَمَعْنًى؛ لِأَنَّ أَحَدَ فِعْلِي الْمُتَكَرِّرِ لَوْ فَاتَ عَنْ مَحَلِّهِ، ثُمَّ أَتَى بِهِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ الْتَحَقَ بِمَحَلِّهِ الْأَوَّلِ فَكَانَ مَوْجُودًا فِيهِ مَعْنًى وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ صُورَةً بِخِلَافِ الْمُتَّحِدِ فَإِنَّهُ لَمْ يَلْتَحِقْ بِمَحَلِّهِ الْأَوَّلِ حَيْثُ فَاتَ بِفَوَاتِهِ فَلَمْ يُوجَدْ صُورَةً وَمَعْنًى. اهـ. يَحْيَى.

(قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ فَرْضٌ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ هُوَ فَرْضٌ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. اهـ. وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ أَبُو الْيُسْرِ مَنْ تَرَكَ الِاعْتِدَالَ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَلَوْ أَعَادَ يَكُونُ الْفَرْضُ الثَّانِي لَا الْأَوَّلُ وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ لُزُومَ الْإِعَادَةِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ إلَى أَنَّ الْفَرْضَ أَيُّهُمَا. اهـ. كَذَا فِي الدِّرَايَةِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا إشْكَالَ فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ إذْ هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ وَيَكُونُ جَابِرًا لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَكَرَّرُ وَبِجَعْلِهِ الثَّانِيَ يَقْتَضِي عَدَمَ سُقُوطِهِ بِالْأَوَّلِ وَهُوَ لَازِمُ تَرْكِ الرُّكْنِ لَا الْوَاجِبِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ امْتِنَانٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى إذْ يُحْتَسَبُ الْكَامِلُ وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْفَرْضِ لِمَا عَلِمَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ سَيُوقِعُهُ. اهـ. مِنْهُ وَفِي الْإِسْبِيجَابِيِّ الطُّمَأْنِينَةُ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا فَرْضٌ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ لَمْ يُذْكَرْ هَذَا الِاخْتِلَافَ فِي الْكِتَابِ وَلَكِنْ تَلَقَّيْنَاهُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِمَنْ أَخَفَّ الصَّلَاةَ إلَى آخِرِهِ) اسْمُهُ خَلَّادُ بْنُ رَافِعٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: سَمَّاهُ صَلَاةً) وَالْبَاطِلَةُ لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ أَوْ يُقَالُ وَصْفُهَا بِالنَّقْصِ وَالْبَاطِلَةُ إنَّمَا تُوصَفُ بِالِانْعِدَامِ فَعُلِمَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَمَرَهُ بِإِعَادَتِهَا لِيُوقِعَهَا عَلَى غَيْرِ كَرَاهَةٍ لَا لِلْفَسَادِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: انْتَقَصَ مِنْ صَلَاتِك) مِنْ زَائِدَةٌ أَوْ تَبْعِيضِيَّةٌ. اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالتَّشَهُّدُ) أَيْ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فَلِذَلِكَ أُطْلِقَ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً فِي الْأُولَى وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبَعْضِ اهـ ع.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْجَهْرُ وَالْإِسْرَارُ إلَى آخِرِهِ) لِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِمَا وَهَذَا إذَا كَانَ إمَامًا أَمَّا إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ. اهـ. رَازِيٌّ.

[سُنَن الصَّلَاة]

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَسُنَنُهَا إلَى آخِرِهِ) هِيَ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ عَلَى مَا ذُكِرَ. اهـ. ع (قَوْلُهُ: لِلتَّحْرِيمَةِ) أَيْ وَتُعَيَّنُ لَفْظَةُ اللَّهُ أَكْبَرُ. اهـ. كُنُوزٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>